"الستات نكدية"، "الزوجة المصرية الأصيلة بتموت في النكد"، "الاكتئاب والمرأة وجهان لعملة واحدة".. كل هذه الجمل يتم تداولها عن المرأة دائمًا خاصة بين الرجال، إلى أن أصبحت واقعًا يقره الجميع حتى المرأة نفسها، ولكن هل اهتم أحدهم بالبحث وراء السبب؟ لماذا تكتئب المرأة؟.. وما هو هو سبب نكدها المستمر؟ وهل هناك تفسير علمي وراء حالتها النفسية؟
الحقيقة أن المرأة على مدار حياتها لديها ما يسبب لها المعاناة والاكتئاب فهي دائمًا ما تقع تحت ضغط وتوتر ليس سببه فقط مجتمع يضطهد أنوثتها ويجعلها دائمًا في حرب لتعيش بشكل طبيعي ولا مسئوليات فرضتها عليها أنوثتها وكونها "ست" بل هي طبيعة خُلِقَت بها جعلتها طوال الوقت تعاني وتتألم لأسباب ليس لها يد فيها بداية من مرحلة بلوغها حتى وصولها لسن اليأس أو "سن الأمان".
ومن جانبه قال الدكتور عمرو حسن أستاذ مساعد النساء والتوليد والعقم بقصر العيني، إن الاكتئاب عند المرأة يبدأ من المرة الأولى لدورتها الشهرية ويكون نتيجة شعور مختلط بين المفاجأة والخوف والتوتر والقلق والخجل وعدم الإدراك لطبيعة المرحلة الجديدة التي تتعرض لها، بالإضافة إلى الآلام المصاحبة للدورة الشهرية، لافتًا في هذه النقطة إلى دور الأم لتوعية ابنتها ومحاولة امتصاص هذا التوتر وتخفيفه وطمأنة البنت ببعض التصرفات الحميمية مثل حضنها والتواصل المستمر معها وعدم تعريضها لأي ضغط في هذه الفترة.
اكتئاب الدورة الشهرية
ثم ينتقل حسن إلى ما تسببه الدورة الشهرية بشكل عام من تأثير سيئ على نفسية المرأة فى جميع مراحل عمرها، مشيرًا إلى أن هناك ما يسمى بمتلازمة "PMS" وهى متلازمة ما قبل الدورة الشهرية وتوجد عند البنات ولكن بدرجات متفاوتة فتتسبب فى إصابتها بالاكتئاب والعصبية والتوتر والقلق وتكون سهلة الاستثارة ضد أى شىء حتى أنها تصل عند البعض إلى وجود آلام ومشاكل فى أجزاء الجسم المختلفة، الأمر الذى يضع البنت أو السيدة فى ضغط عصبى ونفسى بشكل دورى كل شهر على مدار حياتها.
وتابع الدكتور عمرو حسن أن من أهم المراحل وأكثرها ضغطا على المرأة هى مرحلة الحمل التى يحدث فيها تغير فسيولوجى يزيد من مستوى الهرمونات لديها ما يسبب الاكتئاب والأرق وتقلب المزاج بالإضافة إلى ما تسمعه من تجارب سيئة عن الحمل والولادة وخوفها من المسئولية وأخيرًا الرهبة من عملية الولادة نفسها بسبب ضعف المعلومات والثقافة، وهنا يأتى دور الطبيب الذى تقع عليه مسئولية طمأنتها وتوضيح الفرق بين الولادة الطبيعية والقيصرية بشكل مبسط ليخفف توترها وعدم تركها فريسة لقصص وتجارب من حولها، مؤكدًا أن هذا هو السبب المباشر لانتشار الولادة القيصرية والخوف من التعرض لآلام ومخاطر والولادة الطبيعية.
دعم الزوج لزوجته الحامل
ثم تأتى مرحلة ما بعد الولادة لتدخل المرأة فى مرحلة جديدة من الاكتئاب مع زيادة مسئولياتها وخاصة مسئوليتها عن طفلها فدائما ما يتملكها شعور مستمر بتأنيب الضمير حال تعرض طفلها لأى سوء بالإضافة إلى قلة النوم فى الشهور الأولى والرضاعة التى تحتاج إلى سعرات حرارية عالية وتغذية سليمة وصحية، كل ذلك بالإضافة إلى إلقاء مسئولية منع الحمل وتحديد النسل عليها فيستسهل الزوج بعدم استخدام الواقى الذكرى ما يضطر المرأة إلى اختيار إحدى الوسائل التى تؤثر إما على نفسيتها أو اضطراب هرموناتها.
ومع دخول المرأة فى مرحلة سن اليأس التى تتراوح ما بين الـ48 و52 أوضح حسن، أن هرمون الأنوثة لديها يقل تدريجيًا ما يتسبب فى تغير مزاجها فتبدأ فى التركيز على شكلها وتلاحظ زيادة وزنها وتغير ملامحها وظهور علامات تقدم العمر على وجهها ما يصيبها بالاكتئاب والإحباط خاصة عندما يبدأ زوجها بالتعليق على هذا التغير أو مقارنتها بغيرها
وختم الدكتور عمرو حسن كلامه بأن المرأة كائن يعاني طوال الوقت خاصة مع زيادة هرموناتها في بداية عمرها وقلتها في سن اليأس مرورًا بالكثير من التغيرات فيما بينهما، لافتا إلى أن أكبر داعم للمرأة على مدار حياتها هو الرجل سواء كان الأب أو الزوج، مشيرًا إلى أن دور الأب هو الأهم عندما تدخل ابنته في مرحلة البلوغ بأول عمرها فيكون عليه طمأنتها ومنحها الشعور بالأمان لأنها تكون في أمس الحاجة إليه، ثم ينتقل هذا الدور إلى الزوج الذي يكون رفيق الزوجة خلال مرورها بمراحل عمرها المختلفة منذ دخوله حياتها بعد الزواج مرورًا بمراحل الحمل والولادة وحتى وصوله معها إلى مرحلة الأمان أو سن اليأس فعليه دعمها والتخفيف من مسئولياتها ومشاركتها اضطراباتها النفسية والهرمونية وتقدير ما تمر به من متاعب ومعاناة ليس لها يد فيها.
ومن جانبه قال الدكتور محمد هانى استشارى الأمراض النفسية والعصبية، أن المرأة أكثر عرضة للاكتئاب بنسبة 6 لـ1 من الرجل وذلك بسبب طبيعتها الأنثوية وتتباين عندها أنوع الاكتئاب مثل الاكتئاب المزاجى وما قبل الولادة ووقت الدورة الشهرية وبعد الولادة، فتكون دائمًا حساسة ودموعها قريبة بسبب اضطراب هرموناتها، لافتًا إلى أن الرجل دائمًا ما يتهم المرأة بأنها "نكدية" غير مدرك أن هذه المشاعر ليست بإرادتها ولابد أن يتوصل للطريقة الصحيحة للتعامل معها وفهم "الكتالوج" الخاص بها فيحتويها ويعاملها بحنان ولا يعنفها، كما أنه على المرأة أن تكون لديها الطرق لمواجهة مشكلاتها وما تمر به للتغلب عليها دون ضعف.
أما عن مرحلة الزواج والتحضير له فتقع البنت تحت ضغط نفسى كبير ومرهق على كل المستويات، ولكن ماذا لو تخلل كل هذا التعب إحباط واكتئاب وقلق ومشاعر أخرى لا تعلم أسبابها ولا تتمكن من التعامل معها، ما يتسبب فى وقوع العديد من المشكلات قد تنتهى فى بعض الحالات إلى التراجع عن قرار الزواج والانفصال حتى ولو كان كل شىء جاهز.
وعن هذه المرحلة قال الدكتور محمد هاني أن المرأة بطبيعتها الأنثوية تكون حساسة تجاه أي شىء وأكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب من الرجل، الأمر الذي يزيد خلال الـ20 يومًا التى تسبق يوم الفرح مباشرة، حيث تبدأ البنت المدللة المرفهة التي كانت تعيش تحت مظلة والديها لا تحمل أي مسئولية أو هموم في الانشغال بعشرات الأسئلة حول ما ينتظرها في حياتها القادمة مع رجل غريب ستعيش معه في بيت واحد، وهل ستتمكن من تحمل المسئولية وهل ستنجح وغيرها من الأسئلة التي لا تنتهي.
وللتعامل مع هذا التوتر والقلق والمرور بهذه المرحلة الصعبة بسلام قال هاني إنه على البنت أن تؤهل نفسها لاستقبال المسئوليات الجديدة، وتحاول أن تحيط نفسها بصديقات مستقرين ولهم تجارب ناجحة في الزواج ليقدموا لها الدعم النفسي ويعكسوا صورة إيجابية عن الحياة التي هي مقدمة عليها، كما عليها أن تبعد أصحاب التجارب السلبية الذين قد ينقلوا إليها مشاعرهم السيئة دون قصد وتخويفها من التجربة وزيادة حدة الضغط النفسي عليها، كما أن لزوجها المستقبلي دور كبير في مساعدتها على المرور بهذه الفترة الصعبة فلابد أن يحاول طمأنتها وتحمل مزاجها المتقلب وامتصاص غضبها وتوترها ولا يواجه عصبيتها بعصبية مماثلة حتى لا تزيد مخاوفها وتحدث فجوة كبيرة قد تؤدي إلى الانفصال .
وأخيرًا طالب هاني الأم بتأهيل بنتها منذ وقت مبكر على تحمل المسئولية وعدم إبعادها عن مشاكل البيت وإشراكها في كل شىء حتى لا تفاجأ بعد الزواج بمسئوليات زوجية واجتماعية قد تجد نفسها غير قادرة على تحملها، بالإضافة إلى تقديم الدعم النفسي من الأم والأب والأسرة والأصدقاء في هذه الفترة.
ووفقًا للدراسات أكد موقع "psychologytoday" أن الاكتئاب ينتشر بشكل أكبر بين النساء عن الرجال نظرًا لعدة تفسيرات منها بيولوجية ونفسية وأخرى اجتماعية وثقافية تؤثر جميعها على قابلية المرأة للتعرض للاكتئاب، ووفقًا للتفسير البيولوجي فقد أثبتت الدراسات أنه لدى المرأة استعداد وراثي لتطوير الشعور بالاكتئاب مقارنة بالرجل، كما أنها أكثر عرضة للتغيرات الهرمونية التي تؤثر على حالتها المزاجية ويظهر هذا بشكل أكبر في وقت الولادة والدخول في سن اليأس حيث تعتبر هاتان المرحلتين الأكثر خطرًا في إصابة المرأة بالاكتئاب.
أما عن التأثير النفسي فقد أثبتت الدراسات أن المرأة بطبيعتها تميل إلى التفكير في أشياء وتفاصيل أكثر من الرجل والتي رغم أهميتها وميزتها إلا أنها تجعلها دائمًا مؤهلة للدخول في الاكتئاب، كما أن النساء تتأثر بشكل أكبر في علاقاتها فتؤثر أي مشكلة بهذه العلاقة سواء مع عائلتها أو أصدقائها أو حبيبها على حالتها المزاجية.
ومن جانب آخر تتعرض المرأة لضغوط أكثر من الرجال فبجانب العمل تتحمل المرأة العبء الأكبر لرعاية البيت وتربية الأطفال والاهتمام بزوجها وتحمل مسئوليتهم جميعًا، كما أنها تتحمل رعاية الأهل في حالة مرضهم وخاصة الأكبر سنًا، ونظرًا لأن المرأة غالبًا ما تعيش أطول من الرجل فتكون هي الأكثر عرضة للمرور بمراحل الشيخوخة المرهقة لها فتشعر بالوحدة والضعف والمرض، وأخيرًا فإن المرأة هي الأكثر بحثًا عن سبب اكتئابها وتشخيصه فدائما ما تناقش مشاعرها مع صديقاتها أو طبيبها النفسي
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة