كان الجيش التركى مؤلفا من نحو 45 ألف مقاتل من جميع الأسلحة، و160 مدفعا بقيادة حسين باشا، وكان يرابط فى مواقع منيعة، واتخذ مواقعه على قمم جبال بيلان، حسبما يؤكد عبدالرحمن زكى فى كتابه «التاريخ الحربى لعصر محمد على الكبير»، مضيفا، أن الجيش المصرى بقيادة إبراهيم باشا كان فى المواجهة، و«يعسكر فى السهل المنبسط تحت مضيق بيلان، واتخذ المشاة مواقعهم فى الصفوف الأمامية، وخلفهم الخيالة والمدفعية فى الوسط، وخلف هذه الصفوف مهمات الجيش وعتاده».
كان الطرفان يستعدان للمواجهة فى مسلسل الحروب العسكرية بينهما، التى بدأت بدخول إبراهيم إلى الشام وإخضاعه لحكم محمد على، وكانت آخر انتصاراته على الأتراك هى، دخول حمص فى يوم 9 يوليو 1832 حسبما يؤكد زكى: «فى تاسع يوليو دخل حمص على رأس شجعانه، وقصد بهم إلى حلب فبلغ حماة فى عاشره».
يؤكد «زكى»، أن السوريين بغضوا الحكم التركى العثمانى قائلا، إنه بعد هزيمة حمص ارتد القائد التركى حسين باشا إلى حلب ليتخذها قاعدة حربية، و«طلب من أعيانها أن يمدوه بالمؤونة والرجال، ولكن كان أهلها بغضوا الحكم التركى، فأبوا أن يدخل أحد من جنودهم إلى مدينتهم، ولم يسمحوا إلا للجنود والمرضى بالدخول ثم أغلقوا أبوابها»، يضيف زكى: «احتفظ حسين باشا بالهدوء، وقال مداعبا للذين حوله: «إن جوادى لا أستطيع إرغامه على شرب الماء، فقد صمم على أن يرتوى من ماء النيل»، وكان ذلك تعبيرا عن الصلف والغرور التركى بالرغم من هزائمهم التى ينزلها بهم إبراهيم، كما حدث يوم 29 يوليو «مثل هذا اليوم 1832» فى بيلان، وهى، حسب عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «عصر محمد على»: «تقع جنوبى الإسكندرونة وشمالى المضيق والجبل المعروفين باسمهما، ويصل إليها طريقان، طريق من كليس، وطريق من أنطاكية، ويقترب الطريقان فى سفح الجبل بحيث يفصل بينهما نحو ثلاثة آلاف متر، ثم يلتقيان فى المضيق جنوبى بيلان، فيصبحان طريقا واحدا يصل إلى المدينة».
فى يوم 28 يوليو 1832 وصل إبراهيم قبالة «أنطاكية»، ووفقا لزكى: «اقترب من مضيق بيلان، وهو ممر اجتازه جمع من قادة العالم العسكريين لفتح الشرق من مصريين وآشوريين وفرس وإغريق ورومان وعرب وفرنج وترك وسواهم».. ويؤكد «زكى» أن الجيش التركى المؤلف من 45 ألف مقاتل احتشد فى مواقع منيعة على قمم جبال بيلان استعدادا لمواجهة الجيش المصرى الذى كان فى السهل المنبسط تحت مضيق بيلان، ويضيف: «استعرض إبراهيم باشا مواقع الترك على الجبل، فوجدها منيعة، يصعب على قواته أن تنال منها فوزا، وفى مساء يوم 28 يوليو جمع مجلسا من ضباطه لوضع قرارهم النهائى فى الخطة التى ستنفذ، فرأى بعضهم تأجيل الهجوم على المضيق إلى بعد غد، ورأى الآخرون القيام بهجوم غدا ليحرموا العدو من تعزيز مراكزه أو وصول إمدادات إليه من إسكندرونة، ومن محاسن الصدف، أن يقع المستشار الفنى الفرنسى لحسين باشا فى قبضة إبراهيم، فرحم الأتراك من معاونته، وينتهى قرار المجلس إلى الأخذ بخطة الهجوم فى اليوم التالى «صباح 29 يوليو»، والقيام بحركة التفاف حول ميسرة الترك من الجنب، تمهيدا للإحاطة بها، ثم احتلال بعض المرتفعات المتسلطة على القلب، ويجعل مشاة الأتراك هدفا لنيران المدافع المصرية، وفى الوقت نفسه يرسل جزءا من قواته للإحاطة بميمنة الأتراك».
نفذ إبراهيم باشا خطته الحربية ببراعة، ويؤكد زكى: «تشتتت وحدات العدو فى الجبال، وباستيلاء المصريين على مواقع الأتراك انتهت المعركة بهزيمة تامة، بعد قتال عنيف دام نحو ثلاث ساعات، قتل فيه 2500 تركى وجرح وأسر منهم نحو ألفان، وغنم المصريون حوالى 25 مدفعا وكثيرا من الذخيرة والعتاد، ولم تتجاوز خسائر المصريين 20 قتيلا»، أما حسين باشا الذى وعد من قبل «أن يشرب جواده من مياه النيل» فكان مصيره، حسب كتاب «الفرعون الأخير- محمد على» تأليف جيلبرت سينويه ترجمة عبدالسلام المودنى: «يقال إنه وصل إلى قرية صغيرة تقع على البحر الأسود تسمى «بيثينيا» حيث أمضى بقية أيامه كنكرة يعيش بين أناس مجهولين».
يؤكد «زكى»: «فاز إبراهيم بالنصر لأن تنفيذه للخطة كان دقيقا ورائعا، وكان نشاطه فى المعركة التى قام بأظهر دور فيها باديا فى كل حركة من حركات الجند والضباط»، ويضيف: «قضى الجيش المصرى ليلة 29 يوليو فى مواقع الأتراك، وفى يوم 30 احتل إبراهيم باشا بيلان، وسلكت الخيالة طريق إسكندرونة بقيادة عباس باشا حلمى، واحتل إبراهيم ميناء إسكندرونة، واندفعت الخيالة إلى باياس وأسرت نحو 1400 تركى وسلمت له أنطاكية واللاذقية والسويدية»، ويذكر «سينويه»: «منذ هذه اللحظة سيفتح فصل جديد حيث عالمان، أحدهما قديم والآخر حديث..حيث الإمبراطورية المحتضرة ومصر الناشئة، ويصلان معا إلى نقطة اللاعودة».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة