«بقيت الدولة الفاطمية فى مصر نحو قرنين وهى تحاول بسط سلطانها على ما جاورها من البلاد، وكان امتداد ملكها إنقاصا من سلطة دولة العباسيين، وظلت الدولتان متنافستين تعلو كفة العباسية مرة وكذا الفاطمية مرة أخرى، إلى أن جاءت الدولة السلجوقية، وكانت الدولة الفاطمية اضمحل أمرها»، هكذا يلخص محمد فريد أبوحديد تاريخ الدولة الفاطمية فى كتابه «صلاح الدين الأيوبى» عن «دار الكتب والوثائق القومية- القاهرة».
أنهى صلاح الدين الأيوبى حكم الفاطميين فى مصر، وكان ذلك بمثابة إنهاء رسمى للمذهب الشيعى فى مصر، ومضى فى ذلك مسارا طويلا وعميقا، بالرغم من أن «أبوحديد» يرى «أننا لا نستطيع أن نعرف على وجه البت هل كان لوجود هذه الدولة العلوية فى مصر قرنين أثر فى عقائد أهلها، فلم يكن خلفاء دولة الفاطميين من غلاة الشيعة».
ويشير «أبوحديد» إلى أنه «لم يكن بالمصريين كره للدولة الفاطمية، على أنه لم يكن بهم كذلك ميل إلى التضحية بشىء فى سبيلها، وكان الشعب المصرى يرى فى كثير من الأحيان لاسيما فى الأيام الأخيرة ظلما وضعفا من جانب الدولة، ولكنه كان دائما يميز بين الوزارة صاحبة القوة فيحقد عليها، وبين الخلافة صاحبة الأمر الأعلى، ويعلم أنها لا حول لها ولا قوة، ولهذا كان يعطف عليها، وعندما أبصر الشعب صلاح الدين على الوزارة ورأى كرمه فى البذل وتصرفه فى الدفاع وقوته فى الحرب أعجب به وأحبه والتف حوله».
يؤكد أبو حديد، أن صلاح الدين بدأ ينشئ المدارس السنية على مذهب الإمام الشافعى، كوسيلة للقضاء على الحكم الشيعى، وفى تتبع هذه القضية يقدم كتاب «صلاح الدين الأيوبى وإعادة إحياء المذهب السنى» تأليف «عبدالرحمن عزام» ترجمة «قاسم عبده قاسم» تفاصيل كثيرة أبرزها، أن صلاح الدين بدأ بالفعل فى هدم الخلافة الفاطمية وإدخال العقيدة السنية فى مصر، وبحلول صيف 1170 حذف عبارة «حى على خير العمل» الشيعية من الأذان للصلاة، وبعدها بوقت قصير وضع أسماء الخلفاء الراشدين الثلاثة الأوائل «أبوبكر وعمر وعثمان، رضى الله عنهم» فى خطبة الجمعة مجددا قبل اسم على «رضى الله عنه»، وفى الصيف نفسه عين «عيسى الهكارى» قاضيا شافعيا بالقاهرة، وفى مارس 1171 طرد صلاح الدين قاضى القضاة الإسماعيلى فى مصر، وعين بدلا منه قاضيا شافعيا كان كرديا أيضا، وهو صدر الدين بن درباس الهذيانى، الذى لم يضع وقتا فى إحلال القضاة السنة محل القضاة الشيعة.
يذكر «عزام» أنه فى نهاية صيف 1171، ظهرت أعراض مرض خطير على حاكمه الفاطمى «العاضد»، وعرف صلاح الدين أن عليه أن يتحرك بسرعة لضمان عدم وجود من يخلف الخليفة الفاطمى على العرش، يضيف عزام: «فيما بعد عندما تلقى دعوة من العاضد لزيارته فى القصر، رفض صلاح الدين أن يذهب، لأنه خاف من الغدر، على الرغم من أنه ندم على هذا فيما بعد، وفى يوم 10 سبتمبر «مثل هذا اليوم عام 1171» أسقط اسم الخليفة الفاطمى من خطبة الجمعة، لكنه فى هذه المرحلة لم يعلن اسم الخليفة العباسى»، ويفسر عزام ذلك بقوله: «كان صلاح الدين يخشى رد فعل المصريين، ولأنه كان ميالا للتجربة بطبيعته، فقد فضل أن يعطى نفسه فسحة من الوقت، وكان من دواعى سروره أن إسقاط اسم «العاضد» لم يستفز أحدا، وهو ما شجعه إلى حد كبير».
يؤكد عزام: «فى اليوم التالى، السبت، مضى صلاح الدين فى استعراض واضح للقوة، واستعرض عساكره على مرأى من المصريين، وأهم من ذلك على مرأى من المبعوثين البيزنطيين والفرنج الذين كانوا حاضرين، وعندما وصلت الأنباء إلى العاضد الهزيل المريض بإسقاط اسمه من الخطبة فى صلاة الجمعة، سأل عن الاسم الذى تم تعيينه، وعندما أخبروه أنهم لم يسمعوا أحدا، أجاب: فى الجمعة التالية يخطبون لرجل مسمى».. ولم يعش ليرى الجمعة التالية لأنه توفى يوم 13 سبتمبر1171، توفى ولم يكمل الحادية والعشرين من عمره.. وصلت أخبار الخليفة العاضد إلى صلاح الدين، وكان جالسا مع القاضى الفاضل، وكشف ردودهما المباشر بشكل درامى عميق عما فى عقليهما، قال صلاح الدين: «لو علمنا أنه يموت فى هذه الجمعة ما عصصناه برفع اسمه من الخطبة»، والتفت القاضى الفاضل معلقا: «لو علم أنكم ما ترفعون اسمه من الخطبة لم يمت».
يضيف عزام: «على الرغم من أن العاضد خلف من بعده ولدا صغيرا، إلا أن نية صلاح الدين لم تكن الاستمرار مع الخلافة الفاطمية، وفى مساء يوم 14 سبتمبر 1171 ظهر صلاح الدين علنا أمام تجمع فى القصر، ولم يتم اختيار خليفة، وتلقى الذين لا يزالون على تمسكهم بأمل إنقاذ ما تبقى من السلالة الفاطمية الرد يوم الجمعة 17 سبتمبر حينما ذكر اسم الخليفة العباسى فى مساجد الفسطاط والقاهرة».