صور.. الحلم أصبح حقيقة.. أيادٍ مصرية تصل للعالمية بمدينة الروبيكى

الأحد، 01 يوليو 2018 07:23 ص
صور.. الحلم أصبح حقيقة.. أيادٍ مصرية تصل للعالمية بمدينة الروبيكى مدينة الروبيكى
كتبت - منال العيسوى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

مع أول ضوء للشمس تراهم يخرجون من مبانيهم المتلاصقة فى منطقة مصر القديمة بسور مجرى العيون والمناطق المجاورة لها، كل يحمل معه قليل من النقود وبعض الطعام، يتوجهون لنقطة وصول أتوبيس عملهم، الذى يستقلهم للمدينة الاستثمارية الجديدة لصناعة الجلود بمنطقة الروبيكى، بعد أن تم نقلهم مع المدابغ التى يعملون فيها لسنوات عديدة.

يأخذهم الأتوبيس، بعيدا عن زحام قاهرة المعز، لبراح الصحراء والحياة البكر، والمساحات الخضراء التى تخفف نسماتها أعباء وضغوط الحياة، على بعد 70 كيلومتر تقريبا من القاهرة، وبالتحديد عند الكوبرى الأول لمدخل مدينة العاشر من رمضان، يأخذ الأتوبيس منحنى يمينا ويتجه نحو الطريق لمدينة بدر فى خط مستقيم، مرورا بنقطة تفتيش المنطقة الصناعية للروبيكى، وفى أقل من خمسة دقائق يصلون لمقر عملهم يمينا فى صرح المدينة العالمية لصناعة الجلود ودباغتها.

للوهلة الأولى، سيختلط عمال الأتوبيس بباقى عمال سيارات النقل، والمقاهى والمهندسين، وأصحاب المدابغ، وسيجمعهم جميعا هناجر الدباغة وتدور عجلة الإنتاج وتنخر فى صمت الصحراء لتحولها حياة.

أن كنت مررت على المدينة دون أن تشاهد هذا الأتوبيس، ومشهد نزولهم على بوابة المدينة واختفائهم وراء الأبواب الحديدية العالية تحت هناجر الجلود، ستخبرك سيارات ربع النقل، والعمال الذين يستقلوها وارتفاع الجلود، أنك وصلت لأكبر صرح مصرى لصناعة ودباغة الجلود، أنها مدينة الجلود بالروبيكى، هذا الحلم الذى أصبح حقيقة، مع طول انتظاره، على الرغم أنه تعد صناعة الجلود أحد أقدم وأهم الصناعات المصرية، ويرجع تاريخها إلى عهد قدماء المصريين، لكن المركز الرئيسى لتمركز هذه الصناعة فى القاهرة منذ العصر العثمانى، وحتى الآن وتحديداً منذ عام 1866 فى منطقه المدابغ بسور مجرى العيون، لكن اليوم شق الصحراء بأيادى مصرية استطاعوا أن يصلوا للعالمية.

ستمر من البوابة الرئيسية لتتمكن من الدخول إلى المدينة بعد إبراز هويتك، وأول ما بلفت نظرك هو هذا التقسيم المنظم لكل عنابر المدابغ وتوحيد ألوانها بين الأزرق والأبيض، وتصميمها على أحدث الأنظمة الإيطالية فى دباغة الجلود، بمساحات مختلفة، علق على كل منها مساحته التى تبدأ من 330 مترا، كأصغر نموذج حتى تصل إلى 6500 متر.

وأنت فى طريقك لأحد المدابغ وخلال تجولك بالمدينة عقب دخولك من البوابة الرئيسية - المدينة لها أربعة بوابات- يمكنك أن تقرأ لافتات أرقام الشوارع الرئيسية والمرور على مبنى الشرطة المدنية، ومبنى الإطفاء بجواره، ووحدة الإسعاف.

لكن الملفت للنظر هو هذا البراح الشاسع وحين تعرف أن المرحلة الأولى من المدينة أقيمت على مساحة 160 فدان، ومجهز فيها حوالى 81 عنبرا، وترى كيف يخيم الصمت على الأجواء، فى البداية ربما تتوهم أن المدينة خالية، لكن بعد أقل من ثوانى ستستمع لحديث العمال الذين خرجوا لأخذ استراحة على المقهى بمركز الخدمات القريب من عنابر العمل، وهنا ستكتشف أن المبانى تعج بالعمال.

خلية عمل لا تتوقف هذا يجلس على ماكينته، والآخر يساعده وهؤلاء يحولون الجلد المنتهى من الصباغة للتجفيف، وآخرون يزيلون الشعر من فوق الجلد، وآخر يقلل مقاسات راق الجلد كلا على حسب الذى سيستخدم فى تصنيعه.

وقف محمد زكى بشرته السمراء، يشرح كيف قضى عمره فى هذه المهنة على مدار أكثر من 37، يروى تفاصيل ومراحل دباغة الجلد وصناعته، قائلا:"المراحل تبدأ بجلب الجلود من منطقة مصر القديمة والمجازر، ثم مراحل التصنيع من كشط الشعر عن الجلد، مرورا بكافة مراحل الدباغة والفرز والتمليح والصبغات والعصر على عصارات، والتعليق على الكتينة، ثم الشد على الهنجر، ثم مرحلة تحديد الألوان من خلال الصبغة، ثم التجهيز للتصدير.

فيما وقف إبراهيم محمد، محاسب بمدبغة المنتزه، يؤكد أن صناعة الجلود من الصناعات المربحة، وأن السعر يحتسب بالقدم كلا على حسب نوعه، فكل نوع له سعره، وما يحدده هو صاحب المدبغة، حيث أن هناك انواع من الجلد مثل البقرى واللبانى والماعز والضانى، والجاموسى، والجملى وغيرها".

أما هانى علاء هذا الطفل الذى لم يتجاوز عمرة 12 عاما وقف وسط الرجال الصنايعية محمد حسن وعادل عبد الكريم وهانى حلمى الأكبر سنا وخبرة، يشاكس معهم ويساعدهم فى شد الجلد على الماكينة بمشابك حديدة، مطالبهم بمناداته بالأسطى هانى، فهو جاء يساعد والده وظل معه منذ أن كان فى منطقة المدابغ وحتى جاء إلى الروبيكى، أعجبته رائحة الصحراء والمساحات الواسعة بعيدا عن الزحام قائلا أنا لما أكبر هتجوز واقعد هنا".

وسط العمال الذين تتطلب مهنتهم بنية جسمانية قوية وقف على مرحلة ترطيب الجلد وتلينيه نور على عبد اللطيف، الذى يبدو لكمن الوهلة الأولى صنايعى متمرس فى المهنة، وحين تقترب منه تفاجئ أنه طفل لما يتجاوز عامه الـ15، وطالب بالمرحلة الإعدادية، وبمجرد أن أنهى امتحاناته جاء للعمل بالمدبغة مع والده، لمساعدة أسرته، ورغم قلة حديثة، إلا أنه كانت ابتساماته تجيب على كثير من الأسئلة التى ربما سمعها أو ربما حال بينه وبينها صوت المكن العالى واتساع عنبر العمل".

عاطف حسن صنايعى شلح الجلد، الذى أتى من سوهاج وعمره 9 سنوات وظل يعمل فى مهنة الدباغة بكل مراحلها لأكثر من 27 عاما، واستقر فى مرحلة نزع الشعر من على الجلد وتنظيفه، جلد، هوعامل يوميته 200 جنيه، لا تراه يتحدث كثيرا، مع زملاؤه الأربعه، يرتدى مريلته البلاستك، ويمسك بالجلد، ويرطمه بالجدار، ثم يشبث يده فى الشعر وينزعه بالكامل عن قطعة الجلد وأطلق عليه زملاؤه "برينجى" الشلح".

أما فرج حسن ذو الـ30 عاما، عامل دباغة وكشط، قرر أن يورث أبنه الأوسط مهنة أجداده الدباغة، متزوج ولدية ثلاثة أبناء متعلمين، لكن الأوسط منهم يهوى المهنة، ووالده يدربه عليها، قائلا:" حين استيقظ فى السادسة صباحا، وأصل للروبيكى الساعة 9، أبدء بتغير أنابيب الغاز من مستودع بدر، لأننا نستهلك فى اليوم الواحد حوالى 20 انبوبة، ونعانى من جشع بعض التجار الذين يصرون على بيها بـ150 جنيه، رغم أن تمنها فى الأصل 100 جنيه".

وبالقرب من مركز خدمات المدينة الذى افتتح فيه فرن ومقهى وسوبر ماركت، جلس العمال يتسامرون خلال عطلة الغذاء، وقالوا ينقصنا مساكن ومدرسة لأولاد العمال فالمشروع هو إعادة توطين صناعة الجلود، وهذا وطن جديد لنا نريد أن نستقر به، لكن ينقصه بعض الخدمات.

 ومن جانبه أكد الدكتور حمدى حربى رئيس غرفة صناعة الجلود السابق وصاحب 3 مدابغ لـ"ليوم السابع"، أنه تم وضع أساس لمدينة سكنية للعمال تبعد حوالى 400 متر، وبدء تنفيذ المشروع، لكن لابد أن ينتهى سريعا، ليكون هناك اعاشة كاملة للعمال بالإضافة للارتفاع اسعار الكهرباء والمياه.

ويقول الدكتور حمدى:" أن وجودهم فى الروبيكى نقلة حضرية أكتر من ممتازة لو تم مقارنتها بمصر القديمة فهناك فرق كبير فى طريقة العمل وحجمه والمعدات، حيث أنشأت المدابغ بسور مجرى العيون وكان تعددنا لا يتعدى الـ18 مليون، وظللنا نعمل بها على نفس المساحة حتى وصلنا 100 مليون، وبعد نقلها بتصميمات على أعلى مستوى، كان الفرق فى صالحنا، رغم وجود بعض المشكلات، وإن هذه الصناعة ستصبح نموذج للصناعات الأخرى، حين تتم رؤية التحول من صناعة كانت تحتضر، إلى هذا النموذج المتطور، والسوق المحلى يعتمد على بالأساس على الجلد الصناعى ويعتمد بنسبة قليلة على الطبيعى".

وأكد حربى قائلا: أى حاجة فيها نقل لو من شقة لشقة يكون فيها خسائر، وقابلتنا مشكلة نقل الماكينات من مصر القديمة للروبيكى حيث جلبنا ماكينات بالكامل، وتم تغير جزء من المكن الجديد، وجزء آخر من الماكينات القديمة، وهو ما أتلف بعض أجزاء من الماكينات خلال الفك والتركيب وهو ما حملنا خسائر كبيرة، ومنذ بداية النقل حتى الآن ونحن نعالج الخسائر، ووعدتنا الحكومة أنها ستتحمل معنا فيها هذه التلفيات ونحن ننتظر".

وأضاف الدكتور حربى، أن عجلة العمل تدور فنحن لو المساحة 100 متر هنشتغل، ورغم نقل عدد كبير من العمال معنا هنا إلا أنه تبقى المشكلة الأهم هى الأيدى العاملة حيث أن صناعة الجلود من الصناعات التى تحتاج أيدى عاملة كبيرة، وباقى العمال الذين تركناهم بسور مجرى العيون يتم التعامل معهم عن طريق شهرية وهم فى منازلهم.

وأوضح حربى أن الحكومة وفرت أتوبيسات لنقل العمال من سور مجرى العيون إلى الروبيكى لكنها لا تكفى، لأن عدد العمال كبير، مما يضطرنا إلى تأجير أتوبيسات وميكروباصات لنقل العمال، فالأتوبيس لا يسع سوى من 30 إلى 40 عامل فقط، وعدد العمال كبير جدا حيث أنه كانت تضم منطقة مصر القديمة أكثر من 320 مدبغة خاصة كبيرة وصغيرة ومتوسطة، ومخازن للجلود الخام، والكيماويات وورش صيانة ووحدات إنتاج الغراء والجيلاتين، ويعمل فيها حوالى 8 ألاف عامل.

وبالقرب من الحاج حمدى جلس المعلم سليمان عبد الله الزوقم يحكى له كيف كان مستأجرا ومالكا لمدبغة لكنه لم يحصل على قطعة فى الروبيكى، مثل الجميع ويحتاج من يوصل صوته للقائمين على تسكين صغار اصحاب المدابغ والورش بسور مجرى العيون، فهذه هى مهنته أبًا عن جد، وأن المشاكل التى حدثت فى بداية التسكين لأصحاب الورش، أثرت بالسلب على بعض المستفدين الحقيقين، الذين عجزوا عن توصيل صوتهم للمسئولين، مؤكدا أنه يمتلك وثائق الملكية والإيجار، وأن المكان بالروبيكى واسع يسع الجميع".

وفى النهاية ستخرج من مدينة الروبيكى وتعبر طريقا لا يتعدى عرضه 10 أمتار، وتسير فى الجبل أمام المدينة لمدة دقيقتان بالسيارة وتجد نفسك أمام ثلاثة محطات الصرف العام وصرف المياه المالحة ومحطة صرف مادة الكرومو، التى توفير 50% على أصحاب المدابغ، بإعادة استخدامه.

يذكر أنه يبلغ إنتاج الجلود المدبوغة فى مصر حوالى 126 مليون قدم مربع، ويمثل مجمع دباغة الجلود فى مصر حوالى 75% من إجمالى إنتاج مصر من الجلود، ويبلغ الإنتاج الحالى من الاحذية 70 مليون زوج حذاء فى السنة، وأن حجم الصادرات لدول العالم يصل لأكثر من 2 مليار جنيه.

استراحات عمال المدابغ
استراحات عمال المدابغ

 

اشارات الطريق وصولا للمدابغ
اشارات الطريق وصولا للمدابغ

 

اشارات الطريق وصولا للمدابغ_1
اشارات الطريق وصولا للمدابغ_1

 

الايد الشقيانه
الايد الشقيانه

 

الايد الشقيانه_1
الايد الشقيانه_1

 

الجلود فى مرحلتها النهائية قبل التصدير
الجلود فى مرحلتها النهائية قبل التصدير

 

الجلود قبل التصدير
الجلود قبل التصدير

 

الجلود قبل التصدير_1
الجلود قبل التصدير_1

 

الجلود قبل دخولها مراحل الدباغة
الجلود قبل دخولها مراحل الدباغة

 

الحاج سليمان الزوقم يروى مشكلته لليوم السابع
الحاج سليمان الزوقم يروى مشكلته لليوم السابع

 

الدكتور حمدى حرب ريئيس غرفة دباغة الجلود السابق
الدكتور حمدى حرب ريئيس غرفة دباغة الجلود السابق

 

الصنايعى يقف على ماكينته بكل حرفية
الصنايعى يقف على ماكينته بكل حرفية

 

العمل مستمر رغم درجة الحرارة
العمل مستمر رغم درجة الحرارة

 

اليوم السابع بالمدابغ
اليوم السابع بالمدابغ

 

بعض المدابغ تلقى مخلفاتها بالشارع
بعض المدابغ تلقى مخلفاتها بالشارع

 

حسن احد العمال بالمدابغ
حسن احد العمال بالمدابغ

 

سحب الجلود على ماكينة الفرد
سحب الجلود على ماكينة الفرد

 

عمال المدابغ خلال استراحة العمل
عمال المدابغ خلال استراحة العمل

 

عمال فى خلية الروبيكى
عمال فى خلية الروبيكى

 

مدينة الجلود بالروبيكى
مدينة الجلود بالروبيكى

 

مرحلة ازالة الشعر المرحلة الاولى فى الدباغة
مرحلة ازالة الشعر المرحلة الاولى فى الدباغة

 

مرحلة صباغة الجلود بالالوان
مرحلة صباغة الجلود بالالوان

 

مرحلة نقل الجلود للهناجر
مرحلة نقل الجلود للهناجر

 

نقطة الاطفاء
نقطة الاطفاء

 







مشاركة




التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

ali

نطالب بالرعاية الصحية الكاملة للعمال

هؤلاء العمال هم ثروة قومية يجب الحفاظ عليها، ولذا وجب على وزارة الصحة عمل تأمين طبي لهم، وعمل ورشة طبية لتعليمهم كيفية الوقاية من أضرار الصبغات المستخدمة في صناعة الجلود وتأثيرها على الصحة العامة، ولبس القفازات الواقية والأحذية الواقية وواقي الوجه من استنشاق الأبخرة وملابس واقية لأجسادهم، مع عمل فحص طبي دوري لهم لمعرفة مدى سلامتهم الصحية. وفقهم الله.

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة