إلى أين تمضى بنا مواقع التواصل الاجتماعى؟!.. هذا السؤال تحول إلى معضلة كبيرة فى ظل العواصف التى تثيرها تلك المنصات الإعلامية، التى أصبحت تحتل كل تفاصيل حياتنا، وتتحكم فى انفعالاتنا، وتوجه أفكارنا حسبما يريد من يتفننون فى استخدامها لتحقيق أغراض، ليست بريئة على الإطلاق.
فى مقال الأسبوع الماضي الذى تحدثت فيه عن قوانين تنظيم الصحافة والإعلام، نبهت إلى خطورة مواقع التواصل الاجتماعى وأنها صارت بمعزل عن المحاسبة، وأن الفوضى التى تغرق فيها والعشوائية التى تحكمها، تفرض أن يكون هناك تقنين لهذا العالم، الذى رغم كونه افتراضيا، فإنه فى أحوال كثيرة يفرض واقعا على الجميع يتجاوز مرحلة الدردشة وتبادل الآراء، إلى منطقة خطر داهم تتعلق بأمننا القومى، وتلحق بنا أضرارا فى ثوان معدودة، وإصلاح ما يترتب عليها من خسائر قد يكلفنا سنوات من الزمن ومليارات من الجنيهات.
أعاود هذا الأسبوع الحديث عن مواقع التواصل الاجتماعى جبرا لا اختيارا، بعد ما شاهدته من تهويل وتفجير لحادث عابر قد يحدث فى أى دولة فى العالم، إلا أنه فى مصر لا يمر مرور الكرام، لأن هناك من يتربص وينفخ فى النار ليشعل الحرائق ويشوه الوطن، مستغلا بعض من لا يدركون خطورة ما يتداولونه وما يشاركونه من منشورات دون فحص أو تدقيق.
البداية كانت صوت انفجار فى محيط مطار القاهرة، ودون أن يتبين أحد حقيقة ذلك الصوت، كان الجالسون خلف الشاشات والممسكون بالهواتف الذكية والناشطون فى نشر الشائعات يروجون أنه عمل إرهابى وأن حركة الطيران توقفت تماما فى مطار القاهرة!! ويدسون السم فى العسل في حبكة إجرامية لا تصدر إلا عن متربص، وعدو يعلم جيدا تأثير ما يفعله، وفى المشهد جمهور من رواد "السوشيال ميديا" يتطوعون بالمشاركة فى بث تلك السموم دون أن يدركوا خطورتها على مرفق حيوى هو قطاع الطيران الذى كان من الممكن أن يدفع ثمنا باهظا لتلك الشائعة، لولا أن جاء الرد الحكومى سريعا بأن ما حدث كان بسبب حريق فى مخزن تابع لإحدى شركات البتروكيماويات بسبب ارتفاع درجة الحرارة.
ليست واقعة المطار المكذوبة هى الأولى ولن تكون الأخيرة، طالما أن هناك فضاء مفتوحا بلا قيود ولا ضوابط اسمه مواقع التواصل الاجتماعى يخوض فى الأعراض والحياة الشخصية ويحقق أغراضه المسمومة بترويج الشائعات بحق الدولة ورموزها، ويسفه من مشروعاتها القومية الكبرى، ويثير البلبلة باختلاق قرارات كاذبة من عينة فرض الرسوم على دفن الموتى وتخصيص تذاكر لدخول الطلاب إلى مدارسهم.. إلى آخر ذلك من الأكاذيب التى تتفنن لجان الجماعة الإرهابية فى ترويجها بهدف تضليل المواطنين وترويعهم.
وبعد القراءة السريعة لما حدث مؤخرا، يمكننى القول:
- إن الحاجة باتت ملحة لتعامل حكومى سريع مع مثل هذه الوقائع ليكون الرد سريعا عبر قناة موحدة من خلال مجلس الوزراء ليقطع هذا الرد الطريق على من يروجون الشائعات ويستخدمون مواقع التواصل الاجتماعى منصة لإطلاق سمومهم.
- إن الإعلام المصري لا بد أن يكون أكثر مسئولية ووعيا وإدراكا، وأن يتعامل مع تلك المواقف من خلال المصادر الرسمية التى يجب أن تقدم هى الأخرى الحقيقة كاملة وسريعة لوسائل الإعلام بما يغلق باب الاجتهاد.
- إن تفعيل المواد المنظمة لعمل مواقع التواصل الاجتماعى فى قوانين الصحافة والإعلام أصبح فرضا لا يحتمل التأجيل ضمانا لأمن بلادنا وحماية لشعبنا، ليكون ذلك حصنا منيعا لنا جميعا ضد أعدائنا من ظهر منهم ومن استتر خلف أقنعة "السوشيال ميديا".
- هناك مصريون أدركوا اللعبة ولم ينساقوا خلف كهنة التواصل الاجتماعى الذين أرادوا تصدير الصورة للخارج بأن حركة الطيران فى خطر، ولم يسقطوا فى الفخ متسلحين بالوعى الذى ظهر فى دعوات بالتريث حتى صدور بيانات رسمية، وهو بادرة أمل يجب استثمارها والبناء عليها، باستعجال قانون تنظيم عمل هذه الوسائل وترويضها، بما يضمن إبطال مفعول سمومها ونزع ألغامها لتعود كمواقع للتواصل الاجتماعى وليست أوكارا لتصنيع المتفجرات ومعامل لتحضير السموم وأقنعة يختفى خلفها شياطين الإخوان.
اللهم احفظ مصر وشعبها من كل متربص وخائن.
*رئيس تحرير الأهرام المسائى
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة