مصطفى النجار

الطريق إلى إصلاح المؤسسات الصحفية

الثلاثاء، 11 سبتمبر 2018 02:52 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

- تنفيذ القوانين الأخيرة بشأن مجالس الإدارات والجمعيات العمومية.. والإصلاح المالى والإدارى والمشاركة مع القطاع الخاص.. وطرح %25 من أسهم المؤسسات للعاملين فيها

 
- استمرار إدارة المؤسسات الصحفية بنفس الأفكار القديمة والتقليدية إهدار لمقومات الدولة وعبث بمستقبل هذه المؤسسات تدفع الدولة ثمنه فى نهاية كل عام
 

- المؤسسات الصحفية الحكومية تحتاج إلى إعادة هيكلة واختيار مجالس إدارات جديدة تكون قادة على اتخاذ قرارات صعبة مثل إغلاق الإصدارات الخاسرة وتحويلها لمواقع إلكترونية

 
بكل هدوء وموضوعية، وبعيداً عن المزايدات، نحن من الذين يرون أن قوانين تنظيم الصحافة والإعلام الأخيرة التى وافق عليها مجلس النواب مؤخراً تشكل الخطوة الأولى فى الطريق إلى إصلاح أحوال المؤسسات الصحفية، وتحديداً القومية التى باتت فى السنوات الأخيرة بمثابة معضلة كبرى تستعصى على الحل. 
 
وبداية أوضح أننى سأبتعد فى هذا المقال عن مناقشة المواد الخلافية، التى تتعلق بالحريات أو الحبس الاحتياطى، التى دار حولها جدل كبير.. وحتى بعد صدور القوانين مازال بعض أعضاء الجماعة الصحفية يتحفظون عليها أو يرفضونها، رغم أن مجلس النواب انتصر لكثير من التعديلات التى أبداها مجلس الدولة ونقابة الصحفيين بشأنها، بما يتوافق مع الدستور. 
 
ولذلك ما أريد التركيز عليه اليوم هو إصلاح أحوال المؤسسات الصحفية مالياً وإدارياً، من خلال طرح بعض الرؤى والأفكار التى يمكن أن تساعد فى إنقاذ هذه المؤسسات من أسوأ أزمة فى تاريخها، مع الاعتراف والإقرار بأن الأزمة ليست محلية فقط، بل هى أزمة عالمية تواجه الصحافة المطبوعة فى كل الدنيا فى ظل تحديات عصر العولمة والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعى، لكن تلك قضية أخرى. 
 
لقد وصلت ديون المؤسسات الصحفية لجهات الدولة المختلفة إلى أكثر من 19 مليار جنيه، لكن الأصعب من هذا أن كثيراً من هذه المؤسسات ينتظر المساعدات الشهرية من الهيئة الوطنية للصحافة لدفع مرتبات العاملين، بل الأدهى والأمَر أن بعض المؤسسات تحقق خسائر ضخمة سنوياً، ورغم ذلك ينتظر العاملون فيها صرف الأرباح السنوية «هبة من الدولة» ولا يعنيهم أبداً أنهم لم يحققوا أرباحاً قط، وتضطر الدولة لإرضاء العاملين أن تدفع لهم عشرات الملايين كأرباح، وهو شىء لا يوجد له مثيل فى العالم. 
 
ولعل ما شجع المؤسسات الصحفية على ذلك هو ما يحدث سنوياً فى عدد من شركات قطاع الأعمال العام مثل الغزل والنسيج أو الحديد والصلب وغيرهما ممن يحققون خسائر، ومع هذا الدولة مُلزمة، مراعاة للبُعد الاجتماعى، بدفع المرتبات والأرباح السنوية لهم. 
 
أعود للنقطة الأولى لنجيب على السؤال التالى: لماذا نعتبر أن قوانين تنظيم الصحافة الإعلام هى الخطوة الأولى فى الطريق إلى إصلاح المؤسسات الصحفية؟ 
 
أقول ذلك لأن المشرع أحسن صنعاً عندما أكد فى المواد المتعلقة بتشكيلات مجالس الإدارات والجمعيات العمومية على فتح الباب فى اختيار أعضائها من داخل وخارج المؤسسات، وذلك لإضافة خبرات مالية وإدارية واقتصادية واستثمارية لهذه المجالس يكون مشهوداً لها بالكفاءة لإنقاذ المؤسسات، وفى نفس الوقت لتحقيق مبدأ الشفافية فى إطار الفصل بين الإدارة والرقابة والمحاسبة. 
 
إن نظرة على الكوادر المالية والإدارية فى هذه المؤسسات تؤكد أننا فى حالة فقر شديد فى هذه الكوادر سواء من الصحفيين أو الإداريين يجعل من الصعوبة اختيار قيادات وأعضاء مجالس إدارات عندها الخبرة الكافية، لاتخاذ القرارات الصعبة اقتصادياً لإصلاح المؤسسات أو تحسين أحوالها على الأقل، وكلنا يعرف ذلك، ومن العيب أن ندفن رؤوسنا فى الرمال، ونقال إن هذه المجالس لأبناء المؤسسات فقط. 
 
وما نقوله ليس غريباً عما يحدث فى مؤسسات مصر الاقتصادية وشركات قطاع الأعمال وحتى القطاع الخاص، فالجميع فى هذه الشركات وحتى البنوك يستعين بكفاءات من الخارج عندها الكفاءة والقدرة على اتخاذ القرارات الصعبة. 
 
كما أن المشرع من وجهة نظرنا أحسن الصناع أيضاً عندما قرر أن يرأس الجمعيات العمومية رئيس الهيئة الوطنية للصحافة تأكيداً للشفافية، فمن غير المعقول أن يكون رئيس مجلس الإدارة هو نفسه رئيس الجمعية العمومية، أى أنه هو الذى يُحاسب نفسه، فهل هذا معقول؟ 
 
ومرة أخرى ليس ذلك أيضاً بغريب أو عجيب، فشركات قطاع الأعمال العام كلها يكون الوزير المسؤول هو الذى يتولى رئاسة مجلس إدارة الشركة القابضة، ورئيس مجلس إدارة القابضة يتولى بالتالى رئاسة الجمعيات العمومية للشركات التابعة، وبذلك تتحقق الشفافية الكاملة لصالح المؤسسة، وكم من مرة سمعنا عن جمعيات عمومية رفضت أو اختلفت حول قرارات لمجالس الإدارة، ويتم تصحيح الأوضاع فيها بناءً على رأى الخبراء من الخارج، بما يحقق الصالح العام، وهو ما نراه ضرورياً كما جاء فى القوانين الأخيرة، فى محاولة لإنقاذ المؤسسات الصحفية من عثراتها المالية والإدارية. 
 
ولذلك كله نقول إن هذه القوانين بمثابة الخطوة الأولى من الطريق إلى الإصلاح إذا كنا نريد إصلاحاً حقيقياً لصالح العاملين فى هذه المؤسسات قبل كل شىء، لكن من المهم تفعيل ذلك بكل جدية فى التشكيلات المنتظرة تنفيذا لهذه القوانين. 
 
نأتى للخطوة الثانية فى هذا الطريق وهى ما بعد تفعيل القوانين والتشكيلات الجديدة المنتظرة لمجالس الإدارات والمجمعيات، وسيكون السؤال: ماذا نفعل؟ 
 
إن هذه المجالس والجمعيات مطالبة بالعمل فوراً وفق منهج علمى وأبحاث ودراسات للواقع، وما تعانيه المؤسسات من مشكلات، مع مراعاة الآتى على سبيل المثال: 
 
اختيار القيادات الإدارية للمؤسسة ممن لدهم القدرة على اتخاذ القرارات، فإذا كانت الإدارة علم وفن لكنها قبل ذلك وبعده، هى جرأة فى اتخاذ القرار، ومخاطرة محسوبة، وخيال قابل للتطبيق بأفكار غير تقليدية تنظر للمصلحة العامة فقط. 
 
ضرورة إعادة الهيكلة الشاملة للمؤسسة، على أن يقوم بها مكاتب متخصصة، مع ضرورة الاهتمام بالتدريب الفنى والتحويلى للعاملين، لأنه من غير المعقول أن تكن مؤسسة بها 5 آلاف عامل مثلاً ولا تحتاج منهم سوى إلى ألف عامل فقط، فهذا يمثل عبئاً ثقيلاً على الإدارة، مع ضرورة دراسة الأجور، وتضييق الفوارق بين العاملين. 
 
أن تمتلك المجالس الجديدة القدرة على اتخاذ القرارات الصعبة مثل إغلاق الإصدارات التى تحقق خسائر، وتحويلها إلى مواقع إلكترونية مثلاً أو إصلاح أحوالها جذرياً بشكل عام. 
 
يصبح فتح المعاش المبكر اختيارياً للعاملين أحد الأفكار المطروحة للتخفيف من أعباء العمالة، مع مراعاة أن بعض المؤسسات تتخذ قرارات بوقف التعيينات، وهنا قد تصل بعد سنوات إلى أن تفتقر هذه المؤسسات للشباب القادر على حمل المؤسسة للمستقبل.  وأذكر هنا أن أحد الرؤساء فى شركات قطاع الأعمال قال لى ذات مرة أنهم أوقفوا التعيينات، والنتيجة أن هناك إدارات أصبحت كلها وكلاء وزارة ومديرو عموم، وليس هناك «أنفار» أو موظفين، فتلك قضية يجب مواجهتها بحذر شديد وبدراسات علمية. 
 
نحن من المقتنعين بالفكر الاقتصادى الجديد الذى ينادى بالمشاركة فى المشروعات والشركات مع القطاع الخاص، ولا نقول البيع أو الخصخصة – نقول المشاركة، وهى فكرة أثبتت نجاحها إلى حد كبير، ونرى أنها هى الطريق السليم لاستغلال أصول المؤسسات من أراضٍ وعقارات وخلافه لتساهم فى انقاذ المؤسسات. تبقى فكرة جديدة أتمنى دراستها من الحكومة والدولة، وهى التفكير بجدية فى تغيير نمط ملكية الصحافة القومية فى مصر، وذلك بدراسة طرح نسبة 25% من رأس مال المؤسسة كأسهم للعاملين فيها، على أن تبقى النسبة الحاكمة للحكومة وتظل لها اليد العليا للحفاظ على أموال المؤسسات التى هى فى الحقيقة أموال الشعب، وفى نفس الوقت الحفاظ على دور الصحافة القومية. 
 
لكن هل بهذه السهولة يمكن التفكير فى طرح نسبة الـ 25%.. بالطبع لا.. فإن الأمر ربما يتطلب تعديلاً تشريعياً أولاً، وثانياً الأمر يتطلب أن تقوم المجالس الجديدة بتنفيذ كل الإصلاحات المالية والإدارية اللازمة فى المؤسسات التى أشرنا إليها، وكذلك معالجة الخلل فى القوائم المالية للمؤسسات، وزيادة الإيرادات، وضبط التكاليف والمصروفات، حتى يمكن أن يكون الطرح للعاملين مغرياً، لأنك فى النهاية لا تستطيع أن تطرح شركات أو مؤسسات خاسرة، فلن يقبل عليها أحد بما فيهم العاملون أنفسهم. 
 
إن استمرار إدارة المؤسسات الصحفية بنفس الأفكار القديمة والتقليدية هو إهدار لمقومات الدولة، بل هو عبث بمستقبل هذه المؤسسات تدفع الدولة أو الحكومة ثمنه فى نهاية كل عام. 
 
وفى هذا يحضرنى ما قاله الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ عامين، تقريباً يوم زيارته للترسانة البحرية بالإسكندرية، وما زال صداه فى أذنى، وكنت سعيداً جداً به حين قال: «إنه من غير المقبول أن نترك بعض المؤسسات تخسر ولا نتحرك، إن ذلك فساد فى الإدارة»، وأضاف أن التراخى فى عدم تطور المؤسسات وتركها رابحة قوية للأجيال المقبلة هو فساد يؤدى إلى كسر معنويات الناس.. ولابد من حل المشكلات بقرارات جريئة غير تقليدية، لأن التردد فى القرار مُكلف جداً. 
 
إن الإدارة الرشيدة هى «كلمة السر» فى تحقيق النجاح.. وأن تفعيل قوانين تنظيم الصحافة والإعلام هو بالفعل الخطوة الأولى فى إصلاح المؤسسات الصحفية.. فهل نحن قادرون على ذلك.. أقول نعم.. المهم الإرادة. 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة