قمع واعتقالات وتجسس، كلمات تصلح لتكون عنوان فضائح الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، فى ملاحقة معارضيه داخل وخارج تركيا، التى تكشف حملته الممنهجة لخرق القانون الدولى من أجل البطش بكل من ينتقد أو يعارض سياساته، فالرئيس التركى لم يكتف بانتهاك قوانين بلاده وتفصيلها بما يخدم مصالحه وأهوائه، بل عمد أيضا لتجاوز القانون فى عدد كبير من دول العالم بطرق غير مشروعة، مستغلا فى تحقيق أهدافه السياسة والدين معا.
الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، له تاريخ طويل من التجسس على معارضيه والبطش بهم، ورغم محاولاته العمل فى سرية تامة، إلا أن فى أغلب الأحيان فضح الأمر كان بسبب تحركات غير محسوبة من رجاله الذين ورطوا أنفسهم وورطوه بكشف تجاوزاتهم القانونية داخل وخارج البلاد، والتى كان آخرها، وثيقة جديدة، كشفت أن السفارات التركية والمسئولين القنصليين شاركوا فى التجسس على منتقدى الحكومة فى بلدان أجنبية كجزء من أنشطة التجسس التى بلغت فى بعض الأحيان حملة منهجية ومتعمدة من التجسس للاجئين.
وثيقة وزارة الخارجية التركية المدرجة فى لائحة الاتهام
الوثيقة التى تم ضمها إلى دعوى قضائية فى تركيا، وحصل عليها موقع "نورديك مونيتور" المختص فى الشئون العسكرية والأمنية، تكشف عن قائمة طويلة من المراقبة التى استهدفت المؤسسات المنتسبة إلى أعضاء حركة جولن، وهم منتقدون صريحون لنظام رجب طيب أردوغان فى تركيا.
وفقا للأوراق الصادرة عن المحكمة الجنائية العليا فى أنقرة، فى 16 يناير 2019، فى القضية رقم 2016/238، قامت وزارة الخارجية التركية بتجميع قائمة طويلة من الكيانات الأجنبية التى كانت تملكها أو يديرها أشخاص ينظر إليهم على أنهم على مقربة من الحركة.
فى الوثيقة رقم 8211250 المُرسلة إلى مكتب المدعى العام فى 21 أغسطس 2015، والتى دمجت فى ملف الأدلة كمعرض رقم 2، أقرت الوزارة، بأنها جمعت معلومات فى العديد من البلدان فى الأمريكتين وأوروبا وآسيا وأوقيانوسيا.
موقع "نورديك مونيتور" ينشر فضيحة أردوغان
أدرجت على لائحة التجسس البلدان الأفريقية التالية "بوركينا فاسو، غينيا الاستوائية، إثيوبيا، المغرب، جابون، غانا، غينيا بيساو، جنوب أفريقيا، الكاميرون، كينيا، جمهورية الكونغو الديمقراطية، ليبيا، مدغشقر، مالى، مصر، موريتانيا، موزمبيق، النيجر، ونيجيريا، وجمهورية أفريقيا الوسطى، والسنغال، والصومال، والسودان، وتنزانيا، وتونس، وأوغندا".
كما أدرجت وزارة الخارجية التركية الأماكن التالية فى الولايات المتحدة، حيث كانت تدير عملية المراقبة فى "ألاباما، أريزونا، أركنساس، بوسطن، كاليفورنيا، كولورادو، فلوريدا، جورجيا، هيوستن، إنديانا، لويزيانا، لاس فيجاس، لوس أنجلوس، مينيسوتا، ميسورى، ونيفادا، ونيوجيرسى، ونيو مكسيكو، ونيويورك، وكارولينا الشمالية، وأوهايو، وأوكلاهوما، وبنسلفانيا، وسان انطونيو، وشيكاغو، وتينيسى، ويوتا، وواشنطن، وسان دييجو.
وفى الأمريكتين، تم إدراج عدة دول تحت التجسس التركى، وهى "الأرجنتين، والأكوادور، وكندا، والمكسيك، وبنما، وبيرو، وشيلى، وفنزويلا"، حيث عمل الدبلوماسيين الأتراك على مراقبة منتقدى الحكومة.
موقع "نورديك مونيتور" ينشر فضيحة تجسس رجال أردوغان على معارضيه
أما البلدان المدرجة فى آسيا، هى "أفغانستان، بنجلاديش، الإمارات العربية المتحدة، الصين، إندونيسيا، الفلبين، كوريا الجنوبية، جورجيا، الهند، العراق، اليابان، كمبوديا، كازاخستان، قرغيزستان، ماليزيا، منغوليا، ميانمار، باكستان، روسيا، سنغافورة، سريلانكا، والمملكة العربية السعودية، وطاجيكستان، وتايلاند، والأردن، وفيتنام".
وغطت عمليات التجسس التركية عدة دول أوروبية أيضا، هى "ألمانيا، ألبانيا، النمسا، بلجيكا، البوسنة والهرسك، بلغاريا، جمهورية التشيك، الدنمارك، فرنسا، فنلندا، كرواتيا، هولندا، المملكة المتحدة، السويد، كوسوفو، لاتفيا، ليتوانيا، لوكسمبورج، المجر، مقدونيا، مولدوفا، النرويج، بولندا، البرتغال، رومانيا، سلوفينيا، صربيا وأوكرانيا"، كما أضيفت أستراليا ونيوزيلندا إلى القائمة الطويلة للأماكن التى تدير فيها الحكومة التركية المراقبة غير القانونية.
وقد تم التأكيد على أنشطة المراقبة غير القانونية التى قامت بها الحكومة التركية والتى تصل إلى حد التجسس حتى فى الدول الصديقة من خلال التغطية المكثفة فى وسائل الإعلام السويدية وأيدها السفير التركى السابق فى ستوكهولم، الذى قال "أنا شخصيا أجد من الطبيعى أن تهتم الدولة التركية بمثل هذه الأنشطة إذا كانوا فى السويد".
فضائح أردوغان فى ملاحقة معارضيه خارج تركيا
وقال كايا توركمين السفير التركى فى السويد، عام 2016، فى مقابلة مع إذاعة سويدية، إنه "لا يعتقد أن تركيا تنتهك القانون السويدى"، مدعيا أن "كل دولة لها الحق فى جمع المعلومات عن الأنشطة الموجهة ضدها حتى لو كانت على الأفراد الذين يعيشون فى السويد".
وقد كان للتجسس على المعارضين تداعيات على الأتراك وكذلك غير الأتراك، واستناداً إلى قوائم التجسس، تم اعتقال الأشخاص والتحقيق معهم وحتى مقاضاتهم فى تركيا، فإن العمل كمدرس فى المدارس التى تديرها حركة جولن فى الخارج أو إرسال الأطفال إلى تلك المدارس يعتبر عملا إرهابيا من قبل حكومة أردوغان.
عندما تم الكشف عن نشاط المراقبة الموسع فى عام 2017، اتصل وزير الخارجية السويدى مارجوت وولستروم، بالسفير توركمين، وعبر عن مخاوف الحكومة السويدية بشأن مراقبة منتقدى الحكومة التركية وفضيحة التجسس.
ووفقا لتقرير صادر من Süddeutsche Zeitung مع محطات التلفزيونNDR و WDR، فى مارس 2017، قامت منظمة الاستخبارات الوطنية التركية (MİT) ، بإعداد قائمة تضم 300 تركى و200 مدرسة وجمعيات ومنظمات مرتبطة بحركة جولن فى ألمانيا، والتى تضمنت عناوين وأرقام هواتف وصور الأشخاص.
وقال التقرير، أيضا، إن السلطات الألمانية بدأت فى تحذير الناس الذين كانوا على قائمة "MİT"، حيث تولى كل من وكالة المخابرات والشرطة مسئولية إبلاغ المتعاطفين مع حركة جولن، بأمر مراقبتهم من قبل حول مراقبة "MİT".
كما شاركت السلطة الدينية العليا فى تركيا، ومديرية الشئون الدينية (Diyanet)، والشركات التابعة لها فى الخارج/ فى نشاط غير قانونى للمراقبة وجمع المعلومات الاستخبارية، وواجه الأئمة الذين كانوا يعملون لدى شركة DİTİB الألمانية، التابعة لـ Diyanet، تحقيقات من قبل السلطات الألمانية بسبب الادعاءات الموجهة ضدهم، وفى عام 2017، داهمت فرق الشرطة الألمانية الشقق المؤلفة من أربعة أئمة من "DİTİB"، فى شمال الراين-وستفاليا و Rhineland-Palatinate، الذين يشتبه فى قيامهم بدور المخبرين.
وقال مكتب المدعى العام الاتحادى (GBA)، فى بيان، إن الأئمة تصرفوا بناء على أمر صدر فى 20 سبتمبر 2016، من قبل المديرية لإطلاع المتعاطفين مع حركة جولن.
المخابرات التركية تسعى لنيل مساعدة ألمانيا فى أعمالها غير المشروعة
اللافت للنظر هنا، أن الأتراك جاهروا بأفعالهم المخالفة للقانون فى كثير من الأحيان، فبحسب تقرير نشرته شبكة "BBC" الإخبارية، فى مارس 2017، قال توماس دى مازيرى، وزير الداخلية الألمانى، إنه لن يُسمح لتركيا بالتجسس على الأتراك الذين يعيشون فى ألمانيا، وذلك بعدما أفادت تقارير، بأن رئيس جهاز الاستخبارات التركى، سلم نظيره الألمانى قائمة بأسماء الأشخاص المشتبه بمعارضتهم للحكومة التركية، وتضمنت القائمة معلومات خاصة وصورا من كاميرات مراقبة، لأسماء 300 شخص و200 مؤسسة يعُتقد بأن لديهم علاقة بحركة جولن.
ورغم أن هذه الخطوة كانت تهدف إلى إقناع السلطات الألمانية بمساعدة نظيرتها التركية، إلا أن النتيجة كانت تحذير هؤلاء الأشخاص بعدم السفر لتركيا أو زيارة القنصليات أو السفارات التركية فى ألمانيا التى تحتضن نحو 1.4 مليون شخص يحق لهم التصويت فى الانتخابات والاستفتاءات التركية، كما أبلغت ألمانيا، تركيا بأن هذا الأمر غير مقبول، مشددة عل أن لدى هؤلاء الأشخاص حصانة ألمانية، ولن يقبل بأن يتم التجسس عليهم من قبل دول أجنبية.
أردوغان يستغل المؤسسات الدينية للتجسس على معارضيه
وإلى جانب العمل الأمنى لملاحقة معارضى أردوغان داخل وخارج تركيا، كان هناك استغلال لرجال الدين والمؤسسات الدينية، ولكن فى يناير 2019، حاول الاتحاد الإسلامى التركى فى ألمانيا "ديتيب"، أن ينأى بنفسه من الشبهات والانتقادات التى تلاحقه بسبب قربه من السلطات التركية، التى اتهم بسببها بالتجسس على معارضى أردوغان.
ولكى يأخد نفسه بمنأى عن المزيد من الشبهات والانتقادات، أطلق الاتحاد الإسلامى التركى – بحسب ما نشرته وسائل إعلام تركية - مبادرة تدشن بداية جديدة للمؤسسة، وجاءت تلك المبادرة بعد تعرض الاتحاد الإسلامى التركى فى ألمانيا لاتهامات بدوره فى العمليات التجسس التى ترعاها السلطات التركية، خاصة وأن اتحاد "ديتيب" يخضع لسلطة رئاسة الشئون الدينية التركية، فى تركيا، حيث أنه يوفر الأئمة لنحو 900 مسجدا فى ألمانيا، فضلا عن منحه رواتب لهم.
وفى هذا السياق، قال رئيس الاتحاد، كاظم تركمان، فى تصريحات صحفية، من مدينة كولونيا، إن هناك تغييرات تلوح فى الأفق بالنسبة لطريقة عمل وهيكل الاتحاد الإسلامى التركى للشئون الدينية، ولم يكشف "تركمان" عن التفاصيل الدقيقة لهذه التغييرات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة