كريم عبد السلام

200 عام من القطن المصرى

السبت، 22 سبتمبر 2018 03:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
زمان فى الخمسينيات والستينيات كان عندنا عيد للقطن، وكان الفلاحون يتباهون بزراعته وجمعه وتوريده للدولة، وكانت الدولة تفرح بموسم القطن على اعتبار أنه موسم التصدير وجنى العملة الصعبة لمحصول مصر الأول، وكان عندنا أغنيات للذهب الأبيض وأفراح  وليلى ملاح، لأن حياة المزارعين المصريين كانت مرتبطة تحديدا بهذا المحصول، البيع والشراء والزواج وتحديد ميزانية الحج. 
 
وزمان أيضا كان عندنا بورصة للقطن فى ميدان محمد على بالإسكندرية وكانت مرتبطة بالبورصات العالمية خاصة البورصات الإنجليزية، حيث كانت أسعار القطن طويل التيلة من نوعية «الكرنك» أو «منوف» تنطلق من الإسكندرية لتدوى فى مانشستر وليفربول ونيويورك، وكانت المضاربات على العقود الآجلة تحقق الثروات للعديد من التجار المصريين والأجانب بين الإسكندرية والعواصم العالمية، كما كانت زراعة القطن المزدهرة هى أهم الكروت فى يد الحكومة المصرية لتعزيز اقتصادها وتحقيق نمو متزايد، خلال النصف الأول من القرن العشرين، بل والاتجاه إلى إقراض الإمبراطورية البريطانية التى لا تغرب عنها الشمس.
 
وخلال السنوات الأخيرة، تراجعت زراعة القطن المصرى طويل التيلة والمصنف عالميا ضمن أجود الأنواع، ولم يعد أحد يتذكر عيده ولا بورصته ولا حتى يحافظ على معدلات إنتاجه باعتباره أحد مصادر الدخل القومى، وفى  العام الماضى، تراجعت المساحة المنزرعة إلى نحو 216 ألف فدان فقط، وربما هى المساحة الأقل تاريخيا فى زراعة القطن فى مصر منذ أدخله إلينا محمد على باشا وعمم زراعته حتى أصبح واحدا من المحاصيل الأساسية التى تعتمد عليها اقتصادياتنا الزراعية، ووصل فى بعض السنوات خلال منتصف القرن الماضى إلى مليونى فدان ويمثل أكثر من %70 من إجمالى صادراتنا للعالم.
 
وحسنا فعلت وزارة الزراعة والجهات المعنية بالحكومة عندما قررت مواجهة ما حدث فى العام الماضى الذى كان بحق عاما أسود  لزراعة القطن المصرى، وقررت الحفاظ على السلالات المصرية وحمايتها وتوفيق مصانع الغزل عليها، وكذا تسويقها بما يليق بها فى أسواق العالم، فزادت المساحات المنزرعة بالقطن هذا العام عن العام الماضى بنسبة خمسين بالمائة، وكما يقاس البترول على خام برنت يقاس القطن فى البورصات العالمية على القطن المصرى، لذا فإن أى زيادة فى مساحاته تعتبر خيرا لمصر ومزارعيها وأى إجراءات تعزز حماية وتسويق واستغلال ذهبنا الأبيض تعنى فى المقام الأول أننا على الطريق الصحيح من حيث الوعى بمصالحنا والعمل على تحقيقها.
 
وبدأت عملية إنقاذ المحصول الأهم والأغلى من خلال توفير التقاوى الجيدة وتطبيق الزراعات التعاقدية على المحصول لأول مرة، والتعاون مع الشركة القابضة للغزل لشراء أقطان الإكثار بسعر السوق أو الشراء بسعر الضمان، أيهما أعلى حيث سيتم التعاقد على شراء محصول مساحات إكثار القطن بعد حلجه بالمحالج المرخصة التابعة لوزارة الزراعة، لاستخلاص البذور والمحافظة عليها، وتوفير جميع مستلزمات مكافحة الآفات بالتنسيق مع المعمل المركزى للمبيدات والجمعية التعاونية الزراعية، وبالفعل أثمرت هذه السياسة عن زيادة 104 آلاف فدان فى المساحة المنزرعة لتصبح 320 ألف فدان العام الحالى.
 
وفى هذا السياق، تنظم الجمعية المصرية لشباب الأعمال، فعاليات مؤتمر القطن «200 عام من القطن المصرى» نهاية شهر أكتوبر المقبل، تحت رعاية مجلس الوزراء، حيث يستهدف المؤتمر تعزیز مكانة وتنافسیة القطن المصرى فى السوق العالمية، لما له من جودة عالیة مقارنة بالأقطان طویلة التیلة المنافسة فى أنحاء العالم، بالإضافة إلى تعظیم القیمة المضافة للقطن المصرى عن طريق تحقیق التكامل لصناعة الغزل والنسیج والملابس والمفروشات، مما یؤدى لزیادة الصادرات من المنتجات القطنیة المصریة، إضافة إلى تحقیق النمو الاجتماعى الاقتصادى من خلال النهوض بقطاع المنسوجات. 
 
وإذا اعتبرنا عملية الإنقاذ التى نفذتها وزارة الزراعة تجاه محصول القطن هذا العام مجرد بداية، فنحن على الطريق الصحيح لاستعادة عرش القطن المصرى العالمى الذى تتهافت عليه كل الأسواق العالمية، وإذا كان العالم كله يتهافت على القطن المصرى، فإن أى مساحات يمكن زراعتها بالأصناف النادرة الجيدة طويلة التيلة التى نتميز بها ستحقق مكسبا كبيرا وتسهم فى اعتدال الميزان التجارى وستحقق دخلا للبلاد من العملات الأجنبية وستعيد لمحصول مصرى رئيسى ازدهاره، فلماذا لا تستثمر الدولة فى الفلاحين وفى محصول القطن؟ لماذا لا نعتمد خطة طموحة لاستعادة العرش العالمى الذى فقدناه؟
 
 






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة