فى الأسبوع الأول من شهر يوليو 1967، وبعد شهر من نكسة 5 يونيو 1967 تم الاتفاق على مجموعة من المشاورات فى القاهرة، تشارك فيها سوريا والأردن والجزائر والعراق، وحسب محمد حسنين هيكل فى كتابه «الانفجار»، فإن الرئيس الجزائرى هوارى بومدين كان أول القادمين إلى القاهرة، واجتمع مع الرئيس جمال عبدالناصر فى الساعة العاشرة والنصف من صباح يوم 10 يوليو «مثل هذا اليوم 1967»، كما اجتمعا فى اليوم التالى، وانضم إليهما العاهل الأردنى الملك حسين.
وحسب محضر اجتماع 10 يوليو المنشور فى كتاب «الانفجار» لمحمد حسنين هيكل، وفى الجزء الثانى من «ناصر 67 - هزيمة الهزيمة» لمصطفى بكرى عن «المكتبة الأكاديمية - القاهرة»، فإن الاجتماع بدأ بترحيب عبدالناصر ببومدين، وبالتعبير عن الشعور بالعرفان للجهد الذى بذله وقت الأزمة، ووقت المعركة، وكذلك رحلته إلى موسكو عقب انتهاء القتال، ووفقًا لهيكل، فإن بومدين رد قائلًا: إن ما قمت به هو جزء من الواجب، فما يصيب الجمهورية العربية المتحدة يصيب الجزائر، والقيادة والشعب فى الجزائر يدركان تمامًا أن من يبدأ بمصر سوف يستدير على الجزائر، وهذه هى طبائع الأمور.
شهد الاجتماع شرحًا وافيًا من عبدالناصر لما حدث فى حرب 5 يونيو، إجابة منه عن سؤال طرحه بومدين حول النكسة وأسبابها، وحدد عدة عوامل كانت جميعها بمثابة نقد ذاتى شديد، قال: «هناك عوامل أساسية أثرت وأوصلت إلى هذه النتيجة، العامل الأول هو الثقة فى النفس أكثر من اللازم، بل وصل الأمر إلى حد التبجح بهذه الثقة»، ثم طرح باقى العوامل الأخرى، وانتقل إلى الجانب السياسى، مشيرًا إلى النشاط الذى يجرى فى الأمم المتحدة، وقال لبومدين: «هناك الآن فى الأمم المتحدة اتصالات، والأمريكان يطالبوننا بتنازلات، والغريب أن الذى يضغط علينا فى قبولها هو وزير الخارجية السوفيتى جروميكو، وليس وزير الخارجية الأمريكى راسك، وفى كل هذا أنا لا أريد أن أفقد أعصابى، موقف الروس بالنسبة لنا موقف أساسى، فإذا لم نحصل منهم على احتياجاتنا من السلاح، فمعنى هذا أنه لن تكون هناك معركة، وأنا أقول علينا أن نتحمل ظروفهم وتفكيرهم ولا نيأس من إخراجهم من حالة الجمود التى تقيدهم الآن، لكن ذلك سوف يتطلب وقتًا وجهدًا، ولهذا فإن الاتفاق على خطة عمل سياسى مسألة فى منتهى الأهمية، لابد أن تساعدونا جميعًا فى الضغط على السوفيت، كل من يستطيع الضغط على السوفيت لا بد أن يضغط، نحن والجزائر والعراق وسوريا، والدول غير المنحازة يوغوسلافيا والهند وغيرهما، وكل دول آسيا وأفريقيا، وأيضًا لا بد من ضغط على الأمريكان».
أضاف عبدالناصر: «لهذا أنا أريد مؤتمر قمة عربية لكى يتحرك إخواننا فى السعودية وغيرها، ويضعوا علاقتهم بالأمريكان موضع اختيار، ليس من أجلى، ولكن من أجل الضفة الغربية ووراء الملك حسين، ملك الأردن، وأنا أعتبر أنه ليس هناك محظور فى العمل السياسى إلا الاستسلام، وعلى أى حال فنحن نحتاج إلى فترة ما بين سنتين إلى ثلاث سنوات لكى نعود إلى معركة كبيرة، نحن لا نريد أن تبرد الأحوال على خطوطنا مع إسرائيل، بعد وقف إطلاق النار مباشرة كنت أريد تثبيت وقف إطلاق النار، وبعد أن تأكدنا من أن هذا حدث لم يعد لدينا مانع من قبول اشتباكات محدودة لتسخين الجبهة، ولكسر حاجز الخوف عند القوات وتطعيمها بالنار، ومنذ أيام ونحن نقاتل فى منطقة رأس العش على الضفة الشرقية من القناة، فقد اكتشف اليهود أن لنا قوات على هذه الضفة فى بورفؤاد وحاولوا تصفيتها، وحدثت اشتباكات كانت قواتنا فيها فى حالة معنوية ممتازة، لكننا نحتاج كما قلت إلى فترة سنتين أو ثلاث قبل أن نكون مستعدين لمعركة واسعة النطاق لإزالة آثار العدوان، وهذه الفترة لا يمكن أن تمر ساكنة».
بدأ بومدين يتكلم، ووجه حديثه إلى عبدالناصر قائلًا: «سيادة الأخ الرئيس، أنا لدى لغز أبحث عن حل له، وأعتقد من وجهة نظرى أن بحثه ضرورى، هذا اللغز هو الملك حسين، نحن كنا نعلم بأن الأردن ظل حتى يونيو 1967 يتبع خطًا سياسيًا معينًا، وفجأة وجدناه يأخذ خطًا سياسيًا مختلفًا، وأنا لا أعرف ما الذى حصل ليسبب هذا التغيير، وأريد أن أعرف معلوماتكم عنه».
رد عبدالناصر، وواصل كلامه حول هذه النقطة فى الجلسة الثانية للاجتماع التى بدأت الساعة الرابعة بعد ظهر اليوم التالى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة