من أغرب القصص خلف تأليف الأغانى، هى قصة ولادة أغنية "إلى عرفات الله"، فإنه لما عزم الخديوى عباس حلمى الثانى، على أداء فريضة الحج فى شتاء سنة 1909، قرر أن يصطحب معه صديقه الشاعر أحمد شوقى، ولكن الشاعر كان لا يرغب فى أداء هذه الفريضة المقدسة ولم يستطع أن يصرح للخديوى بذلك.
موكب الخديوى عباس حلمى الثانى فى الطريق للحج
فتظاهر بالموافقة وركب القطار مع أفراد الحاشية حتى إذا وصل الركبُ العالى إلى "بنها"، غادر شوقى القطار خفية وتهرب من بين الحاضرين دون أن يشعر به أحد وذهب إلى منزل أحد أصدقائه فى بنها وقضى فيه مدة من الزمن ثم رجع إلى القاهرة، وفى تلك الفترة بحث الخديوى وأفراد حاشيته عن الشاعر الكبير، ولكن دون جدوى.
ولما عاد الخديوى من الحجاز وسأل "شوقى" عن سر اختفائه، أجاب "كل شئ إلا ركوب الجمال يا أفندينا"، وهى بالطبع حُجّة واهيةٌ، ومهما بلغ شوقى من الترف فلن يبلغ ما بلغه الخديوى عباس، وهو الذى استقلّ ظهور الجمال، بل إن والدة الخديوى "أم المساكين" قد استقلّت ظهور الجمال وقطعت الصحراء، فما عذر شوقى؟.
أمير الشعراء أحمد شوقى
وليتجاوز شوقى الموقف، بعث أمير الشعراء للخديوى عباس، بقصيدة يمدحه فيها ويعتذر عن تخلّفه عن الحج، وهى قصيدة "إلى عرفات الله"، وقد وقعت هذه القصيدة فى يد أم كلثوم لاحقًا، وأُعجبت بعاطفتها الدينية كثيرًا، وقررت غنائها، وبعد أن انتقتْ منها 22 بيتًا، عدلت فيها بعض الأبيات التى يغلب فيها الحس الوطنى على الحس الدينى.
ولحن تلك القصيدةَ الموسيقار رياض السنباطى، وغنتها أم كلثوم عام 1951، فكانت الأغنية -حسب النقّاد - أجمل أغنية عربية كلاسيكية قيلت بمناسبة الحج، وكان هذا العمل الفنى العظيم للحج نتاج تهرب شوقى من أداء المناسك، وكان من بين ما عدلت أم كلثوم على القصيدة الأبيات التالية:
إلى عرفات الله يابن محمدٍ .. عليك سلام الله فى عرفات
فأصبح البيت: إلى عرفات الله يا خير زائر عليك سلام الله فى عرفات.
والتغيير الثانى فى هذا البيت: أرى الناس أصنافاً ومن كل بقعةٍ
فأصبح: أرى الناس أفواجاً.
والتغيير الثالث: إذا زرتَ يا مولاى قبر محمدٍ
فأصبح: إذا زرتَ بعد البيتِ قبرَ محمدٍ.
والتغيير الرابع: وفاضتْ مع الدمعٍ العيونُ مهابةً
فأصبح: وفاضتْ من الدمعٍ العيونُ مهابةً.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة