أكرم القصاص - علا الشافعي

المنيا وأبو قرقاص.. الرقم الصعب فى حسابات الكنيسة.. قراءة فى مشهد "الزعفرانة" ومحاولة للإجابة على الأسئلة.. ماذا وراء فيديو المنيا المخزى؟ ولماذا أغضب الأنبا مكاريوس البابا والإنجيليين؟ وما هو مستقبل المحافظة؟

الخميس، 17 يناير 2019 03:43 م
المنيا وأبو قرقاص.. الرقم الصعب فى حسابات الكنيسة.. قراءة فى مشهد "الزعفرانة" ومحاولة للإجابة على الأسئلة.. ماذا وراء فيديو المنيا المخزى؟ ولماذا أغضب الأنبا مكاريوس البابا والإنجيليين؟ وما هو مستقبل المحافظة؟ اجتماع البابا
تحليل تكتبه: سارة علام

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تبدو الكتابة عن أزمة الأقباط فى المنيا، كمحاولة السير فى طريق الشوك، كلما حاولت النجاة تدمى العقبات قدميك، ولكن على أية حال، يمكننا قراءة المشهد وفق عدة عوامل انتهت بفيديو الكهنة يخرجون من القرية فى حماية الأمن، بعد أن حاصرهم جهلة ومتشددون، ولكن ما الذى وراء هذا المشهد؟.

تعترف الكنيسة القبطية، وتحديدًا مطرانية المنيا، فى بيانها، أن هذا المكان هو بيت تابع لها، تؤدى فيه الصلوات بقرية الزعفرانة، بمركز أبو قرقاص، ووفقا لبيان الإيبراشية فإن هذا المكان ليس كنيسة، ولم يكن، وأن الصلاة فيه بدأت قريبًا، وليس من وقت بعيد.

فى هذا السياق، يمكننا الإشارة إلى أزمة الكنائس غير المرخصة، التى خلقها نظام مبارك طوال 30 عاما وأكثر، حيث حاولت الكنيسة القبطية، مواجهة الزيادة السكانية المضطردة ببناء كنائس بتفاهمات مع الأمن، وفقا لما شرح لنا الأنبا بيمن، رئيس لجنة الأزمات بالمجمع المقدس، الذى قال فى حوار سابق "لم نكن نبنى كنائس بلوى الدراع ولكنها باتفاقات وتفاهمات مع الأمن"، أى أن تلك البيوت أو الكنائس، التى بنيت فى التسعينات والألفينات بنيت دون تراخيص، وهو ما عالجه قانون بناء الكنائس الصادر عام 2016 حيث ينص على تقنين أى مكان تجرى فيه الصلوات لأكثر من ثلاثة أعوام سبقت إصدار القانون، مع توافر المعايير الهندسية والإنشائية التى تضمن سلامة تلك البناية، وقد سارت الدولة بخطوات واسعة فى هذا الملف أيضا، فتم تقنين ما يقرب من 700 كنيسة حتى اليوم، من إجمالى 3 آلاف وخمسمائة كنيسة، تقدمت بهم الطوائف المسيحية كلها لتضمن حظها فى قرارات الترخيص، وفقا لما أدلى به يوسف طلعت، محامى الكنيسة الإنجيلية، ومندوبها لدى اللجنة الوزارية المختصة بقرارات التقنين.

77_20190114165410
 

إذن تحاول الدولة والكنائس معًا معالجة أخطاء الماضى، فى سياقين تقنين الكنائس غير المرخصة وبناء كنائس جديدة، وهو ما يتم بسهولة وسلاسة فى المدن الجديدة مثلاً، حيث ينص قانون المدن الجديدة على تخصيص قطعة أرض لكل طائفة فى أى مدينة جديدة تبنى من أجل إنشاء كنيسة تخدم رعاياها.

ما الذى فجر الأزمة فى الزعفرانة إذن؟
 

ما جرى فى الزعفرانة، هو أن الأنبا مكاريوس، أسقف المنيا، انتدب اثنين من الآباء الكهنة للصلاة فى بيت تابع للمطرانية، لم يتقدم بأوراقه للحصول على ترخيص، أى أن الصلاة فيه تتم منذ تاريخ جديد، ولم يتقدم أيضا بطلب لبناء كنيسة جديدة فى تلك القرية، التى قال فى بيانه، أن عدد سكانها ألف قبطى ولا يجدون مكانًا للصلاة، إلا أن عدم تقنين الأوراق وعدم وجود أوراق ثبوتية، لا يعنى بحال من الأحوال أن ينتهى المشهد بهذا الفيديو المسيء، ولكنها كلها مقدمات لوضع ملتهب فى محافظة تعج بالمشكلات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية.

ما الذى جرى فى الزعفرانة بعد ذلك؟
 

نما إلى علم سكان القرية، قليلى التعليم، الذين يتمتعون بثقافة بدائية قبلية، وكأنهم على هامش الحضارة والمجتمع، كانوا جميعا ضحايا لغياب التنمية الحضرية الريفية طوال السنوات الفائتة، كانوا أيضا ضحايا لفتاوى شيوخ الفتنة، وتلك العنصرية البدائية، التى تمارسها الأكثرية على الأقلية العددية فى مجتمعات الغاب قبل القوانين وقبل الحضارات فبدؤوا فى تحذير الكهنة من استمرار الصلاة فى هذا البيت حتى لا تثار مشكلات فى القرية، ثم انضم لهؤلاء المحذرين أصحاب الكنيسة الشرعية القانونية الوحيدة فى القرية، وهى الكنيسة الإنجيلية، حيث ينتمى غالبية المسيحيين فى القرية إلى الطائفة الانجيلية، بينما لا يزيد عدد الأرثوذكس عن 200 نسمة اعتادوا أن يصلوا فى كنيسة قرية مجاورة تبعد 3 كم عن قريتهم.

لماذا أصدرت الكنيسة الإنجيلية بيانها الأزمة فى قضية الزعفرانة؟
 

يتركز معظم الإنجيليين فى مصر، فى ثلاثة محافظات رئيسية، كانت هى أولى أهداف البعثات التبشيرية الإنجيلية، التى أسست الكنيسة فى القرن السابع عشر، وهى محافظات المنيا وأسيوط وسوهاج، إذ تذخر قرى المنيا بأبناء الطائفة الإنجيلية البروتستانتية، والمذاهب التابعة لها، وهو الأمر الذى تسبب أكثر من مرة فى احتقان مسيحى مسيحى بين الأرثوذكس والإنجيليين، على خلفية حساسيات قديمة واتهامات متبادلة بين الطرفين، تصف الكنيسة الأرثوذكسية نفسها بصاحبة الإيمان المستقيم، أما الكنائس غير التقليدية، كالإنجيلية، فهى من وجهة نظر الكنيسة المصرية الأم "مهرطقة"، وهو ما أدلى به قيادات كنسية رفيعة طوال السنوات الماضية، كان أبرزهم الأنبا بيشوى، بينما تجتذب تعاليم الكنيسة الإنجيلية وأفكارها الانفتاحية قطاعات شبابية كبيرة يتهمهم الأرثوذكس بخطف الرعايا وهكذا تشتعل الحرب بين الطرفين.

لم تكن مدينة المنيا بعيدة عن تلك الحرب، حيث أدلى الأنبا مكاريوس بتصريحات فى فيديو مسجل قال فيه "الكنيسة الكاثوليكية وفدت إلى مصر مع الحملة الفرنسية بينما جاء البروتستانت مع الاحتلال الإنجليزى حتى أن تعداد الكاثوليك فى مصر 160 ألفا فقط، بينما أقباط مدينة المنيا وحدهم 116 ألفا، أما البروتستانت فيبلغ عددهم نصف مليون ولديهم ألف كنيسة من إجمالى 3500 كنيسة على مستوى الجمهورية، وهى علامة استفهام أخرى، معتبرا أن تعداد الأقباط الأرثوذكس 17 مليونًا على الأقل".

كل هذه الخلفيات، جعلت الوجود الأرثوذكسى فى القرى ذات الأغلبية الإنجيلية غير مرغوب فيه، حيث يعيش الطرفان أجواء المشاحنات واتهامات التكفير المتبادلة، ومن ثم كان للكنيسة الإنجيلية بيانها، الذى أثار غضب الأرثوذكس، حين أكدت أن قرية الزعفرانة ليس بها سوى كنيسة واحدة، هى الكنيسة الإنجيلية منذ أكثر من 200 عام.

خلافات الأرثوذكس والإنجيليين فى المنيا تتجدد من آن لآخر، ووصلت ساحات المحاكم، حتى أن الأرثوذكس هدموا مبنى، قال الإنجيليين أنه كنيسة تابعة لهم، بينما أكد الأنبا مكاريوس أنه قاعة مناسبات تخص طائفته قبل عام ونصف، ومازالت القضية منظورة فى المحاكم بين الطائفتين، كذلك رفض قس أرثوذكسى فى أحد القرى الصلاة على ميت إنجيلى، حين كان القس الإنجيلى مسافرا خارج القرية، الأمر الذى أشعل الحرب المنياوية المسيحية مرة أخرى وهكذا دواليك.

لماذا حملت بعض الأطراف الأنبا مكاريوس المسئولية؟
 

مجلس الوزراء، أصدر بيانا رسميا، أكد فيه عدم وجود كنيسة فى قرية الزعفرانة، أى أن البيت الذى تمت الصلاة فيه لم يكن كنيسة، ومن ثم فإن المسئولية الإدارية تقع على عاتق أسقف الإيبراشية، الذى أمر بالصلاة فى هذا المكان فصار الرجل فى نيران المواجهة.

يتمتع الأنبا مكاريوس بثقافة رفيعة، وهو باحث، وله العديد من المؤلفات فى مجالات مختلفة فى الرهبنة، والتراث القبطى، وتفسير الكتاب المقدس، وقد كان قبل رسامته مسئولا عن بيت الخلوة فى دير البراموس، حيث اجتذب البيت قطاعات واسعة من الشباب، الذين أحبوا عظات القمص كيرلس البراموسى، أو الأنبا مكاريوس.

ثقافة الأنبا مكاريوس، وإيمانه بأفكاره عن الدولة المدنية، ودولة القانون، لا تتسق مع الوضع القبلى القائم فى المنيا منذ سنوات، فقد ذكر فى حوار سابق لـ"اليوم السابع" أنه لن يقبل بالحلول العرفية مرة أخرى، إلا أن الأنبا مكاريوس قد نسى أن تلك المحافظة البعيدة كل البعد عن جهود التنمية، قد تحتاج سنوات طويلة وبعيدة لكى تتم فيها تهيئة الأجواء الاجتماعية والثقافية والأمنية؛ لفرض القانون على هؤلاء الغوغاء، الذين اعتادوا العيش بقوانينهم الخاصة، ففى الصعيد، القانون هو قانون القبيلة والعادات والتقاليد، يجرم القانون المصرى القتل، ولكن هذا لم يمنع الصعايدة من الثأر، بل والتحايل على القانون لإخراج المذنب من الجريمة.

فتلجأ الدولة برجالها وعتادها للحلول المجتمعية، التى يفهمها هؤلاء بالتوازى مع القانون، ومحاولة تطبيقه وفرضه دون أن يتسبب ذلك فى المزيد من الدماء، والاحتقان والأزمات التى قد يكون الأقباط ضحيتها.

رجل الأمن يفكر بعقلية الخروج بأقل الخسائر، ففى فيديو الزعفرانة المسيء حاولت الشرطة إخراج الكهنة سالمين، لأن القبض على كل هؤلاء يعنى إشعال نار فى القرية سيكون المتضرر الأكبر منها المسيحيين.

بينما يفكر الأنبا مكاريوس بعقلية المثقف، التى تميل لتطبيق القانون وفرضه بالقوة حتى يتعظ هؤلاء الغوغاء، وما بين العقليتين تحدث الكثير من الأزمات، وتتضح معالم سوء الإدارة التى تحتاج لمراجعة.

الأساقفة فى المنيا يحلون مشاكلهم بطرق مختلفة، بالقانون تارة وبالحلول العرفية تارة، فى المنيا سبعة أساقفة، الأنبا اغاثون فى الشمال أسقفا لمغاغا والعدوة والأنبا جوارجيوس أسقف مطاى، والأنبا ديمتريوس أسقف ملوى، والأنبا بفنوتيوس مطران سمالوط والأنبا اثناسيوس لبنى مزار والانبا اغابيوس لدلجا ودير مواس، تبدأ المشاكل سريعا وتنتهى سريعا بفضل الحلول العملية التى يلجأ لها هؤلاء الأساقفة المتمرسين فيعملون كرجال كنيسة تارة وكشيوخ قبيلة تارة أخرى، وكرجال دولة مرة ثالثة وهكذا.

ما الذى يمثله الأنبا مكاريوس لشعب الكنيسة القبطية؟
 

يبعث الأنبا مكاريوس رسائل ذكية لشعب الكنيسة القبطية كله ليس فى المنيا وحدها ولكن فى عموم الايبراشيات، يصلى مع الفقراء، يزور المحتاجين فى بيوتهم، يلبس خشن الثياب، يحتفل بالعيد فى القرى المتواضعة، وهى الصورة الطوباوية للرهبان التى افتقدها الأقباط منذ سنوات طويلة صار فيها الأساقفة يركبون المرسيدس ويرتدون الساعات الرولكس وغابت عنهم جوهر الرهبنة وحياة الفقر الاختيارى.

كذلك فإن الأنبا مكاريوس ومن خلال أزماته المتكررة التى يعبر عنها بتغريدات قصيرة على تويتر، يعيد للعقلية القبطية صورة البابا شنودة، أو البابا الذى يدافع عنهم ضد ما يتعرضون له من تمييز، وهى صورة نمطية تربت عليها أجيال كاملة من الأقباط جراء سنوات الصراع بين الكنيسة والدولة ومن ثم يصبح من الصعب جدا تغييرها أو تقبل فكرة أن الدولة تستجيب لطلبات الكنيسة وتحاول إصلاح أخطاء الماضى على قدر استطاعتها فى ظروفها الأمنية والسياسية والاقتصادية الراهنة.

لماذا وضع الأنبا مكاريوس البابا تواضروس فى ورطة؟
 

الأنبا مكاريوس ضمن عدد قليل من الأساقفة غير المجلسين على ايبراشيتهم، أى إنه اسقف عام يحق للبابا انتدابه للخدمة فى أى مكان، وسط كل هذه الأزمات فكر البابا تواضروس فى اقتسام ايبراشية المنيا إلى جزئين يعين لكل منها أسقفا، واحدا للمنيا وأخر لأبو قرقاص بعدما خلا الكرسى برحيل الأنبا ارسانيوس مطران المنيا الراحل الذى كان يعمل الأنبا مكاريوس معاونًا له.

يتمتع الأنبا مكاريوس بشعبية كبيرة نتيجة للأسباب السابقة، شعبية تجعل محاولة نقله لعبا بالنار وتهديدا لعلاقة البابا بشعب المنيا بشكل مباشر، ولكنه فى الوقت نفسه تسبب فى توريط البابا فى أكثر من أزمة كان آخرها أزمة الزعفرانة.

ما الذى سيحدث فى المستقبل؟
 

تحاول أطراف متعددة من مثقفى المنيا والمثقفين الأقباط بشكل عام، احتواء أزمة المنيا وحل تلك المعضلة الإدارية دون أن يغضب الشعب القبطى ودون أن تزيد المشاكل مرة أخرى، لعل تلك المفاوضات والجلسات تحل الورطة الراهنة.

 

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة