د. سالم الكتبى

هل تغيرت الاستراتيجية الأمريكية فى الشرق الأوسط؟

الإثنين، 14 يناير 2019 06:05 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من منصة الجامعة الأمريكية بالقاهرة، ألقى وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو مؤخراً خطاباً مهماً عرض خلاله استراتيجية إدارة الرئيس دونالد ترامب في الشرق الأوسط، بمعنى أن الخطاب يمثل في مجمله الخطوط العريضة للسياسية الخارجية الأمريكية خلال المرحلة المقبلة.
 
هذا الخطاب المهم تضمن رسائل عدة أولها أن بامبيو أكد على أن بلاده ستواصل العمل مع حلفائها من خلال "الدبلوماسية" من أجل طرد الميلشيات الإيرانية من الأراضي السورية، وأشار بامبيو إلى "نزعة المغامرة العدوانية للنظام الإيراني" في إطار حديثه عن التزام الولايات المتحدة بضمان التفوق العسكري الإسرائيلي.
 
ثانى هذه الرسائل تأكيد الالتزام الأمريكي بمحاربة الإرهاب، وأن الانسحاب الأمريكي من سوريا لن يؤثر في الجهود الأمريكية على هذا الصعيد، وهو تكرار لما قاله الرئيس ترامب خلال زيارته للقوات الأمريكية في العراق خلال أعياد الميلاد، حيث أشار ترامب إلى أن الوجود العسكري الأمريكي بالعراق يمكن أن يكمل مهمة القوات الأمريكية في سوريا بعد سحبها في حال وجود حاجة لذلك، بمعنى أن هناك إمكانية لتوجيه ضربات جوية ضد الإرهاب انطلاقاً من الأراضي العراقية، والجديد أن بومبيو المح إلى مكانية تكرار الضربات الصاروخية ضد الجيش السوري في حال تكرار استخدام الأسلحة الكيماوية، حيث أشار إلى أن  ترامب سبق أن أمر بشن ضربات على مواقع الجيش السوري على خلفية ما وصفه باستخدام الأسلحة، مؤكداً أن "ترامب مستعد لتنفيذ عمليات عسكرية في سوريا مرة أخرى، لكننا نأمل في ألا يضطر للقيام بذلك"؛ ما يعني أن تمسك إدارة ترامب بسحب القوات يتوازي مع تمسكها بمهمة اجتثاث "داعش".
 
الرسالة الثالثة، وهي رسالة جديدة في الأداء السياسي الأمريكي، ويبدو أن الدبلوماسية الأمريكية صاغتها بشكل مبتكر لتوظيف سحب القوات من سوريا من أجل تحقيق مكسب سياسي حيوي يتمثل في ممارسة ضغوط شديدة على إيران، كما هو معلن، من أجل سحب ميلشياتها من سوريا، حيث قال بومبيو في هذا الشأن "أمريكا لم تكن أبدا قوة احتلال… ليس كما هو الحال بالنسبة لإيران"، وهنا يبدو توظيف للقرار الأمريكي لبناء قضية معنوية وقانونية تمهد للضغط على إيران ويمكن توظيفها من خلال الدبلوماسية في استصدار قرارات أممية بالتعاطي مع الوجود العسكري الإيراني في سوريا باعتباره "قوة احتلال"، ولكن هذه الجزئية تحديداً تطرح تلقائياً تساؤلات حول موقف الوجود العسكري الروسي وأيضاً التركي في سوريا، وهل يمكن تمديد الاتهام باتجاههما أم سيبقى محصوراً في التعامل مع إيران؟ الأرجح أن الكلام موجه بشكل مبطن إلى روسيا وتركيا أيضاً، بمعنى أن واشنطن تريد القول بأنها تنوي توظيف أي وجود عسكري أمريكي في سوريا باعتباره "قوة احتلال"، وهي ورقة تبدو في ظاهرها قوية وقابلة للتوظيف وتصعيد الضغوط الدبلوماسية، ولكن من الصعب تنفيذها على أرض الواقع في تشابك المصالح الأمريكية مع المصالح الروسية والتركية، وأيضاً في ظل استمرار الوجود العسكري الأمريكي بدولة مجاورة لسوريا، هي العراق، حيث يمكن للأطراف التذرع بالحالة الأخيرة ومنع أي توجه أمريكي في هذا الشأن.
 
الرسالة الأمريكية الرابعة تنطوي على تأكيد على اتساع النطاق الجغرافي للتهديد العسكري الإيراني، حيث حذر بومبيو من أن "طموحات إيران لا تقتصر على الشرق الأوسط"، داعيا كل الدول للتعاون من أجل التصدي للنهج الإيراني التوسعي، والأرجح أن هذه الرسالة موجهة بالأساس إلى الشركاء الأطلسيين في الاتحاد الأوروبي، الذين يمتلكون رؤية مغايرة للتعاطي مع المشروع التوسعي الإيراني، وهناك خلاف حاد بينهم وبين الولايات المتحدة حول الاتفاق النووي الموقع مع إيران، والذي انسحبت منه بشكل فردي إدارة ترامب بينما لا يزال بقية الدول الموقعى على موقفها حياله، ويكافح الاتحاد الأوروبي بالذات لمنح الاتفاق جرعة اوكسجين للبقاء على قيد الحياة.
 
تضمن خطاب بومبيو أيضاً تحذيراً لحزب الله اللبناني، مفاده أن الولايات المتحدة لن تسمح باستمرار وضعه العسكري على ما هو عليه، وتحديداً ما يتعلق بقيامه بنشر صواريخ موجهة بصورة مباشرة إلى إسرائيل.
 
تضمن خطاب بومبيو آليات مقترحة لتنفيذ ماتضمنه من أهداف استراتيجية، منها إقامة تحالف يضم الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون ومصر والأردن. وجاءت دعوته الموجهة لدول الشرق الأوسط لتجاوز "الخصومات القديمة" من أجل مواجهة إيران، كدلالة على رغبة الولايات المتحدة في تحقيق سلام شامل بين العرب وإسرائيل، بحيث تنخرط الأخيرة في جهود التصدي لإيران.
 
على الصعيد الفعلي لم تصدر عن بومبيو أي إشارات جديدة عما سبق إعلانه في تصريحات الرئيس ترامب وبقية المسؤولين الأمريكيين، ومارشح عن اللقاءات والاجتماعات التي عقدت بين المسؤولين الأمريكية ونظرائهم الشرق أوسطيين خلال الأشهر الماضية، ولكن ربما يمكن القول إن هذا الخطاب بمنزلة تدشين رسمي لحقبة بناء تحالف تقوده الولايات المتحدة لمواجهة إيران.
الحقيقة أن الخطاب يحمل ما يشبه الخطوط العريضة لمبادرة استراتيجية أمريكية جديدة في الشرق الأوسط، تقوم على إشراك دول المنطقة جميعها في جهد يستهدف التصدي للمشروع التوسعي الإيراني، ولكن كيفية تحقق أهداف هذا التحالف المزمع لم تطرح في خطاب بومبيو الذي فصل بين استخدام الدبلوماسية لإخراج الميلشيات الإيرانية من سوريا، وبين هذا التحالف المزمع.
 
النقطة الجوهرية في الموضوع أن إدارة الرئيس ترامب تأخذ التهديد الإيراني على محمل الجد، وتعمل على التصدي له من خلال العمل مع حلفائها في الشرق الأوسط، وهذا يعكس توجهات الرئيس ترامب الذي يفضل عدم انفراد الولايات المتحدة بالقرار وخوض المواجهات، ولكن يركز على تحميل الأطراف جميعها مسؤولية أي جهد يستهدف الحفاظ على أمن الحلفاء.
 
الفارق بين ترامب وسلفه أوباما، أن ترامب لا يريد تحميل الولايات المتحدة أي أعباء مادية أو عسكرية في الدفاع عن الحلفاء ويكتفي بما يعرف بفكرة القيادة من امن وراء الكواليس، ومشاركة الجميع في تحمل الكلفة المالية والبشرية لأي خطط جديدة رغم أن الأمر لا يقتصر على تحقق مصالح الحلفاء فقط، بل يتضمن تحقق المصالح الاستراتيجية الأمريكية، بحكم ما لمنطقة الخليج العربي والشرق الأوسط من أهمية استراتيجية لا غنى عنها ضمن حسابات صانعي القرار الأمريكي.
 
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة