سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 8 يناير 1952.. جمال عبدالناصر يحاول اغتيال اللواء حسين سرى ويؤكد ندمه ويسهر الليل مرددا: «ليته لا يموت»

الثلاثاء، 08 يناير 2019 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 8 يناير 1952.. جمال عبدالناصر يحاول اغتيال اللواء حسين سرى ويؤكد ندمه ويسهر الليل مرددا: «ليته لا يموت» جمال عبدالناصر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
جاءت الليلة الموعودة وخرج الضابط جمال عبدالناصر بنفسه مع جماعة التنفيذ، حسبما يذكر فى كتابه «فلسفة الثورة»، مضيفا: «سار كل شىء طبقا لما تصورناه.. كان المسرح خاليا كما توقعنا، وكمنت الفرقة فى أماكنها التى حددت لها، وأقبل الواحد الذى كان يجب أن يزول، وانطلق نحوه الرصاص، وانسحبت فرقة التنفيذ، وغطت انسحابها فرقة الحراسة، وبدأت عملية الإفلات إلى النجاة، وأدرت محرك سيارتى وانطلقت أغادر المسرح الذى شهد عملنا الإيجابى الذى رتبناه».
 
لم يذكر عبدالناصر اسم «الواحد الذى كان يجب أن يزول»، وكان هو اللواء حسين سرى عامر قائد سلاح الحدود «القريب من قلب الملك فاروق ملك مصر»، حسب الدكتورة لطيفة سالم فى كتابها«فاروق وسقوط الملكية فى مصر»، مؤكدة: «تمكن من أن يصل إلى قلب الملك عن طريق الصفقات والمنافع المادية التى قدمها له، بالإضافة للهدايا التى كان من بينها صندوق الاستاكوزا الذى يصل أسبوعيا إلى القصر من الغردقة».. أما جماعة التنفيذ التى قررت إزالته بالاغتيال فتكونت وفقا لتأكيد «سالم» من «حسن إبراهيم، وحسن التهامى، وكمال الدين حسين»، فى حين يذكر خالد محيى الدين فى مذكراته «والآن أتكلم» كمال الدين رفعت، وليس كمال الدين حسين، وجاءت المحاولة بعد أيام من انتخابات نادى الضباط التى حاول الملك طرحه فيها كمرشح ضد اللواء محمد نجيب، لكنه لم يخضها رفضا من الضباط.
 
كانت «جماعة التنفيذ» من ضباط تنظيم «الضباط الأحرار» بقيادة جمال عبدالناصر الذى يضع هذه المحاولة فى سياق تاريخى يقول عنه: «جاءت الحرب العالمية الثانية وما سبقها بقليل على شبابنا فألهبته، وأشاعت النار فى خلجاته، فبدأ اتجاهنا، اتجاه جيل بأكمله يسير إلى العنف، وأعترف، ولعل النائب العام لا يؤاخذنى بهذا الاعتراف، أن الاغتيالات السياسية توهجت فى خيالى المشتعل فى تلك الفترة، على أنها العمل الإيجابى الذى لا مفر من الإقدام عليه إذا كان يجب أن ننقذ مستقبل وطننا، وفكرت فى اغتيال كثيرين وجدت أنهم العقبات التى تقف بين وطننا وبين مستقبله، ورحت أحصى جرائمهم، وأضع نفسى موضع الحكم على أعمالهم، وعلى الأضرار التى ألحقتها بهذا الوطن، ثم أشفع ذلك بالحكم الذى يجب أن يصدر عليهم، وفكرت فى اغتيال الملك السابق «فاروق» وبعض رجاله الذين كانوا يعبثون بمقدساتنا، ولم أكن وحدى فى هذا التفكير، ولما جلست مع غيرى انتقل بنا التفكير إلى التدبير».
 
هكذا توهجت فكرة الاغتيالات لدى عبدالناصر، وبدأ تنفيذها يوم 8 يناير، مثل هذا اليوم 1952، غير أنه انقلب عليها كوسيلة للتغيير، ويكشف سر هذا الانقلاب، مشيرا إلى أنه بدأ أثناء انسحابه بسيارته من المكان الذى شهد محاولة الاغتيال، ويتذكر: «فجأة دوت فى سمعى أصوات صراخ وعويل وولولة امرأة ورعب طفل، ثم استغاثة متصلة محمومة، وكنت غارقا فى مجموعة من الانفعالات الثائرة، والسيارة تندفع بى مسرعة، ثم أدركت شيئا عجيبا.. كانت الأصوات مازالت تمزق سمعى.. الصراخ والعويل والولولة والاستغاثة المحمومة، كنت بعدت عن المسرح بأكثر ما يمكن أن يسرى الصوت، ومع ذلك بدأ ذلك كله يلاحقنى ويطاردنى، ووصلت إلى بيتى، واستلقيت على فراشى وفى عقلى حمى وفى قلبى وضميرى غليان متصل، وكانت أصوات الصراخ والعويل والولولة مازالت تطرق سمعى، ولم أنم طوال الليل».
 
يواصل عبدالناصر: «بقيت مستلقيا على فراشى فى الظلام، أشعل سيجارة وراء سيجارة، وأسرح مع الخواطر الثائرة، ثم تتبدد كل خواطرى على الأصوات التى تلاحقنى، أكنت على حق؟ وأقول لنفسى فى يقين: دوافعى كانت من أجل وطنى، أكانت تلك الوسيلة هى التى لا مفر منها؟ وأقول لنفسى فى شك: ماذا كان فى استطاعتنا أن نفعل؟ أيمكن حقا أن يتغير مستقبل بلدنا إذا خلصناه من هذا الواحد أو من غيره، أم أن المسألة أعمق من هذا؟ وأقول لنفسى فى حيرة: أكاد أحس أن المسألة أعمق، إننا نحلم بمجد أمة فما هو الأهم؟ أيمضى من يجب أن يمضى أم يجىء من يجب أن يجىء؟.. وأقول لنفسى وإشعاعات من النور تتسرب بين الخواطر المزدحمة: بل المهم أن يجىء من يجىء.. إننا نحلم بمجد أمة ويجب أن يبنى هذا المجد، وأقول لنفسى ومازلت أتقلب فى فراشى فى الغرفة التى ملأها الدخان وتكاثفت فيها الانفعالات: وإذن؟.. وأسمع هاتفا يرد على: وإذن ماذا؟ وأقول لنفسى فى يقين هذه المرة: إذن يجب أن يتغير طريقنا.. ليس ذلك العمل الإيجابى الذى يجب أن نتجه إليه.. المسألة أعمق جذورا، وأكثر خطورة وأبعد غورا».
 
يضيف: «وجدت نفسى أقول فجأة: ليته لا يموت، وكان عجيبا أن يطلع على الفجر، وأنا أتمنى الحياة للواحد الذى تمنيت له الموت فى المساء، وهرعت فى لهفة إلى إحدى صحف الصباح، وأسعدنى أن الرجل الذى دبرت اغتياله، كتبت له النجاة». 
 
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة