كان صلاح سالم عضوًا بمجلس قيادة ثورة 23 يوليو 1952، وشغل بعد الثورة مناصب وزارية، حيث كان وزيرًا للإرشاد القومى، ووزير دولة لشؤون السودان، الذى تولى بمقتضاه ملف السودان، وقاد المفاوضات مع السودانيين بشأن مطلبهم بالاستقلال عن مصر، وتوفى يوم 18 فبراير عام 1962 متأثرًا بمرض السرطان، وكان عمره 41 عامًا، وحسب مذكرات صلاح الشاهد «ذكرياتى فى عهدين»: فى يوم 31 أغسطس «مثل هذا اليوم» عام 1955، قدم الصاغ صلاح سالم، وزير الإرشاد القومى، استقالته من الوزارة، وصدر بيان من مجلس قيادة الثورة بقبولها، ولكن لم يشر البيان إلى أسباب هذه الاستقالة.
يذكر «الشاهد» ملاحظاته على هذه الاستقالة، وذلك من واقع أنه كان مديرًا للمراسم فى مجلس الوزراء مع بداية ثورة 23 يوليو، ثم كبير الأمناء برئاسة الجمهورية، حتى استقال فى أوائل إبريل 1973: «يلاحظ أن هذه الاستقالة ترجع فى ظروفها وملابساتها إلى سياسة صلاح سالم فى السودان، ذلك أنه قام برحلة إلى جنوب السودان برفقة اللواء عبدالحكيم عامر بتكليف من الرئيس جمال عبدالناصر، ثم عرض عليه نتيجة السياسة التى انتهجها فى السودان، لاسيما وقد علم الرئيس عبدالناصر بأن هذه السياسة أغضبت السودانيين، وأدت إلى الفرقة بين صفوف المؤيدين للوحدة مع مصر، بل كانت هذه السياسة من شأنها إلغاء الاتفاقيات التى أبرمت بشأن السودان، وقد تخللت الرحلة بعض الحوادث المثيرة، وسجلت أحداثها فى فيلم سينمائى، ظهر فيه وزير الإرشاد القومى عاريًا كما ولدته أمه فى غابات جنوب السودان، نيمولى».
يضيف»الشاهد»: «عند عودة صلاح سالم حضر اجتماع مجلس الوزراء لعرض نتيجة رحلته، وبعد أن سرد وقائع الرحلة ناقشه الرئيس عبدالناصر فيما علم به من الانتقادات التى وجهت إليه، وما اقترن بالرحلة من ظروف»، ويذكر «الشاهد» أنه «كان من رأى صلاح سالم أن يعمل ما فى وسعه لإرضاء السودانيين، تارة بالتنازل عن ممتلكات مصر فى السودان، وتارة بتوزيع الملايين من الجنيهات على بعض رجال الأحزاب وزعماء القبائل لكى يملأ عيونهم، ولكن الرئيس عبدالناصر انتقد بعضًا من هذه الأساليب، وشعر صلاح سالم بعدم الثقة به، خاصة أنه ناقشه فى بعض الأمور التى حدثت فى جنوب السودان مناقشة تفصيلية، كما أن الرئيس كان قد بعث معه اللواء عبدالحكيم عامر، وهنا غضب صلاح سالم، وقال: إننى أعتبر نفسى مستقيلًا، ورد عليه الرئيس فى التو واللحظة قائلًا: لقد قبلت استقالتك»، ويعلق «الشاهد»: «فى الواقع أنه لم تكن ثمة استقالة بالمعنى المفهوم، ولكن كان الأمر إعفاء، وصدر البيان بقبول الاستقالة».
فى المذكرات الصادرة بعنوان «مذكرات الصاغ صلاح سالم»، دراسة وتعليق الدكتور عبدالرازق عيسى، عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب-القاهرة»، يطرح «سالم» سؤاله: «لماذا استقلت من مجلس الثورة ومجلس الوزراء؟»، وكان السؤال مفتتحًا للحلقة الأولى من مذكراته التى نشرها فى جريدة «الشعب» من 4 يونيو 1956، وكان رئيسًا لمجلس إدارتها، وكانت ثانى صحيفة تصدرها الثورة فى يونيو 1956.
بدأ نشر المذكرات بعد شهور من استقالته، وبالرغم من تناولها دوره فى مسألة السودان، فإنه أثار فى الحلقة الأولى منها كل ما قيل من همس وشائعات عن استقالته، قائلًا: «قصص وأساطير لاكتها ملايين الألسن تروى وتسمع بين مؤكد وبين مكذب فى النوادى، والصالونات والمقاهى، ودواوين الحكومة، وحتى فى دوار العمدة وعلى مصطبة شيخ البلد، فى القرى والنجوع»، ويقدم هذه القصص ساخرًا منها، وأبرزها ترديد البعض بأنه كان سجينًا بأحد السجون الحربية، وأخرى تقول: كانت إقامته محددة لفترة فى استراحة رئيس مجلس الوزراء فى القناطر الخيرية، وفترة أخرى فى منزله بالعباسية، وشائعة بأنه سافر إلى أوروبا على ظهر المركب إسبيريا، وقصة أخرى عن اتهامه باختلاس أربعة ملايين من الجنيهات، وفى رواية أخرى 12 مليونًا وكسور، وكان محمود أبوالفتح هو من ردد هذه الرواية، يذكر «سالم»: «هل سمعت بالرواية التى حرص محمود أبوالفتح وقتها أن يقصها لكل مصرى التقى به فى الخارج أننى اختلست ثلاثة ملايين جنيه أودعتها فى بنوك سويسرا عن طريق زوجتى».
كان «أبوالفتح» وقتئذ يدير محطة اسمها «الشرق الأدنى»، تبث إرسالها من الخارج، واستخدمتها بريطانيا ضد مصر، وذكرت فى مزاعمها قصة الاختلاسات، وقصصًا أخرى.
ويتحدث عن السودان قائلًا: «قصة السودان معى مثيرة للغاية، وإذا كلمتك عن السودان وعن معركة تحرير السودان، فلابد أن تنظر إلى الأحداث كلها فى منطقتنا العربية بأسرها، تلك الأحداث التى عاصرت معركة السودان واتربطت بها ارتباطًا كاملًا، وتشابكت معها تشابكًا كليًا، فكانت المعركة تدور من بغداد إلى جوبا عند خط الاستواء».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة