أحمد المالكى

الإجازة واغتنام الوقت

الأحد، 08 يوليو 2018 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
 إضاعة الوقت أشد من الموت.. لأن إضاعة الوقت انقطاع عن الحق والموت انقطاع عن الخلق
 
يوجد مثل إنجليزى: «He that has time has life»
بمعنى: الذى لديه وقت لديه حياة.
 
والسؤال الذى يطرح نفسه الآن: ماذا بعد أن بدأت العطلة الصيفية للطلاب والطالبات؟
هل يوجد هدفٌ أمامهم يسعون إليه، فيبدأون فى استغلال الإجازة الصيفية، لإصقال فكرهم بالمهارات اللازمة والتعلم النافع حتى يبنى كل إنسان نفسه بناء حقيقيا يسعى من خلاله للوصول إلى هدفه.
 
ولن يتم ذلك إلا من خلال إدارة وقته إدارة صحيحة، وقد تناول ذلك علماء الاجتماع وعلماء الإدارة من خلال كتاباتهم وأبحاثهم، والقارئ فى حركات الأفراد الناجحين وكذلك المؤسسات الناجحة والمتقدمة، نجد أنهم يهتمون بدراسات تخصيص الوقت أو موازنة الوقت، وكيفية توزيعه على الأنشطة المختلفة التى يمارسها الأفراد، فالوقت ثروة قومية، وأسلوب استغلال الأفراد له يؤثر على الجوانب الاقتصادية والسياسية، والاجتماعيَّة والثقافية للمجتمع.
 
وتشير بعض الإحصائيات إلى أن الإنسان عندما يبلغ العشرين من العمر يكون قد تعرض لما لا يقل عن عشرين ألف ساعة بث تليفزيونى، وقد لا يعنى هذا العدد من الساعات شيئًا، إلا إذا علمنا أن عدد الساعات التى يحتاجها الدارس لنيل درجة البكالوريوس أو الليسانس هى فى حدود 5000 ساعة على الأكثر، وإن عدد ساعات مثلهم «5000» ساعة من الدراسة تكفى لتحقيق أعظم الأحلام فى الحصول على شهادات وتعلم لغات، بل ودراسة الكثير مما كتب فى العلوم والآداب.
 
وبتقدير بسيط ندرك مدى أهمية اللحظة فى عمر الإنسان، فلو أن إنسانًا بدأ يخصص ساعة يوميا للقراءة، فإنه يستطيع أن يقرأ الكثير ويدرك من المعارف والعلوم الشىء الكثير، فإنه فى ساعة واحدة يستطيع أن يقرأ ما لا يقل عن 25 صفحة، أى أنه يقرأ فى الأسبوع 175 صفحة، وفى الشهر معدل 700 صفحة، وفى العام ما لا يقل عن 8000 صفحة، ولو قدرنا أن الكتاب الكبير الذى نسميه «مجلدة» 500 صفحة تقريبًا، فإن القارئ بذلك التقدير يكون قد قرأ ما يعادل 16 كتابًا «مجلّدة»، ولو استمر الإنسان على ذلك مدة خمس سنين، فإنه يكون قد قرأ ما يعادل 80 كتابًا «مجلدة»، فكم من المعارف والعلوم والثقافة التى يكون قد اكتسبها الإنسان فى بناء نفسه وبناء مجتمعه من خلال ساعة قراءة فقط يوميا.
 
لذلك فإن نعمة الوقت من أعظم نعم الله على الإنسان، التى يسأله عنها يوم القيامة، فعن معاذ بن جبل- رضى الله عنه: أنَّ رَسُولَ الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة، حتى يُسأل عن أربع خصال: عن عمره: فيمَ أفناه؟ وعن شبابه: فيم أبلاه؟ وعن مالِه: من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعَنْ عِلْمِه: ماذا عمل فيه؟». أخرجه التِّرمذى.
 
ولذلك كان الصحابة والسابقون يدركون أهمية الوقت فى حياتهم وحياة تقدم الأمة، قال الحسن البصرى- رحمه الله- عن حال السّلف: «أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد حرصاً منكم على دراهمكم ودنانيركم».
 
ويقول ابن مسعود رضى الله عنه: «ما ندمت على شىء ندمى على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلى، ولم يزدد فيه عملى».
وإن تأخر الأفراد والمجتمعات يكون بسبب تضييع أوقاتهم، فقد قيل لأحد الملوك يومًا وقد زال عنه ملكه: ما الذى سلبك ملكك؟ فردّ قائلاً: تأخيرى عمل اليوم إلى الغد.
وتلك حكمة كنا نراها ونحن صغار على الكراسات: «لا تؤجِّل عمل اليوم إلى الغد».
فالأوقات أغلى من أن تنفق فى أحاديث فارغة، أو أعمال لا تنفع، والجميع محتم عليهم أن يبنوا أنفسهم، حتى يستطيعوا أن يبنوا الوطن، وكما قيل: الأيام ثلاثة: الأمسُ قد مضى بما فيه، وغدًا لَعَلكَ تُدركه، وإنَّما هو يومكَ هذا، فاجتهد فيه.
 
قال يحيى بن معاذ: «إضاعةُ الوقت أشدُّ منَ الموت، لأنَّ إضاعةَ الوقت انقطاعٌ عن الحقّ، والموتُ انقطاعٌ عن الخلق».
وَالوَقْتُ أَنْفَسُ مَا عُنِيتَ بِحِفْظِهِ وَأَرَاهُ أَسْهَلَ مَا عَلَيْكَ يَضِيعُ
فواجب على كل إنسان مهما كان حاله أن يحرص على:
أولًا: الاستفادة من وقته بتحديد الغاية وفهم حقيقة وجوده.
 
قال الإمامُ ابن القيِّم رحمه الله تعالى: «وقتُ الإنسان هو عُمرُه فى الحقيقة، وهو مادةُ حياتِه الأبدية فى النَّعيم المُقِيم، ومادة معيشتِه الضنك فى العذاب الأليم، وهو يمرُّ مرَّ السَّحاب؛ فمَن كان وقتُه لله تعالى وبالله تعالى، فهو حياتُه وعمره، وغير ذلك ليس محسوبًا مِن حياته».
 
ثانيًا: لا بد من تنظيم الوَقت والتخطيط له، وتحديد الأولويات، ومحاسبة النّفس على التقصير.
 
ثالثًا: اغتنام أوْقات الفَرَاغ، وإنجَاز الأعمال فيها، وقراءة حياة الناجحين فى ذلك، فإن التاريخ الإنسانىّ ما هُو إلا سِير رِجَالٍ عُظمَاء.
 
وما أصدق ما قاله الشيخ محمد الغزالى- رحمه الله تعالى: «ما أصدَقَ ما رواه الشافعى- رحمه الله تعالى- فى أسس التربية، هذه الكلمة الرائعة: «وإذا لم تشغَلْ نفسك بالحق، شغلَتْك بالباطل»، وهذا صحيحٌ؛ فإن النفسَ لا تهدأ، إذا لم تَدُرْ فى حركة سريعة من مشروعات الخير والجهاد والإنتاج المنظَّم لم تلبَثْ أن تنهَبَها الأفكارُ الطائشة، وأن تلُفَّها فى دوامة مِن التُّرَّهات والمهازل».

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة