أحمد المالكى

حراسة الأعراض

الأحد، 02 سبتمبر 2018 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

 تحضر المجتمعات يقاس بما تحظى به المرأة من احترام.. وبما تتمتع به من أمان 

«إنما بُعِثت لأتمم مكارم الأخلاق»، هكذا قال نبينا «صلى الله عليه وسلم» حين أراد أن يُبين الهدف الأسمى من رسالته، فالإنسان حين يتحلى بالخلق الكريم، يحمى نفسه ومجتمعه من الكثير من المهلكات،
 
فيجنب نفسه الفواحش، ويحمى المجتمع من أن يتسبب فى إفساده، ومن أعظم مقاصد الدين حفظ الأعراض، حتى سدّ الله كل الذرائع المفضية إلى هتك الأعراض، ومن وسائل حراسة الأعراض غض البصر إذا كان بشهوة، وقد ذكر اللهُ حدودَ المخالطة بين الرجال والنساء، فحرّم أدناها وحرّم أعلاها، فأدناها، هى مخالطة النظر، قال تعالى: «قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ»، وأعلاها، هى مخالطة الفروج، قال تعالى: «وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ» (النور: 30)، وقال تعالى: «وَقُل ْلِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ» (النور: 31).
 
وهذا يدل عند الأصوليين على تحريم ما بينهما بمفهوم الموافقة، فإذا كان النظر بشهوة حرامًا، ومخالطة الفروج حرامًا، فما بينهما حرامٌ، وهو اللمس بشهوة، وهو الذى نسميه اليوم التحرّش.
 
التحرش من الفواحش والمنكرات التى تجلب على صاحبها غضبَ الله سبحانه، وتجلب له أضرارًا كبيرة فى الدنيا والآخرة، منها: 
أولًا: التحرش وسيلةٌ لوقوع الفاحشة، فهو خطوةٌ أولى من الخطوات الشيطانية فى الطريق إلى الفاحشة والهلاك، قال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ». (النور:21).
 
ثانيًا: التحرش بالكلمة أو بالفعل من أسوأ ألوان التعامل مع المرأة، وقد ذم الشرع الشخص الذى يفحش فى كلامه أو فعله، قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليبغضُ الفاحش البذىء». صحيح الترمذى. 
 
ثالثًا: التحرش والمعاكسات فيها تتبُّعٌ لعورات المسلمين، وقد توعد رسول الله المتتبعين للعورات بقوله: «مَنْ تتبَّع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو فى جوف بيته». 
 
 رابعًا: التحرش فيه اعتداء على عرض المسلم، وقد قال رسولنا صلى الله عليه وسلم: «كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه». صحيح مسلم. 
خامسًا: التحرش إيذاء للمؤمنين والمؤمنات، واستحلال لأعراضهم، وهذا من أقبح الذنوب. 
سادسًا: قد يكون التحرش بامرأة متزوجة، فيكون التحرش بها سعيًا فى إفسادِها على زوجها، وهذا يستجلب غضب الله على المتحرش أو المعاكس، قال النبى صلى الله عليه وسلم:  «لَيْسَ منَّا مَنْ خبَّبَ امرأةً عَلَى زَوْجِهَا».
 
سابعًا: التحرش يسبب حدوث الشقاق والجرائم فى المجتمع.
 
وفِى إطار اهتمامه بقضايا المرأة والذى امتد على مدار الأعوام السابقة، صدر عن الأزهر الشريف بيان واضح ورادع، ثمنته كل الأطراف، ولاقى أصداء واسعة داخل مصر وخارجها، ولأهمية هذا البيان، سأذكر هنا نصَّه:
«تابع الأزهر الشريف ما تداولته وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعى فى الآونة الأخيرة من حوادث تحرش، وصل الأمر فى بعضها إلى حد اعتداء المتحرش على من يتصدى له أو يحاول حماية المرأة المتحرش بها، فيما سعى البعض لجعل ملابس الفتاة أو سلوكها مبررًا يُسوغ للمتحرش جريمته النكراء، أو يجعل الفتاة شريكة له فى الإثم.
 
وفى هذا السياق، يشدد الأزهر الشريف على أن التحرش- إشارة أو لفظًا أو فعلًا-  هو تصرف محرم وسلوك منحرف، يأثم فاعله شرعًا، كما أنه فعلٌ تأنف منه النفوس السويّة وتترفع عنه، وتنبذ فاعله، وتجرمه كل القوانين والشرائع، يقول تعالى: «وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا» (الأحزاب: 58).
 
ويؤكد الأزهر الشريف أن تجريم التحرش والمتحرِش يجب أن يكون مطلقًا ومجردًا من أى شرط أو سياق، فتبرير التحرش بسلوك أو ملابس الفتاة يعبر عن فهم مغلوط؛ لما فى التحرش من اعتداء على خصوصية المرأة وحريتها وكرامتها، فضلًا عما يؤدى إليه انتشار هذه الظاهرة المنكرة من فقدان الإحساس بالأمن، والاعتداء على الأعراض والحرمات.
 
ويلفت الأزهر الشريف إلى أن تحضر المجتمعات ورقيها إنما يقاس بما تحظى به المرأة من احترام وتأدب فى المعاملة، وبما تتمتع به من أمان واستقرار وتقدير، فعندما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم التدليل على علو شأن الإسلام واستقرار أركانه، اتخذ من شعور النساء بالأمن مؤشرًا على ذلك، فجاء فى الحديث الصحيح: «لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ «المرأة المسافرة» تَرْتَحِلُ مِنَ الحِيرَةِ «موضع قرب الكوفة»، حَتَّى تَطُوفَ بِالكَعْبَةِ لاَ تَخَافُ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ».
ويدعو الأزهر الشريف إلى تفعيل القوانين التى تجرم التحرش وتعاقبه على فعله، كما يدعو المؤسسات المعنية إلى رفع الوعى المجتمعى بأشكال التحرش وخطورته، والتنفير من آثاره المدمرة على الأخلاق والحياء، خاصة التحرش بالأطفال، وتكثيف البرامج الإعلامية لتعريف المواطنين بما يجب عليهم من تصرُّفٍ حال وقوع حادثة تحرش، وبما يردع المتحرش ويوفر الحماية للمرأة أو الفتاة المتحرش بها، كما يطالب وسائل الإعلام بتجنب بث أى مواد تروج للتحرش أو تظهر المتحرش بأى شكل يشجع الآخرين على تقليده».
 
- ومن هنا وجب التنبيه والتشديد على أهمية أن يكون هناك عقوبة رادعة لمن يأتى بمثل هذه الأفعال حتى يكون عبرة لغيره، ولنضع نهاية لوجود مثل هذا السلوك الشائن فى مجتمعاتنا، ونعود ونكرر ونؤكد على سعى ديننا الحنيف على نشر مكارم الأخلاق «وخلق الإسلام هو الحياء» كما قال نبينا الكريم، كما أن علينا أن نُغَلِّب الهدى على الهوى..
هدانا الله إلى أحسن الأخلاق.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة