محمد حبوشه

كتائب الدمار الشامل فى الصحافة المصرية!

الأحد، 26 أغسطس 2018 08:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
خدعوك فقال أن الساحة خاوية من المواهب والكفاءات الصحفية القادرة على قيادة الدفة والوصول لبر الأمان فى المؤسسات القومية الكبرى، فقط هنالك كتائب للدمار الشامل تجثم على أنفاس الصحفيين الحقيقيين فى قلب المشهد المرتبك، بفعل مجموعة من الجهلاء وعديمى الموهبة الذين يتحكمون فى مصائر طوابير الموهوبين الذين ينتمون إلى المهنة بشكل حقيقى، فقد هبوا علينا بليل أسود مثل الجراد الأحمر، ولجأوا إلى الشللية واستعانوا بمن يخاصمون المهنة والمعرفة بأبسط قواعد العمل الصحفى، وراحوا ينكلون بكل من ينتمى للكفاءة والمهنية التى تصب فى مصلحة تراب هذا الوطن، وهم فى ذلك يرسخون لمقولة بعض المغرضين بأن الدولة تريد إضعاف المؤسسات للسيطرة عليها، هكذا يهمسون الآن، ويرددون فى الدهاليز على استحياء تارة، وتارة يجاهرون فى إصرار غريب بجهلهم الذى ينم عن ضيق صدورهم، بينما الجدران العتيقة تئن بالوجع من فرط ضعفهم وعدم قدرتهم على الفرز الحقيقى.
 
لدينا فى المؤسسات القومية عشرات الموهوبين الذين يستطيعون تغيير الصورة الذهنية لمهنة القلم فى كبوتها الحالية، بعد أن فقدت رونقها وبهائها إذا منحوا فرصة حقيقية، بعيدا عن التلميع بورنيش مزيف، فقط وبنظرة موضوعية يمكننى وخلصاء للمهنية أن نعدد عشرات الأسماء من الصحفيين الذين لم تتكلس عقولهم بعد، أو تعرضوا لعطب فى ضمائرهم وعقولهم التى تفيض محبة لهذا الوطن فى لحظة مرتبكة أحدثت تشوهات كثيرة فى المشهد الراهن..
 
نعم هنالك عشرات الأسماء التى تنشد صلاح الأمة المصرية فى لحظتها المصيرية، وتدرك بحسها الفطرى وقدرتها على استيعاب فنون العصر لمصلحة الدولة ومساندة القيادة السياسية فى تحمل مسئولية التنوير على جناح المهنية التى هى المعادل الموضوعى للوطنية..
 
أعيد وأكرر أن "المهنية هى المعادل الموضوعية للوطنية" فلو امتلك هؤلاء قدرا ولو بسيطا من المهنية، أمكنهم ضرب فصول من الوطنية على جناح الكفاءة التى تكفل لهم معرفة حقائق الأمور والتعامل مع المواقف الملتبسة، بقدر من الذكاء فى التصدى للشائعات ومحاولات تقليل حجم الإنجازات التى تبذلها الدولة فى سبيل العبور من النفق المظلم.
 
لقد سجلت الفترة القليلة الماضية أكبر لحظة للفشل على مستوى الشكل والمضمون فى تاريخ مهنة عرفت على مدار السنين بانحيازها للقيمة وشرف الدفاع عن مقدرات أمة فى خطر، حتى ظن صاحب القرار أن الساحة قد خلت من نظراء لـ "هيكل وبهاء الدين وإحسان عبد القدوس وجلال الحمامصى وموسى صبري، وحتى الإبراهيمين نافع وسعدة وسمير رجب".. آخر الجيل الذهبى فى الصحافة المصرية، بعد أن تولى دفة القيادة حفنة من ضعاف النظر وأصحاب المصالح الصغيرة، هؤلاء الذين استبدلوا المهنية بنهم فى كنز أكبر قدر الفلوس، ضاربين عرض الحائط بكل القواعد والأسس التى تربينا عليها فى مؤسستنا العريقة، ببساطة هكذا لأن أرشيفهم المهنى يخلوا من أى قيمة حقيقية يمكن أن تشفع لهم، اللهم إلا ما توفر لديهم من بلادة الإحساس وغياب الضمير واللعب على أوتار النفاق الرخيص والرياء الممجوج، وهو ما تسبب فى تمتعهم - والحمد لله - بكراهية زائدة عن الحد من جانب مرءوسيهم الذين ذهبوا فى أغلب الأوقات للتشدق بالماضى، وهم يقفون على أطلال الحاضر المهين.
 
إن النار التى تستعر فى جسد صاحبة الجلالة حاليا تأتى للأسف من مستصغر الشرر، أقصد صغار المهنة ممن لم يتربوا فى كنف الكبار، وهو الذى ضرب البنية الأساسية لمهنة تضيع تارة بفعل التكنولوجيا وتارة أخرى بفعل شيطان التفاصيل الصغيرة التى تدعى زورا وبهتانا أن أبناء المهنة انقرضوا وذهبوا أدراج الرياح، فقد دأب هؤلاء الصغار على ترديد مقولة أنه ليس هناك كفاءات حقيقية تستطيع تحمل المسئولية، صحيح أن البعض يعتقد أن ما يحدث للصحافة الورقية من تراجع وانحسار ليس بمعزل عن الأزمة المالية العالمية الحالية، التى قد تكون مؤقتة وعابرة، ولكن التحدى الحقيقى المتواصل الذى تواجهه الصحافة المطبوعة فى العصر الرقمي، هو التغييرات الجذرية فى عادات القراءة وأذواق الأجيال الجديدة، التى تتوجه بقوة صوب الصحافة الإلكترونية، حيث أن الكثير من القراء الذين كانوا يواظبون على قراءة صحفهم المفضلة مع قهوة الصباح تحولوا إلى استخدام شبكة الإنترنيت لمتابعة الأخبار اليومية ومعرفة أحدث المعلومات من مصادر متعددة، وخاصة فى مواقع التواصل الاجتماعى والمنتديات.
 
إن الجيل الجديد فى عالم اليوم يريد الحصول على الأخبار بسرعة، كما يأكل فى مطاعم "الفاست فوود"، وهذا التحول فى عادات القراءة يشكل جوهر الأزمة التى تعانى منها الصحافة الورقية فى العالم كله وليس فى مصر أو العالم العربي، وهى كلها حقائق غائبة عن عقول كتائب الدمار الشامل الحالية التى تقود المؤسسات القومية.
 
ومن هنا يصبح لازما علينا مواجهة تلك الحقائق المرة بقدر من الجدية ومراعاة الدقة فى اختيار قيادات صحفية قادمة تتمتع بالكفاءة والمهنية أولا، وتتفهم طبيعة العمل فى بيئة جديدة تفرض ضرورة تطوير أدواتنا بما يتناسب مع قارئ جديد تغيرت عاداته، وزادت احتياجاته لخدمة حقيقية يمكن أن يدفع مقابلها برضى كامل فى ظل زيادة الأسعار الحالية للصحف، كما أنه لابد لنا أن نرعى حقيقة مهمة وجديدة فى نسختنا الإلكترونية الصادر عن الصحيفة الورقية، مؤداها أن معظم المتصفحين من الفئة الشبابية لا يهتمون كثيرا بالمقالات الجادة والتقارير المطولة ولا بتفاصيل الأخبار، بل يلقون نظرة عابرة على العناوين فى الصفحة الأولى، وهذه حقيقة أدركها شابإنجليزى فى السابعة عشرة من العمر يدعى "نك دى اليوزي"، حيث وضع برنامجا لتلخيص الأخبار وتحول إلى مليونير فى فترة وجيزة، وهذا التطبيق الجديد يقوم بتحليل الخبر ومن ثم تحويله إلى نص مكون من 400 حرف، بحيث يحصل المستخدم على الخلاصة المفيدة من الخبر، وحسب قناة "بى بى سي" يشير "نك" إلى أنه وجد أن قراءة التقارير الإخبارية المطولة على شاشة الهاتف الذكى الصغيرة أمر غير مريح، من هنا قام ببرمجة هذ التطبيق.
إذن نحن فى ورطة حقيقية، وهو الأمر الذى دفع أحد أبرز المدافعين عن الصحافة الورقية فى العالم العربى وهو الصحفى المعروف "عبد الرحمن الراشد" لكتابة مقال بجريدة الشرق الأوسط يقول فيه: "هل سيصبح مصير الصحف الورقية مثل مصير الحمير والبغال والخيول فى زمن ظهور السيارة؟ هل فعلا حان موعد تفكيك المؤسسات الصحافية والانتقال إلى الوسيلة الجديدة، المواقع الإلكترونية؟.
 
يضيف الراشد: رغم احتفاء الزميلات من المواقع الإلكترونية بأنباء وفيات الصحف المنتشرة فى أنحاء العالم، كما لو أن وباء قد أصابها، فإنها قراءة خاطئة فى نظرى، وستثبت الأيام أن الصحف الورقية باقية لكن بلا ورق، وهنا يقع خلط، وربما تدليس متعمد، بإضافة كلمة الورقية إلى الصحف، فالصحيفة شكلا ورقية لكنها فى واقع الأمر محتوى، أى الأخبار والآراء، أى المنتج المكتوب سواء كان على ورق أو جدران، كما كان يفعل الصينيون فى الماضي، حيث تعلق ورقة على لوح فى الحى ليصطف الناس فى طابور لقراءتها بسبب نقص الورق وكثافة السكان، أومثل الصحيفة اليوم من خلال الصفحات الإلكترونية، ويخلص الراشد إلى أنه "لن تموت الصحافة"، وتلك حقيقة مؤكدة شريطة أن تحتوى الصحافة على مضمون جيد مصحوب بتطور يراعى عادات القراء الجدد، وتكون جرس إنذار للحكام والمحكومين، أو بتعبير أكثر دقة بمثابة تعبير شفاف عن هموم المواطن ولسان حاله أمام تلقبات الحكومة والزمن والتاريخ.
 
وأغلب الظن إنه إذا لم يحدث ذلك التطورفإن الصحافة القومية فى مصر سوف تلجأ إلى وسائل تقشفية لجأت لها العديد من الصحف العالمية ذائعة الصيت، بعد تقليص أرقام توزيعها وإلغاء آلاف الوظائف، وتسريح عدد كبير من العاملين فيها، بينها صحف واسعة الانتشار مثل "شيكاغو تربيون - بوسـطن غلوب - أنجلوس تايمز "، وحتى المجلة الأوسع أنتشاراً فى العالم وهى مجلة " تايم " الأميركية الشهيرة، وثمة صحف أخرى تحولت إلى صحف رقمية، مثل "كريستيان ساينس مونيتور" التى ألغت طبعتها الورقية منذ العام 2008 واكتفت بنسخة رقمية على موقعها على شبكة الأنترنيت، وفى هذا الصدد يتبنى خبراء الإعلام رؤية متشائمة لمستقبل الصحف والمجلات المطبوعة، فيرى عملاق الصحافة "روبرت مردوخ" أن الصحافة الورقية سوف تختفى بحلول عام 2020.
 
ويقول مؤلف كتاب "النهاية الحتمية للإعلام الورقى "فيليب ماييرز" أن آخر مطبوع ورقى سيصدر فى عام 2043، كما تشير الدراسات الخاصة بمستقبل الصحافة الورقية إلى أن الصحافيين أنفسهم يعتقدون أن أنها ستكون أقل أهمية فى الحياة العامة فى السنوات القادمة، ولكننا نعتقد أن تزايد قوة وفاعلية الصحافة الإلكترونية، لا يعنى بأى حال من الأحوال انقراض الصحافة الورقية المطبوعة فى المستقبل المنظور، فما يحدث غالبا أن الوسائط الأكثر الحداثة لا تؤدى بالضرورة إلى انقراض الوسائل القديمة، فالصحافة الرقمية لا تلغى دور الصحافة الورقية وأنهما يمكن أن يتعايشا مع بعضهما البعض، خاصة وان لكل منهما قارئه الخاص به ومصدره فى استقاء الأخبار، لكن لايتم ذلك إلا بالتخلص من تلك الكتائب التى خصصت جل وقتها وجهدها فى الدمار الشامل، وهى غارقة فى عبادة الجهل والتخلف وتصدير صورة سلبية لصاحب القرار طوال الوقت بانعدام الكفاءة والموهبة التى لايلامسون أطرافها هم أنفسهم بالأساس.
 
أخيرا وليس آخر: يا سيادة الرئيس ليس الوضع هكذا كما يصدر إليكم بغث الكلمات وقبح اللغة وغياب البلاغة فى كتابات لاترقى إلى المستوى المطلوب الذى نشاهده يوميا من خلال تسويد صفحات تعانى فقرا فى الفكر والإبداع، ولى عنق الحقيقة الواضحة وضوح الشمس وسط نهار مفعم بالحيوية، لو أمعنا النظر قليلا، وهو أمر بالمناسبة لا يحتاج لمجهر بقدر ما يحتاج إلى لحظة صدق ونوارنية تستطيع كشف زيف الواقع المر الذى فرضته كتائب الدمار، وتبقى مسألة جوهرية فى غاية الأهمية لا يمكن تجاهلها أو التقليل من شأنها بأى حال من الأحوال، وهىأن الصحافة الإلكترونية تفتقر إلى الديمومة التى تتصف بها المطبوعات الورقية، وان معظم مانعرفه عن ماضى البشرية مدون بطرق مختلفة على الأشياء المادية"الأختام الاسطوانية، وأوراق البردى والأحجار والجلود، ومن ثم الورق"، ولولا هذا التدوين لضاع تأريخ البشرية، ولم يكن بوسع العلماء تفكيك طلاسم اللغات القديمة المندثرة، والأسوأ من ذلك أن التراث الرقمى -إن صح التعبير - يمكن تغييره أو تحريفه بسهولة، خلافا للآثار المادية للتأريخ، وثمة إمكانية للوقوف على أى تغيير أو تحوير أو تشويه فى الآثار المكتوبة ومنها المطبوعة، أما فى النصوص الإلكترونية فلا يمكن اكتشاف ذلك أبدا.
 
الصحافة الورقية يا سيادة الرئيس عصية على الموت، ولا يزال هناك عدد كبير من الناس ومن ضمنهم أصحاب ألمع العقول البشرية وخيرة المثقفين، الذين تربطهم علاقة عاطفية بالورقة والقلم ولا يمكنهم الاستغناء عن الصحافة المطبوعة والنشر الورقى طيلة حياتهم، إضافة إلى مئات الملايين من القراء الذين لم يكتشفوا بعد العالم الرقمى ولا يتعاملون إلا مع الورق، لكن كل ذلك رهن إشارة من سيادتكم بتدقيق الاختيار لعناصر تتمتع بالكفاءة والمهنية، وهذا كفيل بحماية الأوطان من شرور من يتربصون بنا ليل نهار ولا نقوى على مواجهتهم جراء ضعف الحيلة وانعدام الكفاءة فى كثير من المواقع الحيوية وعلى رأسها الصحافة الورقية.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة