ملايكة بـ"دبورة وكاب".. ذكرى أبطال الإسماعيلية تجدد روائح شهداء النضال ضد الإرهاب فى ربوع مصر.. نجاحات الأمن فى القضاء على الإرهاب تثلج قلوب أسر الشهداء.. والد الشهيد هشام شتا: روحه حولنا دائما

الثلاثاء، 22 يناير 2019 11:30 ص
ملايكة بـ"دبورة وكاب".. ذكرى أبطال الإسماعيلية تجدد روائح شهداء النضال ضد الإرهاب فى ربوع مصر..  نجاحات الأمن فى القضاء على الإرهاب تثلج قلوب أسر الشهداء.. والد الشهيد هشام شتا: روحه حولنا دائما شهداء مصر
كتب - محمود عبدالراضى - على عبدالرحمن

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يخرجون على كف الرحمن، تاركين وراءهم بيوتا وأحبة وأحلاما مؤجلة، ومستقبلين هموما ومسؤوليات تكلّ عن حملها الجبال، ومع كل خطوة يوقنون تماما أنها قد تكون الأخيرة، وحينما تستقر أقدامهم، يستقبلون مصيرهم برضا وإيمان وبسالة وابتسام.
 
عشرات من الشهداء ضحوا بأرواحهم فداء مصر على مدى التاريخ الطويل، انضم لهم فى السنوات الأخيرة طابور من رجال الجيش والشرطة والمدنيين، فى معركة دامية مع إرهاب أسود يستهدف البلد وناسه، وفى الخامس والعشرين من يناير كل عام، إلى جانب أيام أخرى حية فى ذاكرة الوطن، تتجدد ذكرى هذا الطابور العظيم من الأبطال. قبل 67 سنة من الآن، وقف فريق من الأبطال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، حاملين بنادقهم المتواضعة وإيمانهم الكبير بالوطن وقدسية ترابه، ليواجهوا كتيبة ضخمة ومجهزة بأحدث الأسلحة والآليات، رافضين تسليم مبنى محافظة الإسماعيلية لقوات الاحتلال الإنجليزى، وتحت راية هذا الإيمان قضوا نحبهم، ليتركوا لنا ذكرى عطرة ومناسبة تاريخية تتجدد كل سنة، فتُجدد الفخر وتشحن الدم فى العروق بإحساس العظمة، ذلك الإحساس الذى تجلى فى 25 يناير 1952 على تراب الإسماعيلية، وبعد كل هذه العقود والسنوات، يتجدد إحساس العظمة مع ارتقاء كل شهيد جديد، أو تجدد ذكرى شهيد ضرب مثالا يُحتذى فى صيانة هذا الوطن والذود عن ترابه.
 
مصطفي-عبيد-
مصطفي عبيد
 

أسرة شهيد عزبة الهجانة: ابننا فى الجنة والإرهاب لن ينال من عزيمة أبطال الشرطة

 
احتفل بالعام الجديد وسط أسرته، لكنه لم يكن يعلم أنه سيكون عامه الأخير معهم، وفى الحياة، لأن يدا سوداء قررت زرع الموت فى محيط إحدى الكنائس، وكان عليه أن يلبى نداء الواجب ويُنقذ زوار الكنيسة وأهل المنطقة، حتى لو كان المقابل روحه.
 
لا يمكن نسيان الشهيد الرائد مصطفى عبيد، ضابط المفرقعات الذى استُشهد مطلع الشهر الجارى فى منطقة عزبة الهجانة بمدينة نصر، قبل ساعات من احتفال الأقباط بعيد الميلاد المجيد، إذ كان نصيبه أن يتلقى ضربة غادرة من عبوة ناسفة يفحصها، كان مُعدًّا أن تكون وسيلة كلاب الإرهاب لإفساد فرحة المصريين بالعيد.
 
استُشهد «مصطفى» خلال تفكيكه قنبلة زرعها شخص أعلى عقار بمنطقة عزبة الهجانة، وأكد شهود العيان من الأهالى أن الرائد البطل أسرع نحو المكان، وتعامل مع القنبلة بشجاعة وبدون خوف من الموت.
 
عرف اللواء عبيد الأزهرى، والد الشهيد، خبر استشهاد ابنه من خلال زملائه، الذين اتصلوا به وأبلغوه بالواقعة، وبثبات وثقة يتحدث الوالد قائلا: «ابنى كان نموذجا للضابط المقاتل الذى يستبسل فى الدفاع عن وطنه».
 
كان مصطفى عبيد ضابطا متميزا ومجيدا لعمله، وبفضل هذه الكفاءة نُقل إلى إدارة المفرقعات، وتلقى عديدا من الدورات التدريبية فى هذا الصدد، وأنجز عددا من المهام، قبل أن يستشهد فى انفجار قنبلة عزبة الهجانة.
 
ووجه الأب رجل الشرطة رسالة للإرهابيين، أكد فيها أن هذه الحوادث الغادرة والأعمال الجبانة لن تنال من عزيمة رجال الشرطة الأبرار، الذين يسهرون للدفاع عن أمن وسلامة مصر والمصريين، متابعا: «هناك أيادٍ خبيثة فى الخارج تقف وراء هذه الأعمال الجبانة، وتخطط لها، إلا أن رجال الشرطة يقفون لهم بالمرصاد وسيُحبطون كل مخططاتهم».
 
أما الدكتورة آيات، أرملة الشهيد، فإنها لم تستوعب خبر الرحيل بعد، والأمر نفسه بالنسبة لطفليه الصغيرين اللذين يعتقدان حتى الآن أن والدهما فى مهمة عمل وسيعود قريبا، قائلا: «البنت كبيرة شوية ومش مستوعبة إنها مش هتشوفه تانى، ودايما بقول لهم بابا فى مكان أفضل، فى الجنة».
 
الشهيد-هشام-شتا
الشهيد هشام شتا
 

والد الشهيد هشام شتا: روحه حولنا دائما.. والقضاء شفى غَليلى 

 
مواقف بطولية لا تُنسى عاشها هشام شتا مع موجة الإرهاب الأولى التى واجهتها مصر، ودفاعه الباسل عن استقرار البلاد وأمنها عقب تصعيد جماعة الإخوان الإرهابية لأعمالها العدائية فى الساعات التالية لفض اعتصام رابعة الإجرامى.
 
كان هشام شتا ضمن القوة المكلفة بحماية قسم شرطة كرداسة، وبعد ساعات من فض اعتصام رابعة الإرهابى دفعت جماعة الإخوان الإرهابية جحافل من عناصرها لمهاجمة مؤسسات الدولة والكنائس وأقسام الشرطة، وضمن هذه الموجة نفذت الجماعة مذبحة بشعة فى قسم شرطة كرداسة، خاضها رجال الشرطة ببسالة حتى تكتل عليهم الإرهابيون بالمئات، وقتلوهم بدماء باردة وأرواح سوداء.
 
يقول والد الشهيد هشام شتا، إن ابنه استُشهد فى مذبحة كرداسة يوم 14 أغسطس 2013، متابعا: «روحه تحيط بنا فى كل وقت ومكان، ونشعر دائما كأنه حى بيننا ويجلس معى أنا ووالدته، وحينما نذهب لزيارة قبره نشعر كأنه فوق الأرض وليس تحت التراب، ودائما يبدو غيابه كما لو كان منذ ساعات، وأنه فى مأمورية وسيعود إلينا قريبا».
 
ووجه والد الشهيد رسالة للإرهابيين بالقول: «لو لم يكن القانون قال كلمته، ممثلا فى حكم محكمة النقض بتاريخ 24 سبتمبر 2018، التى أيدت الحكم الصادر من محكمة الجنايات بإعدام 20 إرهابيا والسجن المؤبد لـ80 آخرين، والمشدد لباقى المتهمين، ما كنت لأكتفى بأن أضع رقبة كل واحد منهم بين أسنانى، ولا أتركها قبل فصلها عن جسمه ومص دمه، ولكن حكم محكمة النقض شفى غليلنا».
 
وأضاف والد الشهيد، أن وزارة الداخلية لا تألو جهدا فى التعاون مع أسر الشهداء وتسهيل أية عقبات يواجهونها فى أى مكان. إلى جانب جهودها فى تتبع الإرهابيين والقضاء عليهم، مؤكدا أن الدولة، ممثلة فى الجيش والشرطة، استطاعت دحر الإرهابيين وحصارهم والوصول بهم إلى الرمق الأخير، والمتبقون منهم الآن عبارة عن فئران ستدحرها الأجهزة الأمنية فى جحورها قريبا. مضيفا: «أتمنى أن نتعاون مع الأجهزة الأمنية فى القضاء على الإرهاب حتى آخر إرهابى، وأدعو كل مواطن مصرى يرى جارا أو زميلا تبدو عليه علامات تطرف وإرهاب أن يُبلغ عنه الأجهزة الأمنية فورًا».
 
الشهيد-مصطفى-سمير-محمد-بدوى0
الشهيد مصطفى سمير محمد بدوى
 

أرملة الشهيد مصطفى بدوى: ربنا ينتقم من الإرهابيين.. واهتمام الرئيس بيحسسنا بالفخر

 
رغم موجات الإرهاب، وبطولة الشرطة فى التصدى لها، فإن البطولة قد تتحق فى مكان آخر، بالدرجة نفسها، وبذات الشرف والعزة والإيمان، وهو ما حدث مع الشهيد مصطفى سمير محمد بدوى.
 
كان «مصطفى» صاحب قصة كُتب لها قدر من الانتشار، إذ تعاطف معها رواد مواقع التواصل الاجتماعى وتبادلوها ممتدحين بطولته وإخلاصه فى عمله، بعدما استوقف عاطلا ارتكب مخالفة مرورية فى كفر الشيخ، وحرر له محضرا ولم يتراجع عن تطبيق القانون رغم تهديدات المجرم ووعيده، فما كان من الأخير إلا أن أطلق النار عليه، مسجلا اسمه ضمن قائمة شهداء الواجب.
 
غادر مصطفى إلى سماء الله والواسعة، تاركا طفلة عمرها 3 سنوات، وذكريات حية وصافية فى قلوب أهله ومحبيه. وتقول أرملته مروة محمد الشاذلى، إنها توقن تماما أن زوجها الآن فى مكان أفضل، وفى موضع أسمى من أية مكانة دنيوية، مع النبيين والصديقين والشهداء، لكن الفراق يظل أمرًا قاسيًا. متابعة: «أدعو الله أن ينير قبره ويجعله روضة من رياض الجنة، وأنا متأكدة من كده، لأنه كان مثالًا لحُسن الخلق، وكل الناس فى كفر الشيخ كانوا بيشهدوا له بذوقه واحترامه، وده كان باين فى جنازته المهيبة اللى خرج فيها الشباب والبنات شايلين لافتات وداع للشهيد، وعلّقت سيارات الأجرة والتاكسى والسيارات الخاصة صوره، لأنه كان بيعامل الناس بكل حب، وكان بيستخدم روح القانون».
 
وبقدر من الإصرار والتحدى، وجهت مروة رسالة للإرهابيين والساعين للنيل من مصر: «أدعو الله أن ينتقم من الإرهابيين الذين رمّلوا زوجات الشهداء، وأن يحمى كل ضباطنا ورجال الجيش والشرطة، وأن يبارك فى ابنتى جيسى ويمنحنى القدرة لتربيتها على حب الوطن والولاء له مثل والدها الشهيد».
 
وأكدت أرملة الشهيد أنها تتابع جهود الداخلية فى دحر الإرهاب والقضاء عليه، وضبط الخارجين على القانون، وهو ما يشفى غليلها ويُبرّد قلبها يوما بعد يوم، مؤكدة اهتمام الوزارة وكل أجهزة الدولة بأسر الشهداء، والعمل على تحسين ظروفهم المعيشية والنفسية، مختتمة بالقول: «أكتر حاجة بتحسسنا بالفخر اهتمام الرئيس عبد الفتاح السيسى شخصيًا بأسر الشهداء، وآخرها لما كرمنا فى عيد الفطر المبارك، ومنحنا شرف الإفطار معه، ورحب بينا وبأولادنا».
 
الشهيد-امتياز--كامل-مع-أسرته
الشهيد امتياز كامل مع أسرته
 

أرملة شهيد الواحات: بعتبره فى مأمورية.. والرئيس حاططنا فى عينيه

 
بابتسامة واسعة ومميزة عاش حياته، وبالابتسامة نفسها ارتقى إلى الملكوت، حتى أنك لو اطلعت عليه الآن فى مقعده من السماء ستجده مبتسمًا كعادته.
كان الشهيد العميد امتياز محمد كامل إسحاق، بطلًا من طراز خاص، كان محبوبًا من الجميع، قادته وزملاؤه وضباطه الصغار، كما كان حريصًا على الحضور فى ميدان المعركة متقدمًا الصفوف الأولى، لم يُبالِ بالموت أو يهاب النار، فواجه الإرهابيين بشجاعة وثبات فى ملحمة الواحات، حتى سقط شهيدًا وارتفع إلى السماء فى زمرة الشهداء.
 
تقول أرملته سحر السيد أحمد، إن استشهاد زوجها خلال مواجهة عناصر إرهابية فى طريق الواحات يوم 20 أكتوبر 2017، ضمن 16 شهيدا من قوات الأمن، اختيار من الله، ومنحة إلهية وضعته فى مكانة يستحقها وهو جدير بها بين النبيين والشهداء، متابعة: «أفتقده أنا وأبناؤه، لكننا نوقن أنه فى مكانة سامية عند الله، ونطلب منه أن يربط على قلوبنا».
 
وتضيف أرملة الشهيد، أنه لم يكن عليه أى غبار طوال رحلته العملية، فقد كان مثالا للوطنية والحب والإخلاص لأرض الوطن، وكان محبوبا من الجميع، مستطردة: «لسه بعتبره أنا والولاد عايش بينّا، وهو بالنسبة لنا فى مأمورية، وأنا كمان فى مأمورية لتربية ولادنا على حب الوطن والانتماء زى أبوهم الشهيد».
 
ووجهت أرملة العميد امتياز كامل رسالة للإرهابيين، قائلة: «انتوا ينطبق عليكم قول الله عز وجل: فى قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا، فبأى منطق تقتلون الناس؟ وأى دين يدعو لهذا؟»، مؤكدة أنها تدعو الله أن يهدى هؤلاء الضالين إلى الحق والنور، فهذا ما تعلمته من زوجها، أن تُغلّب مصلحة الوطن على كل شىء، وبالتأكيد لو هداهم الله سنكسب مصلحة البلد دون إراقة أى دماء.
 
وأكدت السيدة سحر، أن وزارة الداخلية تبذل جهدا كبيرا فى محاربة الإرهاب ودحره، وفى الوقت نفسه ترعى مصالح أسر الشهداء، متابعة: «متأكدة إن الرئيس السيسى حاططنا فى عينيه، وإنه لو شعر إن أى أسرة من أسر الشهداء محتاجة أى شىء هيتحرك بنفسه ويعمله، وده حصل معايا بالفعل، فقد عانيت فى نقل طفلتى من مدرسة إلى أخرى، وتواصلت مع إدارة العلاقات الإنسانية، وفعلا أرسلوا ضابط من العلاقات العامة بالأمن المركزى وأنهى الأوراق معايا».
 
امنية-رشدي-شهيدة-الاسكندرية
امنية رشدي شهيدة الاسكندرية
 

والدة شهيدة الإسكندرية: «قتلوها قبل فرحها وهدخل أخوها الشرطة علشان ياخد تارها»

 
يسيطر الرجال على قوائم الشرف والشهادة، لكن نساء مصر الباسلات لا يغبن عن هذه القوائم، فتحضر كثيرات منهن ضمن طوابير الشهداء والمدافعين عن أرض هذا الوطن، ومنهن الشرطية أمنية رشدى، التى استُشهدت فى حادث استهداف الكنيسة المرقسية بالإسكندرية، بعد بطولتها فى منع الانتحارى من دخول الكنيسة. تستعيد والدة الشهيدة ذكرى ابنتها البطلة، ثم تتحدث عنها: «بنتى كان عمرها 25 سنة، تاريخ ميلادها 29 إبريل 1991 واستُشهدت فى 2016. ووقت الحادث كانت بتستعد لشراء جهازها وأثاث منزلها الجديد، لتبدأ حياة جديدة مع زوجها، لكن القدر لم يمهلها لتفرح بزفافها فى الأرض، وزفتها الملائكة عروسا للسماء». وأضافت والدة الشهيدة: «كانت أمنية ملاك مالى علينا الدنيا فرحة وسعادة، كن وشها بشوش وروحها صافية ومحبوبة من كل الناس، القرايب والجيران والأصدقاء والزملا، محدش عرف أمنية إلا وحبّها، ومن صغرها كانت بتضحى علشان غيرها»، ثم صمتت برهة، وتحدثت بصوت هادئ يملؤه الافتقاد: «وحشتينى يا أمنية.. نفسى أشوفك وأحضنك وأضحك معاكى، شرفتينا كلنا، الله يرحمك». حالة الافتقاد والأسى تتبخر سريعا، عندما تستعيد الأم شعورها بالفخر بشهيدة العائلة، فتتهلل ملامح وجهها وترتسم عليها علامات الانتصار، ثم توجه رسالة للإرهابيين: «حسبنا الله ونعم الوكيل فى اللى حرمونى من بنتى، وقتلوها قبل ما تفرح وتلبس فستانها الأبيض، لكن هنقضى عليهم وهنجيب تارها وتار كل الشهدا، مش هيقدروا يقهرونا، وكل ما يموت شهيد هنقدم شهيد تانى». وعبرت الأم عن أمنيتها أن يُقبل ابنها أحمد، فى كلية الشرطة ليكمل مشوار شقيقته، ويثأر لها ولغيرها ممن يحاولون النيل من مصر، مختتمة بتأكيد أن الداخلية لا تتأخر عن رعاية أسر الشهداء، وأنها لا تترك أبناءها ولا تنسى ذكراهم أبدا، وهو ما يبدو واضحا فى تواصل المسؤولين معهم والسؤال عن احتياجاتهم بشكل مستمر.
 
الشهيد-أحمد-جمال
الشهيد أحمد جمال
 

أرملة شهيد العريش: «عارفة إنه مبسوط فى الجنة.. وسميت ابننا باسمه علشان يكمل المشوار»

 
وسط عشرات القصص والحكايات عن أبطال الشرطة وشهدائها، تظل قصة الشهيد أحمد جمال الفقى واحدة من العلامات المنيرة التى لا ينساها المصريون، وآية بارزة ضمن آيات البطولة والفداء والتضحية بالنفس برضا وإيمان، ليخرج العريس الذى لم تمض 6 أشهر على زفافه فى موكب مهيب، تزفه الملائكة إلى السماء. لم ير «الفقى» طفله، فقد وُلد بعد شهور من استشهاده، لكن أرملته أصرت على أن يحمل الوليد اسم أبيه البطل، وأن تعده وتجهزه ليكون مكانه ويكمل مشوار البطولة والتضحية.
 
رغم أنه «عريس» يقضى شهوره الأولى فى بهجة الزواج، لم يمنعه هذا من تلبية النداء، ومواجهة الموت ببسالة فى إحدى عمليات المواجهة الشرسة للإرهابيين فى سيناء، ليلقى ربه على التراب الطاهر، عريسا للسماء كما كان عريسا فى الأرض.
 
تقول مروة على، أرملة الشهيد: «التحق زوجى بكلية الشرطة فى العام 2004 وتخرج 2008، والتحق بالعمل فى الأمن العام، برتبة ملازم فى قسم أول إمبابة، ثم عمل ضمن قوات الانتشار السريع بمرور الجيزة، ثم مباحث المنطقة الأثرية بالهرم وهو ملازم أول، ثم قطاع قوات أمن الجيزة وهو نقيب لمدة 4 سنوات، وأخيرا قسم ثالث العريش بمديرية أمن شمال سيناء منذ أغسطس 2014 حتى استشهاده»، وتؤكد أنه بعد انتقاله إلى العريش رفض العودة للقاهرة مرة أخرى، وكان يقول دائما: «لما كلنا نرجع القاهرة مين يحمى البلد؟!» وفى يوم إبريل 2015 عاد إلى القسم بعد انتهاء خدمته فى أحد الأكمنة، لتنفجر عبوة ناسفة داخل سيارة مفخخة أمام القسم ويستشهد ضمن قافلة الشهداء. ووجهت أرملة الشهيد رسالة للإرهابيين قائلة: «أعمالكم الجبانة والخسيسة لن تنال منّا، وإنما تزيدنا إصرارا وقوة، فقد قدمنا الشهداء، وسنقدم مزيدا منهم فداء لهذا الوطن، رجال الشرطة نجحوا من خلال الحملات الأمنية والضربات الاستباقية المتكررة فى الثأر للشهداء واستعادة حقوقهم، وسيواصلون حتى القضاء على كل المجرمين». وعن ابنها الذى وُلد عقب استشهاد والده، تقول: «فخورة إنى أرملة الشهيد اللى مات وأنا حامل، وأطلقت على ابننا اسم أحمد؛ ليكون خلفا لوالده، ويكمل المشوار، ويثأر للشهداء»، ثم وجهت رسالة لروح زوجها: «كل عام وأنت بخير يا أحمد.. عارفة إنك مبسوط فى الجنة.. فخورة بيك.. وفرحانة إنى أرملة شهيد».
 
واختتمت «مروة» بتأكيد أن الدولة لا تنسى أبناءها أبدا، وأنه لا يخلو لقاء للرئيس عبدالفتاح السيسى من ذكر الشهداء، معبرة عن سعادتها بهذا الاهتمام والتقدير: «هذا الأمر يُدخل الفرحة على قلوبنا، ونتأكد أننا فى ضمير ووجدان هذا الوطن، ويزيد التأكيد توجيهات وزير الداخلية اللواء محمود توفيق المستمرة برعاية أسر الشهداء والعناية بهم».
 
Screen-Shot-2019-01-21-at-3.45.53-PM
 

والدة أبوزامل: «مليون شاب مستعدين يضحوا وقلت للرئيس ولادنا مش كتير على مصر»

 
كانت مصر تستعيد عافيتها شيئا فشيئا، بعد شهور عصيبة عاشتها عقب إطلاق جماعة الإخوان العنان لعناصرها وحلفائها لإرهاب المصريين والسعى للنيل من استقرار مصر، وقتها خرج كريم، وكان على موعد مع خروجه الأخير.
 
استُشهد الرائد البطل كريم فؤاد أبوزامل فى 17 مارس 2015، خلال مطاردة لمجموعة من الإرهابيين فى محافظة مطروح، وبعد أربع سنوات من رحيله تقف والدته بصلابة وثبات مستعيدة ذكراه، ومؤكدة: «رغم حزنى على فراقه، لكننى فى الوقت نفسه سعيدة، لأن ربنا حقق رغبته اللى كان بيحلم بيها ويرددها دايما، كان بيتمنى الشهادة. وكنت بزور قبره من أيام ودعيت ربنا أكون أول أهله لحاقا بيه، وهفضل لحد آخر يوم فى عمرى فخورة بيه». وأضافت السيدة سعيدة العطار، والدة الشهيد كريم أبو زامل، أنها التقت الرئيس عبدالفتاح السيسى فى احتفالية تكريم الشهيد فى 25 يناير 2016، وقالت له: «يا سيادة الرئيس، إحنا عايشين بدون ولادنا اللى استُشهدوا، لكنهم مش كتير على البلد، ومصر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ستظل فى رباط إلى يوم الدين». ووجهت والدة الشهيد رسالة قوية للإرهابيين، قائلة: «رغم إنكم بتحاولوا تحصدوا أرواح أبنائنا يوم بعد يوم، لكن عمر ما هتكون ليكم الروح والهمة العالية اللى عند ولادنا الضباط، وإذا راح شهيد فيه مليون شاب مستعدين يضحوا بأرواحهم فى سبيل مصر».
 
ابنة-الشهيد-مصطفى-الخطيب-مع-والدها
ابنة الشهيد مصطفى الخطيب مع والدها
 

أرملة اللواء مصطفى الخطيب: الإخوان استدرجوه واغتالوه داخل المسجد

 
كل الشهداء سواء عند الله، وعلى الأرض، وفى وعى وذاكرة الوطن وناسه المخلصين، لكن تظل هناك أسماء لها حضور استثنائى كلما ترددت، ربما لأن لها حظا أكبر من الذكر، أو لأن الله اختار لها خاتمة مهيبة تليق بالأرواح الاستثنائية المضيئة.
 
لا أحد يستطيع نسيان الشهيد اللواء مصطفى الخطيب، مساعد مدير أمن الجيزة لمنطقة الشمال، الذى استُشهد فى مذبحة قسم شرطة كرداسة. فبحسب روايات الجميع كان الرجل مثالا للانضباط والتفانى والإنسانية، ورغم مرور قرابة 6 سنوات على استشهاده مازال الأمر صادما وغير متوقع، خاصة لأرملته سحر يوسف، التى تقول: «أشعر بألم يعتصر قلبى على فراقه، كان محبوبا من الجميع بمن فيهم أهل كرداسة الذين شارك بعضهم فى اغتياله، فقد اعتاد على حل مشاكلهم، لكن الإخوان خانوه واستدرجوه للمسجد وقتلوه داخله».
 
وأضافت زوجة الشهيد: «زوّجنا البنات وفضلت لوحدى عايشة على الذكرى، فلم يغب عنى لحظة واحدة، كان نِعم الزوج والأب. تزوجنا فى 1986 وكان نقيبا فى الأمن العام بمديرية أمن الجيزة، وبعد سنتين انتقل إلى أسيوط خلال أحداث الإرهاب، ولمدة 3 سنوات واجه المتطرفين والإرهابيين بثبات وبسالة، ثم انتقل إلى مباحث السياحة والآثار لمدة 17 سنة، وفى 2011 كان مأمورا لمركز شرطة أبوالنمرس، وبعدها عمل مأمورا لمركز شرطة كرداسة، وكان يدير عمله وقتها من القرية الذكية بسبب حرق القسم، وخلال هذه الفترة نجح فى تقريب وجهات النظر بين الأهالى والشرطة، وكان يعقد اجتماعات بالأهالى ويصلى بهم فى المسجد، حتى أُعيد افتتاح مبنى القسم وعاد الهدوء للمنطقة».
 
رغم ترقيته مساعدا لمدير أمن الجيزة لمنطقة الشمال، فإنه ظل متعلقا بكرداسة، فقد كان يفضل البقاء فى القسم والمرور عليه من حين لآخر، هكذا تفسر أرملته سر ارتباطه بكرداسة واستشهاده فيها، وتستعيد يوم الحادث قائلة: «حاولت قوات الشرطة فض اعتصامى رابعة والنهضة المسلحين، ويومها قرر زوجى الذهاب لمركز كرداسة صباحا، وأكد لى أن المنطقة تشهد حالة تجمهر وأنه سيتحدث مع الأهالى، خاصة أنه مقبول من الجميع وقادر على احتواء الأمر، وقتها شعرت بشىء غريب، فقد كان وجهه مشرقا وبشوشا بشكل لافت جدا، لكننى لم أدرِ أنه سيكون المشهد الأخير لنا معا، بعدها عرفت بتجمع الأهالى فى محيط القسم، حاول الاتصال به عدة مرات، وبعد محاولات عديدة رد قائلا: فيه اشتباك اقفلى، وكانت هذه آخر جملة أسمعها منه قبل أن يُستشهد غدرا بعدما قتله الإخوان داخل المسجد».

الشهيد-ضياء-فتوح
الشهيد ضياء فتوح

والدة بطل المفرقعات: نجا من الموت 3 مرات واستُشهد فى الرابعة.. وشرفنا حيا وميتا

جاد بروحه حتى ينقذ مئات الأرواح من موت محقق، لهذا لا ينسى أهالى منطقة الطالبية فى محافظة الجيزة الشهيد النقيب ضياء فتوح، ضابط المفرقعات الذى حال بينهم وبين الموت، وقدم نفسه فداء لهم وللوطن فى مواجهة قنبلة غادرة وذئاب إرهابية قذرة.
 
تقول نجاة الجافى، والدة الشهيد: «الحمد لله على كل حال، لقد شرفنا الشهيد حيا وميتا، لكن الأوقات الطيبة بدونه فقدت طعمها، وأملى أن يجمعنى الله به فى مقعد صدق عند مليك مقتدر».
 
تُداوم السيدة نجاة على زيارة قبر ابنها الشهيد، ولا تنسى فى زياراتها الموضع الذى استُشهد فيه بمنطقة الطالبية، والقسم ومحطة الوقود اللذين استُشهد بالقرب منهما، قائلة: «أشعر فى هذه الأماكن وكأننى أرى حببيى»، بينما تستقبل زملاءه الذين يحرصون على زيارتها بين وقت وآخر، ليجلسوا معها مستعيدين ذكرى النقيب الشهيد وبطولاته.
 
لم يهب ضياء الموت، فقد نجا من الموت 3 مرات قبل استشهاده، وتنبأ بالانضمام لكتيبة الشهداء قبل الحادث بـ24 ساعة، حسبما تحكى والدته، التى تستكمل حديثها عن ابنة الشهيد قائلة: «كان عندها عدة شهور لما استُشهد، ودلوقتى بدأت تتكلم، ولما تشوف صورة أبوها على السلسلة فى رقبتى تقول لى: أنا بنت ده.. وتبوس الصورة، ودايما بشم فيها ريحة ضياء».. وعن مشاعرها وقت تلقى خبر استشهاده قالت: «لم أبك عليه وأصرخ مثل النساء، ابنى مات بطلا ضاحكا مستبشرًا بالجنة، فقد شاهد مقعده فيها، فلماذا أبكى؟».
 
وعن اهتمام الدولة بأسرة ضياء، تقول والدته: «الرئيس عبدالفتاح السيسى يزيح عنّا الألم والحزن، بفضل اهتمامه بأسر الشهداء والحديث المستمر عنهم، وتوجيهاته بتلبية كل مطالبهم»، مؤكدة أن وزارة الداخلية أيضا حريصة على دعم أسر الشهداء والتواصل معهم، فلا تدخر جهدا فى تقديم الدعم لأمهات الشهداء وأبنائهم، وتقدم لهم الهدايا فى المناسبات والأعياد، متابعة: «اللواء محمود توفيق وزير الداخلية حريص على دعمنا باستمرار، والعمل على راحتنا وتلبية مطالبنا، نشعر أننا فى عقل ووجدان الوزارة، ودعواتنا لهم لا تتوقف راجين الله أن ينصر أبطالنا الذين يسهرون دفاعا عنّا وعن مصر، ويواجهون الموت بقوة وبسالة سعيا إلى أنقاذ الوطن أو الشهادة فى سبيل الله، لهذا ستظل مصر قوية بأبنائها الأبرار من رجال الشرطة».
 
ووجهت والدة الشهيد رسالة لروحه: «فخورة بك، فقد شرفتنا، عرفت أربى، سعيدة لأنك كنت راجل شجاع لا تهاب الموت، وحريص على حماية الأرواح من الموت، لأن من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا، اعلم يا ابنى أنك فى الفردوس الأعلى، وأنتظر اليوم الموعود حتى ألقاك هناك لننعم معا بالجنة، دعواتى لك لم تتوقف يوما، وأدعو لزملائك الأبطال الذين يحمون البلاد بقلوب مؤمنة، ولن تتوقف دعواتى لجهاز الشرطة الذى يخوض معركة وجود فى حربه على الإرهاب».
 
p.6-7






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة