تحولت مدن الجنوب الليبى إلى ساحة للصراع بين القوى الدولية التى تسعى لترسيخ وجودها بشكل كبير فى جنوب غرب ليبيا وتحديدا فى مدينتى سبها وغات جنوب غرب ليبيا، فيما تتحرك بعض الأطراف لإيجاد موطئ قدم لها فى جنوب شرق ليبيا وتحديدا فى مدينة الكفرة التى ترتبط بحدود مباشرة مع مصر.
قبائل التبو والطوارق
واحتدم الصراع بين فرنسا وإيطاليا خلال الأشهر القليلة الماضية على النفوذ السياسى والعسكرى فى الجنوب الليبى، وهو ما تسبب فى حالة غضب بالشارع الليبى الذى يرفض القوى الدولية التى لها مصلحة وأجندة تريد تنفيذها على التراب الليبى.
وتمتد أطماع فرنسا فى الجنوب الليبى منذ عدة عقود وذلك بدءا من الاحتكاك الذى حدث مع الحركة السنوسية ومحاولة الفرنسيين التقدم شمالا للقضاء على النفوذ السنوسى فى جنوب الصحراء، والعمل على ربط الطريق الموصل بين مستعمراتها فى دول الساحل والصحراء والعمل على ترسيخ نفوذها فى تشاد والنيجر.
ولفرنسا نفوذ كبيرة فى الجنوب الليبى أو ما يعرف تاريخيا بـ "اقليم فزان" وتعمل باريس على ترسيخ نفوذها فى تلك المنطقة، ووقعت فرنسا وبريطانيا اتفاقا فى 31 مارس 1899 الذى تم بموجبه تسوية الخلافات بين الدولتين حيث تنازلت فرنسا لبريطانيا عن بحر الغزال وبحر العرب ودارفور مقابل أن تتوسع فرنسا فى شمال وشرق بحيرة تشاد وهو ما ساعدها فى توسيع نفوذها فى شمال وغرب القارة الإفريقية.
وتعد مدن الجنوب الليبى أو "اقليم فزان" أحد أبرز المناطق التى تمكن فرنسا من التوسع فى شمال إفريقيا، وتأمين مصالحها فى منطقة الساحل الصحراء وربط الوجود الفرنسى فى هذه الدول بالجنوب الليبى الذى يمثل نافذة لفرنسا على القارة السمراء.
وعززت فرنسا وجودها العسكرى فى الجنوب الليبى بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية وانضمام فرنسا إلى جانب دول الحلفاء، وإعلان إيطاليا الحرب على الحلفاء تحالفا مع دول المحور الأمر الذى دفع لاتفاق فرنسى بريطانى عام 1943 على أن تزحف القوات الفرنسية بقيادة الجنرال لوكريك من تشاد وتحتل إقليم فزان الواقع فى الجزء الجنوبى من الصحراء الليبية.
الصراع التاريخى بين فرنسا وإيطاليا على الجنوب الليبى دفع الأخيرة للتحرك بشكل سريع خلال الأسابيع القليلة الماضية، لترسيخ وجود عسكرى لها فى مدينة غات التى تقع جنوب غرب ليبيا، وهو ما استفز أبناء الشعب الليبى الذى يتحسسون من أى تدخل ايطالى فى ليبيا بسبب الحقبة الاستعمارية لروما فى بلاد عمر المختار.
وتأجج الصراع بين فرنسا وإيطاليا بشكل كبير عقب إعلان باريس عن مبادرة لحل الأزمة الليبية بمشاركة القوى الفاعلة فى المشهد السياسى دون التنسيق والتشاور مع الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا أحد أبرز الدول المهتمة بالشأن الليبى بشكل كبير.
وتتخذ القوى الغربية خطر الجماعات الإرهابية المتطرفة ذريعة للتدخل فى الجنوب الليبى، والعمل على التودد لقبائل الجنوب الليبى وتحديدا قبيلتى أولاد سليمان وقبائل التبو والطوارق، على الرغم من إمكانية محاربة خطر الجماعات المتطرفة عبر تقديم الدعم العسكرى واللوجيستى ورفع حظر التسليح عن الجيش الوطنى الليبى.
كانت القيادة العامة للجيش الوطنى الليبى قد حذرت فى بيان سابق من محاولة بعض الأطراف الدولية إنشاء تواجد عسكرى لها فى الجنوب الليبى.
وأكدت قيادة الجيش الوطنى الليبى أنها حريصة على إقامة علاقات دافئة وشراكة استراتيجية متوازنة مع كافة الأطراف الدولية بما يحقق المصالح المشتركة بين ليبيا وغيرها من الدول، مشيرة إلى رغبة بعض الأطراف فى إنشاء وجود عسكرى فى بعض مناطق الجنوب الليبى بذريعة التصدى لظاهرة الهجرة غير الشرعية.
وحذرت القيادة العامة للجيش الوطنى الليبى هذه الأطراف من القيام بهذا العمل الذى تعتبره ينتهك بشكل صارخ قواعد القانون الدولى، ويمثل اعتداءً سافرًا على الدولة الليبية وسيادتها وأراضيها.
وتعول الأطراف الليبية المتمركزة فى مدن الجنوب الليبى على الدور المصرى فى حل الأزمة السياسية التى تعصف بالبلاد، ودعم الجيش الوطنى الليبى للتصدى للمشروعات الاستعمارية والنفوذ العسكرى الذى تسعى بعض الدول لترسيخه فى مدن الجنوب الليبى.