سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 17 أغسطس 2006.. وفاة أحمد مستجير.. عالم الهندسة الوراثية والشاعر الذى سخّر علمه للفقراء

الجمعة، 17 أغسطس 2018 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 17 أغسطس 2006.. وفاة أحمد مستجير.. عالم الهندسة الوراثية والشاعر الذى سخّر علمه للفقراء الدكتور أحمد مستجير

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كان الدكتور أحمد مستجير يتابع العدوان الإسرائيلى ضد لبنان وهو فى العاصمة النمساوية فيينا، بلد زوجته، وبكى حين شاهد جثث الأطفال اللبنانيين، وقال لابنه طارق: «دول فى عمر أحفادى»، ثم انفجرت شرايين مخه، ونقلوه إلى المستشفى، وظل تحت أجهزة التنفس الصناعى حتى رحل يوم 17 أغسطس «مثل هذا اليوم» عام 2006، حسبما يؤكد الدكتور خالد منتصر فى مقاله «د. أحمد مستجير.. عالم احترف الدهشة».
 
كانت وفاته ختامًا لرحلة عالم فذ، ومثقف لامع، وشاعر، حين قرأ بعد تخرجه فى الجامعة بشهرين أمام صلاح عبد الصبور قصيدة كتبها بعنوان «غدًا نلتقى»، قال صلاح: «كاتب هذه القصيدة شاعر»، وقال عن نفسه: «سحرنى العلم، سحرتنى الفلسفة، وكان الشعر أيضًا يسحرنى كثيرًا كثيرًا.. أحببت العلم والشعر حبًا حقيقيًا، بل عشقتهما عشقًا، كلاهما يخاطب أعماق الإنسان الذى كنته وأكونه»، وقال عنه خالد منتصر: «حارب الخرافة، وانتصر للفقراء، وكتب الشعر، وجعل الهندسة الوراثية فى خدمة البسطاء»، أما الدكتور رؤوف حامد، المثقف اللامع وأستاذ علم الأدوية، فيراه «صاحب أجمل أداء وطنى لعالم مصرى فى الأربعين عامًا الأخيرة - تحسب من تاريخ وفاته - إذ كانت اهتماماته البحثية تنطلق من حل مشكلات محلية، مثل محاولته زرع الأرز بالاعتماد على مياه مالحة.. كان صارمًا فى محاربة أدعياء العلم ومستغليه فى التسلق إلى المراكز البيروقراطية».
الدكتور أحمد مستجير
الدكتور أحمد مستجير
 
ولد فى أول ديسمبر 1934 بقرية «الصلاحات»، دكرنس، محافظة الدقهلية، وكانت دموعه شاهدة على انتقاله من مرحلة إنسانية وعلمية إلى أخرى، ويعددها فى مقاله «مرفأ الذاكرة»: «طفلًا كنت فى العاشرة، كنت فى السنة الرابعة الابتدائية بمدرسة المطرية دقهلية، كان مدرس اللغة الإنجليزية هو شفيق أفندى، سأل المدرس صديقى يوسف شطا سؤالًا، لم يستطع الإجابة، زجره وقال: روح موت، مضت أيام ثلاثة ولم يظهر يوسف، فى اليوم الرابع وصلنا خبر موته، بكيت وبكيت، هذا ظلم، هذا ظلم، شفيق أفندى قتله، وفى الفسحة كتبت خطابًا إلى رئيس الوزراء أحمد ماهر باشا».
 
فى عام 1954 تم تعيينه فى الإصلاح الزراعى بعزبة «الفؤادية» قرب قريته «الصلاحات»، وأشرف على عزبة «الربعمية»: «بعد أيام كنت هناك، كان الأطفال يجمعون القطن، أحب أطفال الريف كثيرًا كثيرًا، كنت منهم، وجدت طفلًا فيه وجه مصر، حبيبتى مصر، بهجة عامرة، وحزن خفى وعميق، سألته عن اسمه أحمد، ثم محمود، ثم إبراهيم، أحمد محمود إبراهيم، اسم أعز أصدقائى، ربت على رأسه باسمًا، أعطيته قرشين، قطعة فضية واحدة صغيرة.. بعد أيام وصل مفتش من القاهرة، قصير سمين الوجه، سألنى: سمعت أنك منحت طفلًا قرشين، هل هذا صحيح؟، نعم.. كيف؟، كان له اسم أعز أصدقائى، وكان له وجه برىء وجميل.. انتبه إلىّ وقال: هذا لا يصح، لا يجوز أن تعامل الفلاحين هكذا، لابد أن يخشاك الناس هنا حتى تحفظ هيبتك، لا يجوز أن يحسوا أن لك قلبًا رحيمًا.. حتى لو كان كذلك، لا أحب أن أسمع أنك كررتها ثانية.. لا أذكر ما دار فى ذهنى يومئذ، ضجيج.. ضجيج.. صراعات.. يا أيتها الشمس الغاربة لماذا تكون الحياة هكذا؟ يستكثرون أن يحظى منا فلاح ببسمة، أو بكلمة حلوة، يكرهون أن يربت إنسان على كتف إنسان.. يستعبدون الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا.. يريدون أن يقتلوا فينا الطيبة وحب الناس..من نحن سوى الآخرين؟ من دونهم لسنا بشرًا.. لايصح أن نكون.. أمن أجل خمسة عشر جنيهًا أحتاج إليها يقتلون فى الإنسان؟.. هذا ظلم..هذا ظلم.. نسيت العلم والشعر، وتذكرت أننى قبل كل شىء إنسان.. يحب الإنسان.. الإنسانية قبل العلم وقبل الشعر.. لا ولم تدمع عينى».
 
فى 14 نوفمبر 1963 حصل على الدكتوراة من جامعة أدنبرة ببريطانيا بإشراف أستاذه ألان روبرتسون، وكانت بمنحة من المركز القومى للبحوث فى أواخر سبتمبر 1960، ولما عاد إلى القاهرة كان يتلقى كل عام من «ألان» بطاقة تهنئة بالكريسماس، حتى انقطع عن هذه العادة، وعلم أنه مات، فسافر هو وزجته إلى أدنبرة، وقابلا زوجة «ألان»: «حكت لى كيف مات زوجها فى مؤتمر بباريس، كانت محاضرة الافتتاح له، وقف يلقى محاضرته، وفجأة صمت، ثم سأل: ما هذا؟ من أنتم؟ أين أنا؟.. أسرعت زوجته إليه واصطحبته إلى الخارج.. كان الرجل مصابًا بمرض الزهايمر.. هذا مرض وراثى.. كان الوراثى العظيم مصابًا بمرض وراثى خطير لا يظهر عادة إلا فى الشيخوخة.. تمضى زوجته تحكى وتبكى: تصور هذا الرجل الذكى العبقرى الذى تعرفه وقد أصبح طفلًا، لم يعد يعرف أبناءه.. غلبها البكاء وصمتت.. دمعت عينى.. كم أنت قاس أيها الموت.. كم أنت قاس أيها الموت.. قالها فاروق شوشة ومن يومها بدأ اهتمامى الجاد بالأمراض الوراثية للإنسان».
 
جاء اهتمام «مستجير» بالأمراض الوراثية فى عز توهجه العلمى الذى حصل به على نحو 10 جوائز، أبرزها «جائزة مبارك فى العلوم والتكنولوجيا المتقدمة» عام 2001، وفى رحلته قدّم نحو 21 كتابًا ما بين تأليف وترجمة فى العلوم والفلسفة والثقافة العلمية، وديوانَى شعر، وكتابين هما «فى بحور الشعر.. الأدلة الرقمية»، و«مدخل رياضى إلى عروض الشعر العربى»، وترجمتين فى الأدب هما «ثلاثة رجال فى قارب»، و«أفكار تافهة لرجل كسول».






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة