المتابع للعلاقات السعودية المصرية يجد تناغمًا وجدانيًّا عميقًا، وهذا ليس وليدَ اللحظة، بل يمتد إلى عقودٍ طويلة.
لن أتكلم في هذا المقال عن السياسة والمصالح المشتركة بيننا وبين مصر؛ فكلها معلومة للقاصي والداني- ورغم هذا فإنِّي أود الحديث عن الجوانب المشتركة الإنسانية والثقافية بين البلدين، ولا أبالغ لو قلت إن الشعب السعودي يرى مصر بلده الثاني، وبيته الآخر، مهما حاولت التنظيمات الإسلامية ذات الأهداف المشبوهة والمفضوحة تأليب هذه العلاقة، ومهما حاولت الدولُ التي تسعى إلى استمالة نفوذ يتجاوز جغرافيتَها الصغيرة قلبَ الموازين وتزييفَ الحقائق والوقائع التي يشهد الجميع بازدهارها بين البلدين، وآخرها مشروع نيوم والبحر الأحمر- بل على العكس سوف أتحدث هنا عن المصريين في السعودية؛ فمهما بعدت المسافة بين بلدهم ما زالوا متمسكين بابتسامتهم المعهودة، وبالروح اللطيفة ذاتها التي نشاهدها على محياهم في كل مكان.
مصر صاحبة الريادة الثقافية، وموطن الحضارات، والفن الراقي الذي أصبح سفيرًا لنا -كدول عربية- إلى العالم بأسره، وهي اليوم تتبوأ مكانة ثقافية وفكرية كانت ملهمة لنا ولكافة الشعوب العربية.
لذا فلا ننسى دور الأساتذة والمفكرين المصريين الذين رافقونا بالسعودية، وتعلمنا الكثير على أيديهم، سواء بالمدرسة أو الجامعة من خلال مراحلنا الأولى، وهذا ما جعلنا قريبين من بعضنا، وتبادلنا ثقافتهم، ونهلنا منهم الكثير، وهم أيضا تشرَّبوا من ثقافتنا الكثير، ولا ننسى أيضًا وجودهم بيننا الذي انعكس إيجابًا على كلا البلدين.
قبل أيّام كنّا بجلسة مع أصدقاء مصريين بشرم الشيخ، وكنا نتناقش حول تواجدنا السعودي الثقافي؛ كان نقاشًا طويلًا إلا أن هناك تعليقًا وقفت عنده جعلني في حالة صدمة، كان التعليق (للأسف الحضور السعودي يقتصر على الخطاب الديني فقط) فدفعني إلى الولوج في منطقة التساؤلات عن أسباب ذلك، ومِن هذا المنطلق أريد طرح سؤال يتبادر إلى ذهني في كثيرٍ مِن الأحيان للقراء.
هل ثقافتنا السعودية والخليجية بصورة عامة لها حضور في المجتمع المصري بالطريقة الصحيحة التي نطمح إليها؟
أقصد لماذا لا نرى على الشاشات المصرية ضيوفًا من السعودية من أدباء ومفكرين من خلال برامج التوك شو، التي تحصد متابعات هائلة بمصر، مع امتعاضي من بعضها الذي بات مؤدلجًا يتصيد الوقيعة ويخدم أجندات جماعة الإخوان الفارين إلى قطر؟
كنت ولا زلت أتمنى أن يكون لأدبائنا بالسعودية حضور موازٍ يحمل الكثير من الصور الذهنية والرمزية، والحديث عن هذه الجوانب الثقافية والأدبية، ولاشك في أنها مسؤولية مشتركة بين السعوديين والعرب؛ فنحن من يصنع صورتنا في نظر الآخر.
صحيح أن هناك نماذج كثيره مضيئة مشرقة ومشرفة بالخليج لا أحد يستطيع إنكارها، ولكن يجب أن نعترف بوجود نماذج سيئة، والسينما والإعلام يبحثان عن الإثارة وكذلك الأدب، لذا فهو يسلط الضوء على النماذج السيئة وهذا ما يزعج المتابع، ولا يجب أن نلومه أو نحاسبه؛ فهذا من حقه ما دامت النماذج التي يسلط الضوء عليها موجودةً بكل أسف.
ولا ننسى أيضًا ذيول الأسباب السياسية التي انتهت مع انتهاء حقبة جمال عبد الناصر، وانعكست على الإعلام والسينما والأدب، ولذا كانت هذه الأدوات تبرز السعوديَّ بالصورة التي تخدم التوجهات السياسية آنذاك، ورغم انتهاء عهد جمال عبدالناصر، فإن الصورة النمطية ما زالت هي الأبرز لوجود ما يدعمها على أرض الواقع.
ولكي أكون حياديًّا، فإن البرامج الثقافية على القنوات المصرية رغم المشاهدة العالية لها من قبلنا فإنّي أراها محصورةً في القطر المصري، فهل سوف نرى في المستقبل القريب تبادلًا ثقافيًّا تلفزيونيًّا يعكس ثقافة كلا البلدين لشعبيهما الذي من شأنه إزالة الصورة النمطية الفردية التي نراها من خلال الأفلام والمسلسلات التي رسخت مفهومًا مغايرًا للحقيقة -وإن كان موجودًا ولا أستطيع إنكاره على أرض الواقع؟ ولكننا نطمح ونعول على أن يكون الحضور الخليجي والسعودي بشكل خاص أكثر إنصافًا وحيادية على الشاشات المصرية.
والحل -في رأيي- يتطلب جهودًا إنتاجيةً بدعم سعودي خليجي لإنتاج أفلام تبرز الجانب المضيء للسعوديين والخليجيين بشكل عام في المحافل الثقافية والفكرية وغيرها... وأفلام قوية ومتقنة؛ فهي أقوى من مليون مقالة ردح إعلامية احتجاجية أو تفنيدية.
عدد الردود 0
بواسطة:
العربي
صدقت هناك قامات سعودية نفتخر بها كعرب يجب ابرازها
نعم اضم صوتى لصوتك اخى فارس الغانمى .
عدد الردود 0
بواسطة:
محمود
مقال رائع استاذ فارس
جبت المفيد استاذ فارس - ويجب ان يكون الاستاذ او المثقف او الفنان السعودى دور مصر باى طريقة فى الفن فى البرامج فى كل شىء حتى يظهر على الساحة - اكتر شعب يحب النكته والفهم والثقافة والفن الشعب السعودى لكن هذه الطاقة لم تخرج الى الحياه انا اتابع المغرديين السعودين على تويتر اذكياء فى كل حاجة - تحياتى
عدد الردود 0
بواسطة:
المهندس يحى ابوذكرى الوايلي
كلام فالصميم
شكرااختي فارس كلامك ميه ميه