كان الوقت صباحًا يوم 4 أغسطس «مثل هذا اليوم عام 1990» حين اتصل العاهل السعودى الملك فهد بن عبدالعزيز بالعاهل الأردنى الملك حسين.. كان «الملك فهد ثائر الأعصاب» بوصف محمد حسنين هيكل فى كتابه «حرب الخليج- أوهام القوة والنصر»، مضيفا: «قال للملك حسين فور أن سمع صوته: «كنت تحدثنى أمس، عن قبول الإخوان فى العراق لفكرة عقد قمة مؤتمر قمة مصغر، وعن قبولهم لمبدأ الانسحاب، وقبل قليل أبلغنى «بندر» من واشنطن أن الأمريكان أطلعوه على صور أقمار صناعية تكشف وجود قوات عراقية تتحرك فى المنطقة المحادية بين السعودية والكويت، وتقترب من حدود المملكة».
كانت المناقشات تدور حول الغزو العراقى للكويت، يوم 2 أغسطس 1990، والجهود العربية المبذولة للتوصل إلى حل لهذه الأزمة الخطيرة، وشهد يوم 2 أغسطس، وبعد عملية الغزو، حضور الملك حسين إلى القاهرة واجتماعه بالرئيس مبارك، وتمخض اجتماعهما عن اقتراح بذهاب الملك حسين إلى بغداد واجتماعه بالرئيس صدام حسين، يوم 3 أغسطس، حسب هيكل، مؤكدا أن «حسين» اتصل بفهد، قائلا له «إن الرئيس صدام حسين وافق على عقد مؤتمر قمة مصغرة فى جدة فى اليوم التالى «4 أغسطس».. ولم ينتظره الملك فهد حتى ينهى تقريره عن مهمته، وإنما قاطعه، قائلا بنفاذ صبر: «أى قمة مصغرة؟. هل بقى لدينا وقت للقمم؟.ماهى الفائدة؟، واستكمل الملك حسين كلامه قائلا: «إن العراقيين وافقوا على الانسحاب، وقد أبلغه الرئيس صدام بعد مغادرته لبغداد بساعة أن مجلس قيادة الثورة وافق على مبدأ الانسحاب، وأنه قرأ بعد عودته لعمان تصريحا لمتحدث رسمى باسم مجلس قيادة الثورة العراقى يشير صراحة إلى نية الانسحاب، وقال الملك فهد إنه لم يطلع على مثل هذا البيان، وسيطلبه ليقرأه، وعلى فرض أن هناك مثل هذا البيان، وأنه يحوى إشارة بالفعل إلى الانسحاب، فإنه «أى الملك فهد» يخشى أن تكون فى الأمور خدعة».
على هذا النحو كان منطقيا أن يغضب الملك فهد، غير أن حسين ووفقا لهيكل: «رد بأنه وقد رأى صدام، وسمع منه بالأمس يستبعد مثل هذا الكلام»، ثم أضاف لفهد، أنه سوف يتصل على الفور بالرئيس صدام ويسأله فى الأمر مباشرة».. يؤكد هيكل أن الملك حسين اتصل بالفعل بالرئيس صدام، وأخبره بما سمعه، وأبدى الرئيس العراقى دهشته، وكان أول تعليق له: إن ذلك كلام غير معقول، فنحن وقعنا مع السعودية معاهدة عدم اعتداء، بناء على اقتراح منى شخصيا للملك فهد.. ثم توقف صدام لحظة عن الحديث، وقال للملك حسين: انتظرنى لحظة.. معى هنا الآن رئيس أركان حرب الجيش العراقى وسوف أتحقق منه».. وسمع الملك حسين على التليفون أصداء حديث يجرى على الناحية الأخرى، ثم عاد إليه صوت الرئيس صدام يقول له: «أبوعبدالله.. ليست لدينا قوات عراقية على الإطلاق قرب المنطقة المحايدة أو قرب السعودية، وأقرب قوات لنا فى المنطقة بعيدة بثلاثين أو أربعين كيلومترا عن أى نقطة سعودية، وطلبت إلى القيادة العسكرية الآن أن تحرص على ألا تقترب قوات العراق بأى حال من المنطقة المحايدة، وأن تظل على بعد خمسين كيلومترا على الأقل من أقرب مركز سعودى، وتستطيع أن تنقل ذلك عنى إلى الأخ فهد وتطمئنه».. وتساءل الملك حسين عن مواعيد الانسحاب، وقال الرئيس صدام، إن لواء عراقيا كاملا-عشرة آلاف جندى-غادر الكويت فعلا وصور انسحابه منشورة فى الصحف العراقية صباح اليوم، وسنعلن جدولا بخطة الانسحاب نبلغه إلى الأمم المتحدة».
عاد الملك حسين إلى الاتصال بالملك فهد يبلغه بما دار، ووفقا لهيكل: «كان الملك فهد يسمع وهو يبدى تخوفه من كل ماجرى، ومايمكن أن يجرى، وقال له حسين إنه يخشى أن الأمور تتعقد بأكثر من قدرتنا على حلها، ويقترح أن يتوجه الآن إلى جدة لمقابلة الملك بنفسه، ثم بدا الملك فهد مترددا، وقال إنه مأخوذ بالكامل فى اجتماعات لاتنقطع، ومن الأفضل تأجيل الزيارة، وغالب الملك حسين كبرياءه وقال: «لدى الكثير أريد أن أقوله لك وأريدك أن تسمعه، ورد فهد قائلا: إنه فى هذه الحالة سيطلب من الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية أن يمر على عمان وهو فى طريقه عائدا من القاهرة إلى جدة، وبعد نصف ساعة اتصل الديوان الملكى السعودى بنظيره الأردنى يبلغه أن الأمير سعود لن يتمكن من زيارة عمان لأنه مرتبط باجتماع لوزراء خارجية دول الخليج «على هامش اجتماع وزراء خارجية الدول الإسلامية المنعقد فى القاهرة».
تم الاتفاق على أن يبعث الملك فهد بالشيخ عبدالعزيز الخويطر وزير التعليم لمقابلة الملك حسين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة