حمدى رزق

الاستعلاء الدينى

الأربعاء، 16 يناير 2019 06:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
والفتنة الطائفية أشد من القتل، نعم أشد من القتل، الفتنة الطائفية باب الشرور جميعًا، وقانا الله شر الفتنة ماظهر منها فى «المنيا»، ومابطن فى بطون تنام على الجوى، ولكنها تستيقظ  إذ فجأة على هتاف مراوغ، فتنطلق شريرة من عقالها، لاتلوى على شىء سوى الثار باسم الله، والله برىء مما يرجفون، ويجترأون على بيوت يذكر فيها اسم الله.
 
لماذا يستعر الغضب فى نفوس المصلين المتوضئين الذاكرين الساجدين الراكعين إذا ما شهدوا أناس غيرهم يصلون ويذكرون، لماذا يغضب الفقراء البسطاء الذى يكملون عشاهم نومًا، إذا شهدوا كنيسا يأمه فقراء بسطاء مثلهم لايحملون سوى الصليب، وهوينا يمشون إلى كنيس فقير فى أقصى القرية، فيه يتعبدون.
 
لماذا هذا الذى يحدث ويتكرر، وفى كل غضبة، تحطيم وتكسير وتمزيق لأواصر المحبة، يتناسون تمامًا حكمة السنين، « كلنا فى الهم قبط»، كلنا فى الحزن مدعوين، وفى الفرح منسيين، لماذا كل هذا الغضب، لماذا استحضار الدين فى مالا يرضاه الله ولا رسوله ولا المؤمنين بحق كل مخلوق أن يعبد خالقه كيف شاء، وأنى شاء، حرية العبادة مكفولة بتنزيل السماء.
 
 مقدمة لازمة، وتوطئة لرسالة تلقيتها من صديق أريب عمل على ملف الفتنة الطائفية زمنًا وانتهى إلى خلاصة تشخيصية لما أسماه «أعراض الفتنة الطائفية»، رسالة فيها تشخيص لعرض باد على الحالة « المنياوية»  رغبة فى فهم جديد لنبرة «الاستعلاء الدينى» فى هذه القرى الفقيرة التى أصيبت بعرض الطائفية. نصا يقول ولا أزيد عليه:
 
تحت عنوان «اللجنة العليا لمواجهة الأحداث الطائفية» صدر قرار الرئيس السيسى نهاية العام المنقضى 2018، وبقدر ما يحمله العنوان من مفاجأة لصدوره على بعد خطوات زمنية قليلة من أعياد الميلاد،  إلا أن جرأته تتجاوز صدمته لأسباب ثلاث، الأول: اعتراف رسمى بوجود أزمة طائفية، الثانى: هذه الأزمة استوجبت استحداث كيان جديد لمواجهتها، الثالث: الاعتراف بأن أساليب المواجهة السابقة لم تكن ذات جدوى.
 
القرار هنا بمثابة إعلان حرب مصرية على الطائفية، إعلان لبداية مشروع قومى للقضاء على الطائفية، إذا كانت مصر صاحبة السبق فى الحفاظ على الدولة الوطنية فى 30 يونيو، وصاحبها تجربة ملهمة فى مكافحة الإرهاب. فإنها على موعد لأن تكون صاحبة السبق فى مكافحة «الطائفية»، تشخيصا وعلاجا ووقاية من أجل المنع من المنيع. 
 
على مدار سنوات تتذبذب الحالة الطائفية فى مصر صعودا وهبوطا، تكاد لا تشغل الدولة إلا عندما تشتعل أحداث عادة ما تسمى بالطائفية، المسمى هنا غير دقيق لأن الفعل المادى الموصوف بالطائفية ماهو إلا مظهرا ماديا ملموسا لما وقر فى القلب والعقل والوجدان، الأصح أن تكون التسمية هى «أعراض الفكرة الطائفية».
 
التوصيف الدقيق هنا يقول إن المقاومة الحقيقية يجب أن تبدأ داخل العقول قبل أن تتمدد الأفكار إلى حيّز الفعل المادى.
 
الطائفية فى حقيقتها هى سلوك استعلائى عنصرى لا يمكن أن يكون انتصارًا  لفكره تصلح للتعايش، أو انتصارًا لفكرة مصدرها السماء، إنما هو انتصار أنانى لفكره ذاتية تستهدف الاستعلاء على الآخر وتبحث لنفسها عن مبرر دينى لهذا الاستعلاء المملوء بالتحقير للآخر.
 
عندما تحدث مشكلة عابرة تتكرر يوميا بين العوام، فإنها تكون مرشحة لأن  تتحول إلى أزمة طائفية ضخمة إذا ما اكتشف أحدهما أو كلاهما ديانة الآخر فيبدأ على الفور فى استدعاء المكون الدينى لإقحامه فى هذه الأزمة، ليس دفاعًا عن الفكرة الدينية التى لم تكن أساسًا سببًا للمشكلة، بل بحثًا عن أى أدوات تمكنه من قهر الآخر الذى يواجهه، بل وتمكنه من إقحام أطراف خارجية فى الأزمة يستقوى بها طائفيًا، خاصة إذا ماكان الحق والصواب قد جانباه فى مطالبه.. والله أعلم.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة