تحولت زغاريد الفرحة بالولادة لنظرات شفقه، حين وضعت ناهد ابنتها الأولى جومانة التى ولدت بكرمشة فى الجلد وبعد أيام بدأ الجلد يتساقط مع نزيف بالجلد، وبدء ينتشر بجسد الرضيعة بظهرها وبطنها والأطراف وتأكل اللحم وصولا للعظام، ومن هنا بدأت الأم رحلة البحث عن علاج بكافة المستشفيات المتخصصة فى الأمراض الجلدية انتهت بالحياة هى وابنتها بعيدا عن كل الناس وطلقها الزوج، ونهرها الجميع حتى تبناهم لواء متقاعد كفاهم ذل الفقر والمرض، ووفر لهم سبل الحياة الآمنة وتوفير علاج مؤقت للمرض المجهول، لكن سرعان ما تبددت الراحة ومات كفيلهم وعاودت الكره دون نتيجة دون عمل وروشتة شهرية تتجاوز الـ4 آلاف جنيه، مع معاش أرامل ومعاقين بقيمة 600 جنيه.
رحلة طويلة تحكيها ناهد إبراهيم 38 سنة والدة جومانة محمد حلمى أحمد، منذ أن كان عمرها يوما واحدا حتى وصلت الآن إلى 11 عاما قائلة: " جومانة ولدت بكرمشة فى الجلد تحول بعد ذلك إلى فقاقيع وجروح فى جسمها، وذهبت بها إلى مستشفى الحوض المرصود، وعرضتها على أكثر من 15 طبيب جلدية، وجميع الأطباء كانوا يجهلون السبب فيما يحدث لجومانة، وعندما كانت تصاب بانسداد فى المريء كنت أذهب بها إلى مستشفى أبو الريش فكل ست شهور يتقفل مرة، ثم ساءت الحالة وأصبح يغلق كل شهرين ثم كل شهر ثم كل 3 أيام وكنا لا نعرف السبب أيه".
واستطردت أم جومانة قائلة:" حتى قال لنا طبيب متخصص أن مرض جومانة هو خلل جينى أدى إلى تحلل جلدى، ووصفولى القصر العينى، وكان هناك طبيب يسمى محمد على الداروتى، وهو الطبيب الوحيد الذى بدأ علاجه يأتى بنتائج عند جومانة، وأمر بحجزها بقسم الجلدية لمدة 20 يوما متواصلة، لكن خرجنا وكلما مرضت أذهب بها لأكثر من 4 مرات ولم أجد سرير خالى فى قسم الأطفال".
وتابعت أم جومانة حديثها: "الدكتور الداروتى، هو الوحيد الذى يعرف حالة جومانة، وكنا نتابع معه بعيادته الخاصة، وهناك وجدنا أكثر من 50 حالة مصابة بنفس المرض لكن أماكن التحلل للجلد مختلفة فهناك من يهاجمه المرض فى وجهة أو رأسه أو أعضاءه التناسلية أو الظهر، كما أن العلاج يتغير كل كام سنة علاج".
وتروى أم جومانة قصة قائمة العلاج الطويلة التى تتجاوز قيمتها شهريا أكثر من 4 آلاف جنيه، بينهم حقنة ثمنها 3 آلاف جنيه، وتضم أنواع عديدة من المراهم وشاش وفزلين وشاش عادى وقطن برمجنات، وحقن ومضات وأغلبها من علاج سرطانات الدم فهى تحتاج حقن نيبوجين 3000 جنيه لزيادة كرات الدم البيضاء، مضيفة: "وحين ذهبت لطلب العلاج على نفقة الدولة قالوا لى أن هذا المرض مزمن وليس فى قائمة العلاج على نفقة الدولة ضمن الأمراض المزمنة".
ومن خبرة المرض ومرافقته لأكثر من 11 عاما قالت ناهد والدة جومانة، إن المرض له أعراض جانبية وملازم له الأمساك، ويحتاج أكل معين وأعشاب، ويؤثر على إنزيمات الكبد والكلية ويسبب غلق فى المرىء، وتساقط فى الشعر بسبب الأنيميا، وارتفاع فى الحرارة من 40 إلى 50 درجة.
وبالتوازى مع ما ترويه أم جومانة عن تفاصيل المرض ورحلة علاجه، عز عليها ما تعانيه من إهانة ومعاملة سيئة داخل المستشفيات، وإصرارها على إنقاذ ابنتها الأولى والوحيدة والأخيرة، متابعة: "فمن أجلها تحملت الكثير من مضايقات ومساومات فى كثير من الجمعيات الخيرية حين تذهب طلبا للمساعدة، فهى مطلقة وصغيره فى السن وتتمتع بجزء كبير من الجمال".
وتروى أم جومانة ودموعها تنهمر على وجهها: "تركنا فى الشارع وعمرها 4 أعوام هربا من مصاريف العلاج، حتى عرف حالتنا رجل بر كانت زوجته مريضة سرطان وأحس بنا وتولنا برعايته واخذ لنا شقة فى العبور بالحى الثانى، بعد ما كنا عايشين فى غرفه متر فى متر فى فيصل وساعدنا فى مواصلة العلاج وحدوث تقدم فى حالتها، لكن منذ 4 سنوات مات من كان يكفلنا وتحولت حياتنا بعدها لجحيم، شوفت ناس أشكال وألوان محدش حاسس بينا إلا العيان اللى زيها، حيث كانت ترفضها المدارس الحكومية، حتى تواصلت مع صاحب أحد المدارس الخاصة وذو إعاقة وهو ما أدرك معاناة جومانة وسجلها بالمدرسة لاستكمال تعليمها".
لكن طبيعة جومانة وحركتها الزائدة، وعدم اعترافها بمرضها، أو ضرورة ابتعادها عن الناس يجعل كل ثانية بمشكلة، سواء مشكلة مرضية أو مشكلة مع الجيران، فهى تصر على اللعب والحركة والذهاب للمدرسة رغم صغر سنها إلا أنها تقرر يوميا أن تتعلم شىء جديد عن مرضها، وحاليا تعانى من مشكلة فى أسنانها وتحتاج لفتح غرفة عمليات لأنها ولدت بأسنان ضعيفة، مضيفة: "وأنا لا املك إلا معاش المطلقات ومعاش المعاقين 620 جنيها".
وهنا تدخلت جومانة فى الحديث، فهى بالفعل طفلة ذكية ولماحة ولديها حضور وقبول بوجهها الطفولى المبتسم، فأنت حين تحدثها ستعرف أن مرضها منحها من القوة والخبرة ما يفوق عمرها، وقالت بثغرها المتبسم دوما: "أنا أصلا فنانة والفنان مينفعش يسيب نفسه يتهزم من مرض جبان، أنا دخلت على النت وعرفت أن فيه علاج لمرضى بالأعشاب، وتتواصل مع الحالات المشابهة لحالتها عبر الإنترنت والعيادات التى تتردد عليها، بالتوازى مع الوقت الـ 90% من الناس مش عايزين يتعاملوا مع البنت".
جومانة طفلة متطلعة، تحب الحياة ومتمسكة بالدراسة مثلها مثل أقرانها، وتطلب دوما من أمها قائلة: "شلينى ووادينى المدرسة وبروح لأنسى المرض هناك"، وتصف الأم قائلة: "المجتمع رافض التعامل معاها وهى عايزة تعيش وسطهم".
واستكملت الأم حديثها: "أنا وأبنتى عايشين بحس بعض ومش عايزة فلوس، لكن عايزة جهة مسئولة توفرى علاجى فى حته واحدة، مرض بنتى خلل جلدى فقاعى عميق، لا يوجد مكان متخصص فى علاجه، أو علاج على نفقة الدولة لأن مرض بنتى لا يسمح لى بالانتظام فى أى عمل حيث أن جلدها يتساقط وله رائحة كريهة وعلى دوما الاهتمام بنظافتها وعدم تعريضها للخطر بالخروج أو اللعب بمفردها".
أما جومانة تلك الطفلة التى يفتح لك قلبك بمجرد النظر إليها فكل حلمها أن ترتدى "جيبة قصيرة" وأنها حين تذهب للملاهى وتركب الدودة لا تنزل وثيابها ملطخة بالدماء لأن جلدها سقط"، كما أن أحلام الطفلة لم تتوقف عند حد ارتداء الجيب أو اللعب وإنما هامت بخيالها لتسريح شعرها وأن تصنعه لها امها ديل حصان مثل كل البنات، وأن تصبح طبيبة أطفال لتساعد كل الأطفال المرضى وخاصة ممن يعانون من مرضها.
.jpeg)
.jpeg)
.jpeg)
.jpeg)
.jpeg)
.jpeg)
.jpeg)
.jpeg)
.jpeg)