د. شوقى عبدالكريم علام

فقه «فتبينوا» نحو تكوين وعى رشيد «2»

السبت، 12 أكتوبر 2019 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اتجهت البشرية إلى إنتاج بعض العلوم التى تضمن لها سلامة المعلومة التى تُثقل العقل البشرى حين تَرِد إليه، وما يترتب على تلك المعلومة من وعى تجاه قضية ما، أو موقف من أمر ما، من ضمن هذه العلوم ما يُعرف بـ«تحليل البيانات» ووظيفته تتلخّص فى جمع البيانات وفحصها وتدقيقها وتحديد ماهيّتها وما ينبنى عليها من رؤى وأساليب وقرارات عمليّة فى أرض الواقع.
 
ودعت الحاجة إلى مثل هذه الأمور, نظرًا للزخم المعلوماتى الذى نعيش فيه الآن، فسائر الوسائل الناطقة أو المقروءة تحمل كمًّا من المعلومات والبيانات والإحصاءات منها الصحيح ومنها الزائف، وكلٌّ يُشكّل وعيًا بناء على مُنطلقه.
 
ومعنى «تزييف الوعى» هو إنتاج وتصدير معلومات خاطئة حول أمر ما، من أجل تشكيل وعى زائف تجاه هذا الأمر، ومن ثم تتخذ إجراءات من شأنها تعطيل الحقيقة وإظهار غيرها مكانها.
 
وقد وقعت فى عهد سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حادثة ترددت فيها المعلومات الخاطئة والشائعات الباطلة فكونت وعيًا زائفا، هذه الحادثة هى ما تُعرف بـ«حادثة الإفك» وهى الحادثة الأشهر فى تاريخ المسلمين أحدثت رجّة مُجتمعيّة جرّاء ترويج كذب واختلاق فى البيت النبوى الشريف النقى الطاهر، حيث كان الإفك والكذب متعلّقا بعِرض رسول الله فى أهل بيته.
 
تروى القصّة أنّ السيدة عائشة خرجت فى سفر فتأخرت راحلتها عن الرَّكْبْ فرآها صفوان بن المعطِّل فأناخ لها راحلته فركبت، فلمّا رأى المنافقون عودتها معه، استغلوا هذه الفرصة لكى ينشروا شائعة مُزيّفة، فأشعلوا نيران الكذب والاختلاق والتلفيق.
 
ولما كان الأمر كذلك انتشر الكلام حول الموضوع وأصبح يمثّل حالة عامة وتشكيكا فى نزاهة وطُهر البيت النبوى، حتى أنزل الله قرآنا فى هذا الأمر بعدما احتد الأمر واشتد على الرسول وعلى الصحابة وعلى المسلمين وعلى ساكنى المدينة أجمعين.
 
أنزل الله قوله تعالى: «إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ» «النور: 15»، أنزل الله هذه الآية للبراءة من هذا الأمر، والمتأمّل فى الآية الكريمة يجد التعبير اللغوى فى قوله «تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ» فى غاية البلاغة؛ حيث استعمل الاستعارة المكنية فشبه الخبر والكلام الدائر بشخص وشبّه الراوى للخبر بمن يتهيأ ويستعد للقائه على طريقة تخييلية، كما يُعبّر الطاهر بن عاشور فى تفسير الآية، بتشبيه الألسن فى رواية الخبر بالأيدى فى تناول الشىء.
 
والأصل أنّ الإنسان يتلقّى الأخبار بأذنه، ولكنه عبّر هنا عن التلقّى باللسان، لأنه سُرعان ما انتشر الخبر فلم يصبروا على تمحيصه وتمريره على العقل قبل قبوله ليعلموا صدقه من كذبه، أو صحيحه من زيفه؛ لكنهم نشروه دون دراية، ودون تروٍّ وتريّثٍ، فأحدث ذلك رجّة مُجتمعيّة نتيجة للوعى الحاصل من القصّة المُختلقة، ولذلك وبّخهم الله فى ختام الآية بقوله: «وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ».
 
ولهذا حذّر رسول الله صلى الله عليه وسلم من تداول الإنسان المسلم للأخبار لمجرّد سماعها فقال: «كفى بالمرء كذبًا أو إثمًا أن يحدث بكل ما سمع»،  يقول الإمام النووى مُعلّقًا على الحديث: «فيه الزجر عن التحديث بكل ما سمع الإنسان فإنه يسمع فى العادة الصدق والكذب فإذا حدث بكل ما سمع فقد كذب لإخباره بما لم يكن».
 
ويثور فى هذا الصدد التساؤل عن موقف الإنسان من كل خبر يتلقاه من غيره هل ينقله بمجرد تلقيه؟ والواقع أن هذا الأمر يُنظر له من جانبين:
الأول: أنّ المسلم مُطالب بالتحرّى عن صحّة الخبر فى مظانه المختلفة، حتى تتحقّق له المصداقيّة اليقينية التى تسمح له ببناء صورة حقيقيّة مُستقاة من الخبر الصحيح غير الزائف.
 
الثانى: ما يترتب على نقل هذا الخبر من آثار على الفرد والمجتمع، فليس كُلّ ما يُعرف يُقال، ولكلّ حقٍّ باطل يُشبهه، فربما نقل الباطل وهو يظنه حقًّا فشكّل وعيًا جمعيًّا لدى الناس جرّاء ذلك فأفسد عليهم معايشهم ودنياهم.
 








الموضوعات المتعلقة


مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة