أحمد المالكى

البناء الذى نريده

الأحد، 26 أغسطس 2018 03:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

- إذا كنا نطمح إلى الصعود والتقدم بين الأمم فإنه لا يوجد مكان بيننا لخامل أو متكاسل

 
كثير من الناس يعيش على أمل أن يأتى من يغيّره، وينقله من حال إلى حال، ويعيش منتظرًا على هذا الأمل، ولا يحاول أن يقوم بتغيير حاله وأن يكون لبنة فى بناء أمته، فضلاً عن أن يكون لبنة قوية فى بناء ذاته.
 
وكل يوم يمر دون أن يُحدثَ الإنسان نقلة نوعية تُذكر فى ذاته، وفى من حوله، سيندم ولاشك ندما شديدا حينما يتقدم غيره ويبقى هو على حاله.
 
والناظر فى القرآن الكريم يجد فيه أن تغيير الذات هو الأساس، وأن تغيير السلوك والمواقف يؤدى، ولا شك، إلى حالة إيجابية فى النفس والناس، حتى فى أحوال الطبيعة، نلمس هذا فى قوله تعالى «فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا» «نوح: 10-12».
 
وفى قول الله تعالى «إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ» «الرعد: 11» دلالة واضحة على أن الناس إذا غيّرت من مشاعرها وأعمالها وواقع حياتها، فإن ذلك سبب لتغيير الله ما بهم، وفق ما صارت إليه نفوسهم وأعمالهم.
 
والبناء الذى نريده هو الذى يحدث أثرا إيجابيا فى حياة الفرد وحياة المجتمع، البناء الذى جعله الله مهمّة الناس وواجبهم.
ونلحظ فى الآية قول الله تعالى: «حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ»، والمراد بذلك: تغيير الأفكار، والمفاهيم، والظنون، فى مجالى الشعور واللاشعور.
 
وبناء الذات يبدأ أولًا من داخل النفس، من الشعور الداخلى للإنسان الذى يحفزه نحو الأفضل، فيقوم بما أراده الله منه، وهو إعمار الأرض «هُوَ أَنْشَأكم مِنَ الأَرْضِ واسْتَعمَركُم فيها»، وذلك يكون من خلال البناء الفكرى والعلمى والثقافى، وذلك عبر وزارات ومؤسسات علمية وتعليمية قوية، وبمفهوم عالمى ومتحضر، من أجل بناء مستقبل أفضل، من أجل بناء دولة قوية قادرة على مواجهة التحديات، فى ظل عصرٍ لا يؤمن إلا بالقوة، سواء اقتصادية أم عسكرية أم علمية، من أجل تنمية مقوماتنا، وتنمية مهاراتنا، لا بد أن نؤمن بأنه بدون تعليم جيد لن نصبح من هؤلاء الأقوياء، والعلم يقى شبهات الطريق وغوائله، ويعلم به الإنسان السنن.
 
فأول الطريق بناء الذات،  قيل لابن عباس، رضى الله عنه: بمَ بلغتَ العلم؟ قال: «بلسان سَؤُول، وقلب عَقول».
ولما توفى النبى، صلى الله عليه وسلم، قال ابن عباس لرجل من الأنصار: هلمَّ نسأل أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فإنهم اليوم كثير، فقال: واعجبًا لك يا ابن عباس! أترى الناس يحتاجون إليك، وفى الناس من أصحاب النبى، عليه الصلاة والسلام، مَن ترى؟! فترَك ذلك، فأقبل ابن عباس على العلم، حتى اجتمعَ حوله الناس فيما بعد، فرآه ذلك الرجل، فقال: هذا الفتى أعقلُ منِّى!
 
هذا الموقف من ابن عباس يصلح لأن يكون منهجًا يلتزمه مَن أراد بناء ذاته بناء إيجابيا، لأنه يحمل أبرز عاملين مهمين فى تحقيق الهدف، وهما: تحديد هدف الحياة، وضرورة الوصول إليه مهما كانت المعوقات، وبهذا أصبح ابن عباس إمام الدنيا.
 
وديننا «فردى المنطلق، اجتماعى الأثر»، أى أنه يُعنَى ببناء الإنسان، لأن الإنسان هو من سيبنى المجتمع فيما بعد، ويمكن الحكم على المجتمع بالنتيجة التى وصل إليها عبر أبنائه.
 
فإذا كان الفرد قد تم تأسيسه على أساس صحيح من حيث العلم والأخلاق، وتعريفه بأهمية الدور المنتظر منه أن يقوم به فى المجتمع، فإنه سيضع أمامه هدفا ويحدد الطرق والوسائل التى ستعينه وتؤهله للوصول إليه، ويبدأ فى اتخاذ الخطوات اللازمة فى هذا الاتجاه. 
 
وبمثل هذا الإنسان الماضى فى الحياة متسلحًا بالعلم والأخلاق، حاملًا على عاتقه مسؤولية النهوض بمجتمعه، أقول بمثل هذا تـُبنى الأوطان وتتقدم.
وبهذا يكون الإنسان قد بنى ذاته، وساهم فى بناء مجتمعه ويصدق عليه قول أمير الشعراء:
«وكن رجلًا إن أتوا بعده .. يقولون مر وهذا الأثر»
 
فالعاقل هو الذى يرسم لنفسه أهدافا واضحة فى حياته، ويبدأ فى السعى لتحقيقها، مع قدرته على قَبُول الأفكار الجديدة، وتغيير الوسائل، ثم الاجتهاد فى توريث الفكرة أوالمشروع إلى الآخرين.
 
وإذا كنّا نطمح إلى الصعود والتقدم بين الأمم، فإنه لا يوجد مكان بيننا لخامل أو متكاسل، فمثل هذا يكون عقبة فى طريق الوصول للهدف وعالة على المجتمع وأفراده «وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِى هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ».. لا شكّ.. أنهما لا يستويان.
 
ليس من الصعب أن تبنى ذاتك بناء حقيقيا يليق بك كإنسان، فهو بناء سهل عند أُولى العزْم، وصعب وشاق عند أُولى الكسل والأمانى.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة