سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 9 يونيو 1967.. عبدالناصر قبل خطاب تنحيه: «حجتهم أننى أثير المتاعب.. سوف نبطل هذه الحجة وعلى الكل أن يواجه الحقيقة»

السبت، 09 يونيو 2018 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 9 يونيو 1967.. عبدالناصر قبل خطاب تنحيه: «حجتهم أننى أثير المتاعب.. سوف نبطل هذه الحجة وعلى الكل أن يواجه الحقيقة» عبد الناصر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كانت الساعة السادسة والنصف صباحا يوم 9 يونيو «مثل هذا اليوم» عام 1967، حين توجه الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل إلى منزل الرئيس جمال عبدالناصر بمنشية البكرى، ومعه مشروع خطاب استقالته الذى طلب منه إعداده، وحسب هيكل فى كتاب «الانفجار- 1967»، فإن عبدالناصر كلفه بهذه المهمة فى حديث تليفونى بينهما مساء الخميس، ويعترف هيكل: «كانت تلك تجربة فى الكتابة من أقسى ما عانيت فى حياتى، وظللت معها ليلة كاملة دون نوم تحت وطأة هم الكلمات وقبلها هموم الحوادث».
 
وصل هيكل إلى بيت عبدالناصر فى الساعة السابعة إلا عشر دقائق، ووجده فى مكتبه ممسكا بسماعة تليفون يناقش طرفا آخر، هو عبدالحكيم عامر، انتهت المكالمة، وترك كرسى مكتبه، وجلس على مقعد آخر، ويصفه هيكل الذى جلس فى مواجهته: «لأول مرة كان فى استطاعتى أن أرى ملامح وجهه، كانت آخر مرة رأيته فيها قبل ذلك منذ ثمانٍ وأربعين ساعة، وإن كانت اتصالات التليفون بيننا لم تنقطع، وهو الآن بعد 48 ساعة فقط يبدو وكأنه أضاف إلى عمره عشر سنوات على الأقل، كان مرهقا بشكل يصعب وصفه، وكانت فى عينيه سحابة حزن لم أرها من قبل رغم أننى رأيته كثيرا فى خضم أزمات عاتية سبقت».
 
أعطاه هيكل مشروع خطاب الاستقالة، وتناقشا حول من سيخلفه، وبعد أن كان يرشح شمس بدران وزير الحربية، استقر الأمر على «زكريا محيى الدين»، ووصفه قائلا: «زكريا رجل عاقل، وذكى وفيه ميزات كبيرة، زكريا يمكن أن يكون مقبولا دوليا، وهو بالتأكيد قادر على الحوار مع الأمريكيين وهى ضرورة حتمية الآن، السوفيت قد لا يعجبهم اختياره بانطباعاتهم السطحية عنه، ثم مضى يقول: «لاحظ أن موضوع السوفيت مهم جدا، إذا كنا سنقبل بما هو قائم الآن فليس أمامنا إلا الاستسلام، وإذا كنا نريد حلا حقيقيا فلن نستطيع الوصول إليه قبل معركة أخرى، وهنا أهمية السوفيت».
 
قرأ هيكل نص خطاب الاستقالة، وأصغى عبدالناصر صامتا، وطلب تعديل عبارة «إننى على استعداد لتحمل نصيبى من المسؤولية» إلى «إننى على استعداد لتحمل المسؤولية كلها».. وفى الساعة الثامنة والثلث صباحا، اقترح على هيكل أن يذهب بمشروع الخطاب إلى مكتب «سامى شرف» على الناحية الأخرى من الشارع المقابلة لبيته لكى يتم كتابته بالآلة الكاتبة ومراجعته فى صورته النهائية قبل إعلانه، وطلب منه العودة إليه بعد أن يطمئن على أنهم فكوا رموز خطه، وعاد هيكل بعد بدء كتابة الخطاب، واتصل بمكتبه بالأهرام ليعرف آخر الأخبار، وكان أهمها أصداء موقف سوفيتى قوى تجاه عملية اليوم الأخير ضد سوريا، ويؤكد هيكل، أن عبدالناصر علق: «تأخروا كثيرا لكى يظهروا هذا الحزم ويعلنوه، وعلى أى حال لا أستطيع أن ألومهم.. لا أستطيع أن أتصور ما سيفعله الناس، والله لو أنهم أخذونى إلى ميدان التحرير وشنقونى فيه لما اعترضت عليهم.. لهم الحق»، ثم أضاف إنه «شعر أن وجوده قد يكون عبئا على الأمة فى محاولة تضميد الجراح والعودة مرة أخرى إلى ساحة الصراع، فالأمور تقتضى ضرورة نوع من التعامل مع الولايات المتحدة، وهو لا يشعر أنه قادر عليه لأن قلبه ملىء بالمرارة منهم، وهذا شعور خطر فى العمل السياسى، فنحن فى العمل السياسى لا نستطيع أن نحكم عوامل الحب والكره، وإنما لابد من تحكيم عوامل المصلحة كذلك فإنه فى أعماق قلبه يشعر بعتب شديد على السوفيت، لكن هذا أيضا شعور خاطئ، ففى السياسة لا يوجد مجال للعتاب، وإن كان ضروريا أن نعود مرة أخرى إلى ميدان القتال فإن صفحة جديدة لابد من فتحها مع السوفيت.. لأننا سوف نكون فى حاجة إليهم لإعادة بناء قواتنا مرة أخرى».
 
تجددت المناقشات بعد الانتهاء من كتابة الخطاب على الآلة الكاتبة، وقرأه هيكل بصوت مسموع حتى يتعود عليه، ولا ينفعل أثناء إلقائه، قال عبدالناصر: «كانت حجتهم دائما هى جمال عبدالناصر الذى يثير المتاعب لهم ولأصدقائهم، جونسون كان يقول ذلك، وفيصل كان يقولها أيضا، وكثيرون قالوها، سوف نبطل هذه الحجة وعلى الكل أن يواجه الحقيقة، فإما أننا أمة واحدة، وإما أننا نتحدث عن وهم، إما أن تقدر هذه الأمة فى يوم من الأيام على تحقيق ما تريد، وإما تقبل بالاستسلام لإسرائيل ومن وراءها».
 
فى الساعة السابعة إلا خمس دقائق ظهرت صورته على الشاشة وراح يقرأ.. وبعد دقائق من انتهاء الخطاب، امتلأت شوارع مصر والدول العربية ترفض التنحى.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة