ماهر المهدى

نعم ولكن.. لنقر الخطبة ونحصن عقد الزواج يا فضيلة المفتى!

السبت، 22 سبتمبر 2018 12:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لماذا يوقع الناس عقد الزواج ليصبحوا متزوجين وتنتهى مشاكل ما قبل الزواج، وتتوفر لهم حرية الأزواج التى لا ينتقدها أحد؟، وليصبح الأهل فى أمان من كل حرج وتتم فرحتهم بزواج ابنهم أو ابنتهم أو قريبهم أو قريبتهم.. كانت هذه هى الإجابة على السؤال مطروح. ولكن منذ فترة لم تصبح تلك الإجابة المتقدمة هى الإجابة الأمثل على السؤال: لماذا يوقع الناس عقد الزواج؟ والسبب فى عدم شفاء تلك الإجابة السابقة أن بعضا من الناس الطيبة لا تجد ارتياحا لمشروع الخطبة كمرحلة للتعارف الجاد بين طرفين يفكران فى الزواج، وكرهت أن يكون هناك وكلام وزيارات واتصالات وربما استلطاف بين الخطيبين دون رابطة زواج، وذلك تحسبا لتعليقات الناس ولوم اللائمين. ومن ثم كان عقد الزواج حصنا من اللوم ومن العتاب ومن الغمز واللمز. فهذه مدرسة من الناس لا ترى غضاضة فى اشتراط كتب الكتاب وعقد الزواج مقدما وقبل كل تعارف . فعقد الزواج عند المدرسة حفظ للسمعة والاسم.
 
المدرسة الثانية من الناس لا تقر بأن النهايات من طبيعة الحياة - رغم أن الحياة ذاتها تنتهى فى وقت ما - ورغم أن انتهاء العلاقة بين خطيبين غير متفقين أفضل ألف مرة من أن تنتهى تلك العلاقة بين زوجين فشلا فى التأقلم وفى قبول بعضهما البعض والحياة معا، وعجزا عن الامتثال لكل محاولات الصلح. أليس كذلك؟! نعم هو كذلك لدى الذين يتقبلون الحياة بصبر وحنو وتدبر ويعلمون أن الأمور تسير بمقادير ويوقنون أن ليس على المرء إلا السعى والله الموفق والمعين.
 
أما المدرسة الثانية فتظن أنها صاحبة الإرادة وأنه لا رغبة إلا رغبتها وأنه لا يمكن للخطوبة أن تنتهى أبدا إلا بالزواج. وما السبب فى هذا التوجه وما دوافعه يا ترى يا سادة يا كرام يا أصحاب هذا التوجه الذى لا يسمع لأحد؟ السبب والدوافع وراء هذا التوجه لدى هؤلاء السادة أن الخطوبة تجربة، وما بناتهم بتجارب ولا يصلحن لأن يكن محل تجارب تصيب وتخطئ ولو كان ما كان ولو يصير ما يصير. فإن بدأت علاقة فلا بد أن تستمر إلى الأبد مهما كان، وبالتالى لا رجعة فى هذا الزواج لدى هذه المدرسة الثانية، إلا رجعة مريرة سقيمة لا تسر أحدا ولا تواسى أحدا ولا تعين على حياة ولا تكشف عن طباع حميدة حلوة العشرة. فهذا البعض من الناس لا يعبأ بما يترك من انطباعات لدى الغير، فإما ينالون ما يريدون أو يفسد النهر كله، فعقد الزواج عند المدرسة الثانية هو ذراع تسلط وفرض رأى.
 
أما المدرسة الثالثة فقد رأى أتباعها من ترزية الحيل والألاعيب والصيد المعيب أن عقد الزواج يجر الرجل جرا إلى الزيجة ويحيط بماله ويمنعه من التراجع ويقطع عليه حبال فكره وطريق رجعته وينهى فرصة تغيير رأيه أو تبدل حاله. فإن تراجع الرجل عن الزيجة خسر ماله وسدد التزامته ورحل غير مأسوف عليه.
 
إذن فقد اعتمدت المدارس الثلاثة – إذا جازت التسمية - على قدسية عقد الزواج وما يرتبه من مسئوليات جسام على طرفيه وما تلتصق بالعقد من تبعات ليحصن أهدافهم، كل بحسب مرماها. ولولا اعتقاد الناس جميعا فى صرامة عقد الزواج ما لجأوا إليه وإلى روابطه القانونية والشرعية. وقد حقق عقد الزواج لكل مدرسة مبتغاها، فإن كانت تسعى وراء حصانة من لوم الناس فقد نالت ما تريد، وإن كانت تنكر الخطبة ولا تقر إلا زواج شرعيا، أملا فى نجاح العلاقة وعدم تحولها إلى تجربة، فقد نالت ما تريد، وإن كانت ترنو إلى مال الخطيب فقد نالت ما تريد وسدد الخطيب المطلوب كله وأصبح زوجا شرعا وقانونا وصار محملا بالتزمات كثر. ولا يبقى فى انتظار الحق وإقراره إلا الرجل الذى عقد زواجه على أمل الزواج، ولا يمكن أن يعاقب الرجل - على إقدامه على عقد الزواج - بمزيد من التعقيد غير المبرر، لكى تجنى فئة من الناس مزيدا من المكاسب، بينما الزوج المعلق على شرط ينتظر وينتظر وينتظر فى قصة الزواج العجيب.
 
إن القوانين لا توضع بمعزل عن المجتمع، ولكن تنشأ استجابة إلى حاجة المجتمع واستجابة لتطوره وتطور فكره وتنامى تطلعاته. وما القوانين إذا إلا استجابة لما يحبه الشعب وما درج عليه الناس من العرف، وما استحسنه الناس واتفقوا عليه من طيب العادات ومأ ألفوه وارتاحوا اليه من التقاليد وما جاء به الشرع الكريم. فلا يمكن للقوانين الوضعية أن تكون إلا استجابة لتطلعات المجتمع كوحدة واحدة. ومن هنا وجب علينا – فى كل جزء من الوطن – أن نلتزم بقوانينا وألا نسعى إلى التحايل عليها أو العمل بمنأى عنها، بزعم أن لهذا الجزء من الوطن تقاليدا معينة أو لتلك المنطقة من الوطن أعرافا خاصة، إذ ليس من شأن هذا التوجه إلا تعقيد الأمور بشكل غير مقبول ولا منتج للوطن ولا للمواطن. حفظ الله مصر دولة مدنية تتساوى فيها الحقوق والواجبات، وحفظ رئيسها ووفقه إلى الخير كله.
 
الحقيقة يا فضيلة المفتى المبجل الحبيب أن الواقع قد يدعو إلى الحض على عقد الخطبة للتعارف الكافى لأشهر ثلاثة أو لستة أشهر، وإجلال عقد الزواج، بحيث لا يعقد الزواج إلا عند اليقين لدى الطرفين الراغبين فى الارتباط وتوفر نية الاستمرار معا كزوجين دون شك أو خوف. فربما كانت الخطبة أكرم للقانون وللنظام - بخفض عدد القضايا والنزاعات القضائية – وأشفع للأسرة جميعا، وأكثر حفظا لحق المرأة ولحق الرجل، فلا يضام أحد.
 
 
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة