نحو نصف مليون مواطن سورى لقوا حتفهم فى الحرب الأهلية القائمة فى سوريا منذ 7 سنوات، هذه الحرب التى خلفت وراءها 12 مليون ونصف نازح ولاجئ، اضطروا لترك منازلهم، وهم ما يعادل نصف سكان البلاد تقريبا، هذا الرقم المأساوى والمفجع، وما وراءه من خوف وذعر لأشخاص تحولت حياتهم إلى هذا الواقع المؤلم، هو ما يقفز إلى ذهنك فى اللحظة التى تتبع معرفتك حقيقة الانفجار الذى وقع مساء أمس بأحد المصانع بالمنطقة المجاورة لمطار القاهرة.
انفجار عادى فى مخزن تابع لأحد المصانع التى تعمل بالكيماويات، يتشابه مع المئات من الأحداث المماثلة التى تقع فى العالم بأسره، نتيجة ظروف صناعة الكيماويات نفسها، لكنه آثار حالة من الارتباك لدى الكثيرين على وسائل التواصل الاجتماعى، سريعا أخمدتها أجهزة الدولة المصرية بالبيان الصادر عن المتحدث العسكرى، لينتهى الأمر فى دقائق معدودة، ويعود الارتياح إلى قلوب الكثير ممن أصابهم الارتباك، لكن هذا الارتياح يجب أن يعقبه تساؤل وتأمل.
فقبل سنوات أراد البعض لنا مصيرا مفزعا من الخوف والرعب، من الدماء والأشلاء والنزوح والهجرة، وأن يدفع البلاد إلى مصير مرعب نراه بأعيننا واقعنا فى محيطنا الإقليمى المضطرب، أن تكون هذه الـ "نصف ساعة" هى حياتنا، أن يكون هذا الانفجار على كل شبر من أراضينا، أن تكون كتلة اللهب الحمراء هذه هى إشارة لمصر، كما أضحت المبانى المدمرة هى الإشارة لسوريا والعراق واليمن وليبيا، لكن دولة راسخة ذات جيش قوى، ومؤسسات مستقرة حالت دون أن تكون حياتنا بأكملها هى عبارة عن هذا الواقع المرعب.
حتى هؤلاء الذين أرادوا الانتقام من شعب مصر عقابا له على ثورته ضدهم فى 30 يونيو، لم يستطيعوا سوى القيام ببعض الأعمال التخريبية، نجحوا مرة وفشلوا مرات عدة، بفضل التخطيط الاستراتيجيى لمؤسسات الدولة لمواجهة هذا الإرهاب الغاشم، فبحسب وزارة الداخلية فقد تم القضاء على 992 بؤرة إرهابية، وضبط 19 ألف و108 عناصر إخوانية مسلحا خلال السنوات القليلة الماضية.
لقد أراد الذين يرغبون فى الانتقام من شعبنا أن يحيلوا البلاد إلى بحور دم، وبعد أن بدأ الأمر بإحراق الكنائس ومهاجمة أقسام الشرطة فى عام 2013، تصاعد ليصل ذروته فى عام 2015 والذى وقعت فيه 500 عملية إرهابية بحسب بيان الهيئة العامة للاستعلامات، لكن فى الناحية الأخرى كان هناك جيشا وشرطة ودولة تقف لهؤلاء بالمرصاد، تبحث عن هؤلاء قبل أن يروعوا أمن وأمان المواطنين، لتهبط عدد العمليات الإرهابية فى عام 2017 بحسب البيان نفسه الصادر من الهيئة العامة للاستعلامات إلى أقل من 50 عملية، بنسبة انخفاض 85%.
وعلى قدم وساق تستمر الدولة فى تأمين حدودها، وتطهر سيناء من أشرارها، تطور من مطاراتها، سابقة الإرهاب والإرهابيين بخطوات، قاطعة الطريق على هدفهم فى أن يحيلوا بلادنا إلى بحر دم من أجل تحقيق مصالحهم، تمضى بنا السنوات، يزدادون يأسا ونزداد أملا.
نعم كانت لحظات ارتباك تلك التى أعقبت الانفجار فى مصنع هيليوبليس المجاور لمطار القاهرة، لكن تبعها لحظات ارتياح واطمئنان، آخرون هم جيراننا وأشقائنا تحولت كل حياتهم إلى كل تلك اللحظات، هناك أطفال لا يعرفون عن العالم سوى تلك اللحظات، لا يعرفون زقزقة العصافير لكنهم يعرفون جيدا صوت تفجير القنابل، هذه أوقات نتأمل فيها نعمة الاستقرار والأمان، نحمد الله أن كل خوفنا بات يأتى من حوادث عارضة، أما حياتنا فتزيد فيها مساحة الأمان والاطمئنان يوما بعد آخر، "ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة