أكرم القصاص - علا الشافعي

عباس شومان

خاطرة اجتهادية

الخميس، 19 يوليو 2018 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هناك مسألة فى الميراث تشغل بالى منذ أن ألفت كتابى «المغيث فى المواريث»، وتناقشت فيها مع عدد من العلماء المعاصرين المختصين فى الفقه وأصوله، وأعرضها اليوم من خلال هذا المقال علها تكون محل نظر من الفقهاء الضالعين فى علم الميراث.
 
من المعلوم أن الوارث كلما اقترب درجة من الميت قَوِيَ ميراثه وزاد نصيبه وأثَّر على مَن هو أدنى منه درجةً فحجبه حجبًا كاملًا أو ناقصًا عن الميراث، ومعلوم أيضًا أن الميراث ينحصر فى أربع جهات تتصل بالميت، وهذه الجهات هى: جهة الفروع وتشمل أبناء الميت وبناته، وأبناء أبنائه وبنات أبنائه وإن نزلوا، وجهة الأصول وفيها آباء وأجداد وأمهات وجدات الميت، وجهة الزوجية وفيها زوج المتوفاة أو زوجات الميت، وجهة الحواشى وفيها الإخوة والأخوات، والأعمام، وأبناء الإخوة وأبناء الأعمام.
 
ومن المعلوم كذلك أن جهة الفروع التى بها أبناء الميت وأحفاده هى أقوى الجهات، حيث إنها تؤثر سلبًا على الجهات الأخرى ولا يتأثر الوارث فيها إلا بمن هو أسبق منه درجةً إلى الميت، فإذا مات شخص وترك ابنًا وابن ابنٍ مات أبوه فى حياة جده، كان الميراث للابن دون ابن الابن الذى يتحول إلى الوصية الواجبة، وإذا كان للميت بنات فقط كان نصيبهن ثلثى التركة، فإن لم يوجد ورثة غيرهن من الجهات الأخرى أو وارث ذكر أدنى درجةً عاد الثلث إليهن ردًّا.
والمسألة محل النظر تتعلق بما يُعرف فى الميراث بالأخ المبارك أو السعيد، وصورتها أن ميتًا ترك بنتين، أو أكثر، وبنت ابنٍ، فيكون نصيب البنتين فأكثرَ ثلثى التركة ولا شىء من جهة الميراث لبنت الابن، لأن غاية ما يجوز للنساء هو ثلثا التركة، لكن بنت الابن إذا كان معها ابن ابنٍ ورث تعصيبًا؛ أى أنه يأخذ ثلث التركة الباقى بعد البنات، وفى هذه الحال تشاركه فيه بنت الابن التى كانت محجوبة لولا وجوده، فسُمِّى ابن الابن فى هذه الصورة بالمبارك أو السعيد، لأنه أدخل على بنت الابن السرور، حيث تسبب فى ميراثها. 
 
وللأخ المبارك أو السعيد صورة أخرى يكون فيها من مرتبة أدنى من مرتبة بنت الابن، ففى صورة المسألة السابقة لو كان هناك ابن ابن ابن لفعل مثل ما فعله ابن الابن وعصَّب معه بنت الابن التى هى أقرب منه درجة، لأنه لا يُعقل أن الذى هو أبعد درجةً يرث تعصيبًا والتى هى أقرب منه درجةً لا ترث، وهاتان الصورتان مستقرتان فى كتب الفقه ولا مشكلة فيهما. 
 
ويكون الأخ السعيد فى جهة الحواشى كذلك، وصورته عندئذ أن شخصًا مات وترك أختين شقيقتين وأختًا، أو أخوات، لأب، فللشقيقتين ثلثا التركة وتُحجب الأخت لأب عن الميراث، لكن لو كان معها أخ لأب لأسعدها، لأنه فى هذه الحال يرث بالتعصيب ويعصبها معه، وهذه الصورة أيضًا مستقرة فقهيًّا ولا مشكلة فيها.
 
أما الصورة التى أطرحها هنا للاجتهاد فهى أن شخصًا مات وترك أختين شقيقتين وأختًا، أو أخوات، لأب، وابن أخٍ أو عمًّا للميت، فإن للشقيقتين ثلثى التركة والباقى وهو ثلث التركة سيكون له « لابن الأخ أو عم الميت» ولا شىء للأخت لأب مع أنها أقرب درجةً منه، والسؤال هنا : ألا يمكن قياس هذه الصورة على صورة الأخ المبارك فى جهة الفروع، حيث يكون مساويًا لبنت الابن ويكون كذلك من درجة أدنى منها، فى حين أنه فى جهة الحواشى يقتصر على درجة واحدة وهى المساوية؟
 
وسبب طرح هذا السؤال هو التشابه الكبير فى الميراث بين حالات البنات وحالات الأخوات الشقيقات، فالبنات عند تعددهن يرثن ثلثى التركة إذا لم يكن معهن ابن الميت، فإذا كان معهن فإنهن يرثن تعصيبًا به ويكون للذكر مثل حظ الأنثيين، وكذلك الأخوات الشقيقات عند تعددهن وعدم وجود الأخ الشقيق ولا الفرع الوارث للميت ولا الأصل الوارث المذكر، فإنهن يرثن ثلثى التركة، كالبنات، إذا لم يكن معهن أخ شقيق، فإن كان معهن الأخ الشقيق تعصَّبن به كحال البنات مع الابن، والبنت الواحدة ترث نصف التركة وكذلك الأخت الشقيقة، وحالات بنات الابن أيضًا تشبه كثيرًا حالات الأخوات لأب، فبنات الابن لهن حالات البنات عند عدم وجود البنات ولا الأبناء للميت، والأخوات لأب لهن نفس الحالات عند عدم وجود الشقيقات ولا الأشقاء ولا الفرع الوارث ولا الأصل المذكر، وإذا كانت بنت الابن تأخذ سدس التركة تكملةً للسدسين عند وجود بنت واحدة للميت، فكذا الأخت لأب تأخذ السدس تكملة للسدسين إذا كانت الأخت الشقيقة وارثة لنصف التركة، وإذا كان بنات الابن يُحجبن بالبنتين فأكثر ما لم تجد بنات الابن ابن ابنٍ يعصِّبهن، فكذا تُحجب الأخوات لأب بالأختين الشقيقتين ما لم تجد الأخوات لأب أخًا لأب يعصِّبهن. ولم يبقَ إلا الحالة التى طرحناها، وهى استفادة بنات الابن حال حجبهن بابن ابن الابن معصِّبًا لهن، وعدم استفادة الأخت لأب بالعاصب الأبعد منها درجةً كابن الأخ والعم.  
 
وإذا رأى بعض العلماء أن بنت الابن أقوى لأنها من جهة الفروع، فإنما يُرد على ذلك بأن ما سبق ذكره من امتلاك الأخت لأب لجميع حالات بنت الابن يدل على أن الأخت لأب ليست أضعف من بنت الابن، بل إن الأخت لأب تزيد بعض حالات لا تملكها بنت الابن، فالأخت لأب يمكن أن ترث تعصيبًا من غير وجود وارث ذكر، وذلك إذا وُجد للميت فرع وارث مؤنث «بنت أو بنات أو بنت ابن أو بنات أبناء» وأخت أو أكثر لأب، فإن الأخت لأب ترث الباقى تعصيبًا بعد البنات أو بنات الأبناء، ولا توجد امرأة فى الميراث تُعصَّب من دون ذكر إلا الأخوات الشقيقات أو الأخوات لأب، فإذا كانت الأخت لأب يمكن أن تُعصَّب من دون ذكر، وتُعصَّب بالذكر المساوى، فلماذا لا تُعصَّب بالذكر الأدنى منها درجةً كبنت الابن؟
 
هذه مجرد خاطرة اجتهادية تقبل النقد والتصويب إن كانت فى غير محلها، ولكن بأدلة مقنعة تدل دلالة واضحة على أن الأخت لأب تخالف بنت الابن فى مسألة الأخ المبارك الأدنى درجة.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

المراغنة الكرام

قياس مع الفارق

هذا قياس مع الفارق لان بنت الابن ترث مع البنات ولو لم يوجد من بعصبها وذلك بالوصية الواجبة وهذا غير متوفر عند الاخت لاب

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة