الأوقاف تقدم رؤية عصرية لقواعد الفقه والخطاب الدينى

الأحد، 13 يناير 2019 09:47 م
الأوقاف تقدم رؤية عصرية لقواعد الفقه والخطاب الدينى الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف
كتب إسماعيل رفعت

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

قال الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، فى تقديمه لكتاب رؤية عصرية لقواعد الفقه الكلية الصادر عن الوزارة، قد غلبت لعقود طويلة وربما لقرون عديدة قضايا التقليد على قضايا الإبداع والتجديد، وغلبت مناهج الحفظ والتلقين، وطغت على مناهج الفهم والتفكير، مما نتج عنه تقديس أو ما يشبه التقديس لغير المقدس من الآراء والأفكار والشروح المتعلقة بالأحكام الجزئية والفتاوى القابلة للتغير بتغير الزمان أو المكان أو أحوال الناس وأعرافهم وعاداتهم وواقع حياتهم مما لم يرد فيه نص قاطع ثبوتا ودلالة، فما كان راجحا فى عصر معين أو بيئة معينة أو حالة أو أحوال معينة قد يصبح مرجوحا إذا تغير من ظروف العصر أو المكان أو الحال ما يستدعى إعادة النظر فى الحكم أو الفتوى، وقد يصبح الرأى المـُفْتَى به غيره أولى منه فى الإفتاء به نتيجة لتغير هذه المعطيات.

وأضاف الوزير: أدى الاعتماد على حفظ بعض الأحكام الفقهية الجزئية مع ضعف الاهتمام بالقواعد الكلية، وفقه المقاصد، وفقه الأولويات، وأصول الاستنباط، إلى حالة من التعصب الشديد لدى بعض المقلدين من جهة، وضيق الأفق والجمود والتحجر عند الرأى المحفوظ لدى بعضهم من جهة أخرى، إضافة إلى أن حصر الجزئيات والإحاطة بها أمر شبه مستحيل إن لم يكن مستحيلا، ناهيك عن مستجدات الأمور ومستحدثاتها، لذا يجب أن نعود وبقوة إلى ما يرسخ مناهج الفهم والتفكير وإعمال العقل من خلال دراسة علم أصول الفقه، وقواعد الفقه الكلية، وفقه المقاصد، وفقه الأولويات، وفقه الواقع.

وأشار الوزير إلى أن الأحكام الفقهية الجزئية المستنبطة من خلال اجتهاد المجتهدين فى قراءة النصوص فى ضوء القواعد الكلية والأصولية وفهم مقاصد النصوص ومراميها ليست قرآنا، وأن بعضها قابل للتغيير وفق مقتضيات الزمان والمكان والأحوال والأشخاص، وقابل للرأى والرأى الآخر، فالأقوال الراجحة ليست معصومة، والأقوال المرجوحة ليست مهدومة، طالما أن القائل بها من أهل الاختصاص والاجتهاد والنظر فى ضوء الدليل الشرعى المعتبر والمقاصد العامة للشريعة، وهو ما أكده علماؤنا الأوائل: يقول الإمام الشاطبى (رحمه الله) : إن الأصل فى العادات الالتفات إلى المعانى، وبالاستقراء وجدنا الشارع قاصدًا لمصالح العباد، والأحكام العادية تدور عليها حيثما دارت، فترى الشىء الواحد يُمنَع فى حال لا تكون فيه مصلحة، فإذا كان فيه مصلحة جاز .

ويقرر الإمام القرافى (رحمه الله) : أن إِجراءَ الأحكام التى مُدْرَكُها العوائدُ مع تغيُّرِ تلك العوائد خلافُ الإِجماع وجهالةٌ فى الدّين، ويقول : بل لو خرجنا نحن من ذلك البلد إِلى بلَدٍ آخر عوائدُهم على خلافِ عادةِ البلد الذى كنا فيه أفتيناهم بعادةِ بلدهم، ولم نعتبر عادةَ البلد الذى كنا فيه، وكذلك إِذا قَدِمَ علينا أحدٌ من بلدٍ عادَتُه مُضَادَّةٌ للبلد الذى نحن فيه لم نُفتِه إِلَّا بعادةِ بلدِه دون عادةِ بلدنا.

ويقول ابن القيم (رحمه الله) : ومن أفتى الناس بمجرد المنقول فى الكتب على اختلاف عرفهم وعوائدهم وأزمنتهم وأمكنتهم وأحوالهم وقرائن أحوالهم فقد ضل وأضل .

ولفت الوزير الى قول ابن عابدين (رحمه الله) : إن المسائل الفقهية إما أن تكون ثابتة بصريح النص وإما أن تكون ثابتة بضرب من الاجتهاد والرأى، وكثير منها يبنيه المجتهد على ما كان فى عرف زمانه بحيث لو كان فى زمان العرف الحادث لقال بخلاف ما قاله أولا، ولهذا قالوا فى شروط الاجتهاد : إنه لا بد من معرفة عادات الناس، فكثير من الأحكام تختلف باختلاف الزمان لتغير عرف أهله .

وقال الوزير: علينا أن نفرق بين الثابت والمتغير، وبين ما هو من شئون العقائد والمعاملات، وما هو من شئون نظام الدولة، فإن تنزيل أى منها منزلة الآخر خلل فى الفهم وضرب من الجهل، كما يجب أن نفرق بين ما هو من شئون الأفراد، وما هو من شئون الدول، ومن له الحق فى الفتوى أو التصرف فيما يتصل بشئون الدول، ولهذا أكدنا أن إعلان التعبئة العامة للدفاع عن حدود الدولة وكيانها المعبر عنه فى كتب التراث بإعلان الجهاد هو من اختصاص ولى الأمر، وليس من اختصاص آحاد الناس أو جماعة منهم، كما أكدنا أيضًـا أنه ليس لآحاد الناس أو عامتهم الحكم على أحد بالكفر أو الخروج من الملة، وإنما يثبت ذلك بحكم قضائى نهائى وبات، لخطورة ما يترتب على الحكم بالتكفير والإخراج من الدين، وللعلماء بيان ما يترتب على الفعل لا الحكم على الأشخاص، مما يتطلب التفرقة بين تكفير غيرِ المـُعيـَّن وتكفير المـُعيـَّن، فالأول الأمر فيه للعلماء والآخر الحكم فيه للقضاء .

وأكد الوزير أنه علينا إدراك أن رأى الحاكم "المتمثل فى الدستور والقانون" يحسم الخلاف فى الأمور المتغيرة التى تحتمل الرأى والرأى الآخر فى ضوء تحقيق المصلحة المعتبرة شرعًا .

كما أن علينا أن نعمل على نشر ثقافة التفكير فى سائر جوانب الحياة الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، والخروج من دائرة القوالب الجاهزة والأنماط الجامدة إلى رؤية تتسم بالفكر وإعمال العقل، وأن نعمل على تحريك هذا الجمود من خلال العمل على نشر ثقافة التفكير وإعمال العقل ومراعاة مقتضيات الواقع، غير أن هناك من يعتبر مجرد التفكير فى التجديد خروجًا على الثوابت وهدمًا لها، حتى وإن لم يكن للأمر المـُجتهَد فيه أدنى صلة بالثوابت، أو بما هو معلوم من الدين بالضرورة وما هو قطعى الثبوت قطعى الدلالة، فقـد تبنى منهج الجمـود والتكفير والإخراج من الدين أناس لا علم لهم ولا فقه، ولا هم من أهل العلم أو أهل الاختصاص أو حتى دارسى العلوم الشرعية من مظانهـــا المعتبــرة، مسرعين فى رمى المجتمــع بالتبديع، ثم التجهيل، فالتكفير، حتى وصــل الأمر بغلاتهم إلى التفجير واستباحة الدماء ؛ مما يتطلب حركة سريعة وقوية وغير هيّابة لمواجهة الجمود والفكر المتطرف معًا، حتى نخلص المجتمع والإنسانية من خطر الجهل الشرعى والتطرف الفكرى وما قد يتبع ذلك من تبنى الإرهاب منهجًا وسلوكًا .

وشدد الوزير على أنه لا يكفى لمن يتصدى لقضايا التجديد أن يكون ملمًا ببعض القواعد دون بعض، ولا أن يكون مجرد حافظ للقواعد غير فاهم لمعانيها ولا مدرك لدقائقها، فلا يقف عند قولهم: الضرر يزال، دون أن يدرك أن الضرر لا يزال بضرر مثله أو أكبر منه، وأن الضرر الخاص يُتحمل لدفع الضرر العام، ولا يقف عند حدود قولهم : درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، دون أن يدرك أن درء المفسدة اليسيرة لا يدفع بتضييع المصلحة الكبيرة، وأنه إذا تعارضت مفسدتان دُفعت الأشد بالأخف، بل عليه أن يسبر أغوار هذه القواعد بما يمكنه من الحكم الدقيق على الأمور .

وعن سبب إصدار الكتاب قال الوزير إنه يأتى فى ضوء خطة متكاملة لقراءة عصرية لتراثنا العلمى والفقهى تراعى ظروف الواقع ومستجداته، مؤملين أن يسهم مع كتابى "الفهم المقاصدى للسنة النبوية"، و"الكليات الست" وما صدر عن وزارة الأوقاف المصرية من إصدارات عصرية فى تشكيل الوعى المستنير الذى نسعى إلى تحقيقه وتحويله إلى حالة استنارة عامة وواسعة فى إطار خطتنا المتكاملة لتجديد الخطاب الدينى.

وقال الوزير: أننا لن نتوقف عن مواصلة مسيرة التجديد مادام فينا نفس نتنفسه تجديدًا منضبطًا وقراءة واعية للنصوص وللواقع معًا، خدمة لديننا ووطننا، وعملا على خلق حالة وعى دينى وسطى مستنير، وتصحيح ما شوهته الجماعات المتطرفة والمتشددة وأصحاب الأفهام السقيمة والجامدة من بعض جوانب الصفحة النقية لديننا السمح العظيم الذى جاء رحمة للعالمين، حيث يقول الحق سبحانه مخاطبًا نبينا (صلى الله عليه وسلم) :"وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ".

الكتاب صادر عن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية التابع لوزارة الأوقاف بعنوان: "قواعد الفقه الكلية رؤية عصرية" إعداد كل من: د. محمد سالم أبو عاصى الاستاذ بكلية أصول الدين وعميد كلية الدراسات العليا السابق، د. رمضان محمد عيد الهتيمى عميد كلية الشريعة والقانون الأسبق بجامعة الأزهر، د. محمد عبد الستار الجبالى رئيس قسم الفقه بكلية الدراسات العليا، د. هانى سيد تمام مدرس الفقه بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالقاهرة، د. ياسر أحمد مرسى مدرس التفسير وعلوم القرآن بكلية أصول الدين بالقاهرة، وقد قام بالمراجعة والتقديم كل من: معالى وزير الأوقاف د. محمد مختار جمعة، وفضيلة مفتى الجمهورية د. شوقى إبراهيم علام.







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة