- 5 عينات من السبيكة الواحدة لمطابقة العيار.. وتكسير المشغولات غير المطابقة وإعادتها لإعادة إنتاجها
يتقلب الاقتصاد وتتبدل أوضاعه، وتسير مؤشراته بين شد وجذب، ويظل الذهب مخزن القيمة الأكثر أمانًا، والاستثمار الأكثر استقرارًا بالنسبة لكثيرين من الناس، وبفضل هذا البعد الاقتصادى، واعتماده وسيلة أساسية للزينة لدى قطاعات واسعة من الناس، تزدهر صناعة الذهب وتتنامى تجارته بشكل دائم.
من المعروف اقتصاديًا أن القوة الشرائية تتجه إلى الذهب فى أوقات بعينها، فى مقدمتها مواسم الأعراس والزواج التى يحضر فيها كهدية وشبكة ثابتة، وعلى رأسها فترات الاضطراب والقلق من الأوضاع الاقتصادية، وتأرجح مؤشرات التجارة وأسعار العملات، ليتقدم وقتها خطوة إلى الأمام مقتنصًا حصة كبيرة من مدخرات الناس ومخصصاتهم الاستثمارية، باعتباره حاملًا للقيمة وأقل تأثرًا بتحولات السوق. وفى النقطة الأخيرة يحجز الذهب مقعدًا عاليًا على لائحة تفضيلات المستهلكين فى أنحاء العالم.
فى ضوء هذا الحيز الذى يشغله المعدن الأصفر، تحافظ صناعة الذهب وتجارتها على معدلات أداء ونمو مستقرة بدرجة كبيرة. وتدور فى فلكها عشرات الأنشطة المهنية والفنية، بدءًا من عمليات استخراجه من المناجم، عبورًا بالتنقية والسبك، ثم التصميم وتنفيذ المشغولات، أو شراء الذهب القديم وإعادة تصنيعه، وصولًا إلى مراقبة جودته والتزامه بالمعايير والمواصفات الفنية والقياسية، ودمغه تمهيدًا لطرحه فى الأسواق.. وفى التقرير التالى تتبع «اليوم السابع» رحلة المعدن الأصفر من المسابك إلى الصاغة، مرورًا بمحطته الأهم فى مصلحة الدمغة والموازين.
الدمغة وحصار المتلاعبين
رغم ازدهار تجارة الذهب وحجم أعمالها الضخم، يظل الحصول على قطعة ذهبية جيدة ومطابقة للمواصفات القياسية أمرًا غير سهل، ويمر بمراحل عديدة معقدة، أبرزها داخل مصلحة الدمغة والموازين التابعة لوزارة التموين والتجارة الداخلية، التى تضطلع بنشاط فنى خلال عملية التصنيع والتجهيز، إضافة إلى مراقبة الأسواق ومحلات الصاغة، للتأكد من جودة المشغولات المطروحة فى المحلات ودمغها من المصلحة، حفاظًا على حقوق المستهلكين.
فى جولتنا داخل مصلحة الدمغة والموازين، رافقنا رئيس المصلحة، اللواء مهندس عبدالله منتصر، عارضًا رحلة المعدن الأصفر بدءًا من تسليم المنتجين المشغولات أو السبائك الذهبية أو البلاتينية ومنتجات الفضة إلى قسم الوزن والتخزين بالمصلحة، وهو أولى مراحل الدمغ، وصولًا إلى عملية التحليل والتأكد من مطابقة المواصفات.
الرحلة داخل المصلحة تبدأ بتسلم الموظف المختص المشغولات الذهبية من التاجر أو الصانع المصرح له، أو أحد الأشخاص النائبين عنه بتوكيل رسمى، ثم وزنها ومطابقتها بالوزن المستلمة به من صاحبها، ثم إعطاء صاحبها إيصالًا بوزن المشغولات ورقم مسلسل تدخل به إلى مرحلة الفحص دون أسماء حفاظًا على السرية التامة خلال مراحل الدمغ، بعدها تُرسل المشغولات إلى قسم التحرير والتحليل، لإعادة وزنها مرة أخرى والتأكد من مطابقة أوزان قسم التخزين مع أوزان التحرير، ثم أخد عينات عشوائية من كل قطعة وتسليمها إلى قسم التحليل، لفحصها والتأكد من مواصفاتها.
خلية نحل فى المصلحة
العمل فى مصلحة الدمغة والموازين خلية نحل، يندمج داخلها الجميع بدءًا من العمال والموظفين، حتى رئيسها اللواء مهندس عبدالله منتصر، ورغم قلة عدد العمالة لخروج كثيرين على المعاش سنويًا دون تعيين عناصر جديدة، إلا أن حالة العمل تسير بشكل منضبط وإيقاع مستقر، رغم الأعباء الضخمة الواقعة على عاتق العاملين.
ورغم انخفاض عدد العمالة فإن طاقة العمل تظل كبيرة، بحسب تأكيد رئيس مصلحة، إذ يُنجز فريق الدمغة قرابة 50 ألف قطعة ذهبية يوميًا، إضافة إلى دمغ سبائك الذهب والفضة، ومطابقة الأحجار الكريمة. وتراعى المصلحة خلال عملية التحليل عددًا من الضوابط الفنية، فإذا كانت قطعة الذهب مركبة، أى تتكون من أكثر من شكل، تؤخذ منها عينات عشوائية من كل الأشكال، لضمان دقة التحليل وتمثيله لكل جوانب القطعة، ثم تُقارن نتائج تقارير التحليل بالبيانات التى دخلت بها القطعة للمصلحة.
بعد حصول قسم التحرير على عينات من المشغولات تبدأ مرحلة الفحص بالتحليل، فتُضاف الفضة بمقدار مرتين ونصف المرة من حجم الذهب النقى، إذ تعمل الفضة على توسيع جزيئات العينة لتسهيل التحليل، ثم تُلف بالرصاص، وتدخل فرن التحليل عند 1200 درجة مئوية، ثم تُوضع فى أجهزة الفحص لمعرفة عيارها بدقة.
تسير مراحل دمغ المشغولات وفق نظام متكامل، إذ يُكمل كل قسم عمل القسم الذى يسبقه، وبعد الوصول إلى نتائج التحليل يُعاد وضع بيانات القطعة الذهبية من واقع الرقم السرى، لمعرفة صاحبها وتسليمها له، وحال عدم مطابقتها فتُكسّر وتُسلّم له لإعادة إنتاجها مرة أخرى.
مواصفات فنية قاسية
تعمل المصلحة وفق اشتراطات عملية ومواصفات فنية قاسية، فجرام الذهب عيار 21 يجب أن تكون نتائج عيّنته 875 مللى جرام ذهب خالص، مع سماح بواقع رقمين فقط «873 مللى جرام»، وفى عيار 18 تبلغ النسبة 750 مللى جرام ذهب خالص، مع سماح بواقع 8 أسهم «742 مللى جرام»، أما أقل من هذا فلا تُدمغ القطعة، وإنما تُعاد إلى صاحبها لإعادة معالجتها وفق المواصفات القياسية، وذلك بعد تكسيرها حتى لا تُستخدم أو تُمرر إلى السوق بوضعها غير السليم، ويمتد التكسير ليشمل زيادة معدلات الشوائب وتراجع نقاوة الذهب.
تكسير الذهب إلى جانب كونه أداة تأمين من احتمال تسريبها للسوق، فإنه يُعد عقوبة وغرامة، إذ تتسبب هذه العملية فى خسارة صاحب المشغولات الذهبية مبالغ كبيرة، قد تصل إلى 30 ألف جنيه فى الكيلو جرام الواحد.
عصر الدمغة بالليزر
حتى الآن ما زالت المصلحة تعمل بالطرق اليدوية القديمة، لكن بفضل تنامى سوق الذهب وزيادة حجم تداولاته، وجه الدكتور على المصيلحى، وزير التموين والتجارة الداخلية، بتطبيق نظام جديد فى دمغ المشغولات الذهبية بالليزر، وهو المقرر طرحه للتنفيذ خلال الأيام المقبلة.
من مزايا النظام الجديد أنه سيُمكن المواطنين من اختبار جودة المشغولات الذهبية، عبر تطبيق إلكترونى للهواتف المحمولة، فبمجرد تصوير المنتج بكاميرا الهاتف ستظهر النتيجة مباشرة، إضافة إلى عيار الذهب ووزن المنتج والشركة المصنعة، ما يُعنى صعوبة التلاعب فى المشغولات الذهبية، وضمان حصول المواطن على سلعة جيدة، إضافة إلى توفير أجهزة إلكترونية صغيرة الحجم لمفتشى المصلحة خلال حملاتهم الرقابية، للتأكد السريع من جودة المنتجات المعروضة ومطابقتها للمواصفات، بدلا من الطريقة الحالية التى يستخدم فيها المفتشون عدسات مكبرة.
الإسهام الأكبر لطريقة الدمغ بالليزر أنها ستقلص الجهد والوقت فى عملية فحص الذهب والتأكد من جودتها، ما يرفع معدلات العمل إلى قرابة 200 ألف قطعة ذهبية يوميًا، دون حاجة إلى زيادة العمالة، وهو ما يؤكده رئيس المصلحة بقوله: «نسعى لمضاعفة الإنتاج 4 مرات بعد تطبيق نظام الدمغة الجديد بالليزر».
حملات رقابية مكثفة
إلى جانب عملها اليومى فى الفحص والتحليل والدمغة، تضطلع المصلحة بمهمة مراقبة الأسواق والتحقق من جودة المشغولات الذهبية فى محلات الصاغة، فتنظم حملات يومية مكثفة على الأسواق والمحلات وورش الذهب، لمعايرة المشغولات والتأكد من جودتها ومصادرة القطع المغشوشة أو غير المدموغة.
أبرز المخالفات بحسب رئيس المصلحة، تشمل المشغولات بدون دمغة، والعيار غير السليم، والدمغة بأقلام مقلدة، مشيرًا إلى أن المصلحة حررت 142 محضرًا على مدار العام الماضى، وضبطت 25 كيلو و75 جرام ذهب، و21 كيلو و415 جرام فضة غير مطابقة للمواصفات، ومن جانبها تصادر هذه المشغولات لبيعها فى مزادات علنية لصالح الدولة، إلى جانب إحالة المحاضر إلى النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات القانونية بشأنها.
وسعيًا إلى ضبط العمل الرقابى، وإحكام السيطرة على السوق، تعمل المصلحة ووزارة التموين على تطوير التشريعات القائمة، وتعديلها لتغليظ العقوبات حتى تتناسب مع حجم المخالفات وما تحققه من أرباح، ويشير رئيس المصلحة إلى إعداد قانون الدمغة والمصوغات الموحد، بدلا من القانونين الحاليين: رقم 1 لسنة 1994 الخاص بالموازين والمقاييس، ورقم 68 لسنة 1976 الخاص بالمشغولات الذهبية والمعادن الثمينة والأحجار الكريمة، وأنه من المقرر إرسال القانون الجديد إلى مجلس الوزراء قريبًا، تمهيدًا لعرضه على البرلمان.
وأوضح اللواء مهندس عبدالله منتصر، أن المصلحة ستطرح قريبًا مناقصة للشركات المحلية والعالمية لتنفيذ مشروع الدمغ بالليزر بدلًا من الطرق اليدوية، التى كان مقرر طرحها 10 يناير الجارى لكنها أُرجئت لحين إرسال كراسة الشروط إلى مجلس الدولة للتـأكد من سلامة الإجراءات، ولأن المجلس لم يُبد أية ملاحظات فمن المنتظر طرحها خلال أيام، وبمجرد فوز شركة بتنفيذ المشروع ستُمنح 3 أشهر لتوريد أجهزة الفحص والتحليل والدمغ والتكويد، بجانب الأجهزة الصغيرة التى سيستخدمها مفتشو المصلحة فى حملاتهم، مشددًا على أن النظام الجديد سيمنع التلاعب، ويوفر للمستهلك فرصة اختبار المشغولات قبل شرائها، والأهم سيزيد كميات الذهب المدموغة يوميًا بـ4 أضعاف الكميات الحالية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة