ريحة الحبايب.. أميرة سيد مكاوى تفتح خزائن أسرار والدها مسحراتى الفن..غنى فى المسجد بدلاً من أن يؤذن للفجر ورفض إجراء جراحة لإعادة بصره ولهذه الأسباب رفض التلحين للعندليب.. وتزوج بسبب "الليلة الكبيرة"

السبت، 09 يونيو 2018 11:30 ص
ريحة الحبايب.. أميرة سيد مكاوى تفتح خزائن أسرار والدها مسحراتى الفن..غنى فى المسجد بدلاً من أن يؤذن للفجر ورفض إجراء جراحة لإعادة بصره ولهذه الأسباب رفض التلحين للعندليب.. وتزوج بسبب "الليلة الكبيرة" سيد مكاوى
كتبت زينب عبد اللاه

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

 

 

 

 

جلست إلى جوار جسد والدها المسجى على سريرها، ملفوفًا بكفنه الأبيض، تحاول أن تلمس يديه، لا تصدق أنه سيفارقها، تنظر إلى وجهه فترى ابتسامته المعتادة، تشعر أنه أراد أن يطمئنها، فتغمض عينيها لتتذكر كلماته ومواقفه وحنانه ومرحه الدائم، كانت دائمًا الأقرب إلى قلبه وصفاته، رفيقته الصغيرة التى لا تفارقه دائمًا، حتى أنه اختار أن يفارق الدنيا فى غرفتها وعلى سريرها، كانت ولا تزال أميرة مكاوى ابنة مسحراتى الفن وأحد عمالقته سيد مكاوى ترى الدنيا بعينيى أبيها اللتين فقدتا البصر، فمنحه الله عوضًا عنهما بصيرة وموهبة وروحًا متفردة ترى أبعد مما يرى المبصرون، أخذت تتحدث معه وهى تراه للمرة الأخيرة وتشعر أنه يسمعها، ويبتسم كعادته دائمًا، تردد بصوت خافت «ماتسيبنيش أنا وحدى»، «وحياتك ياحبيبى ريح قلبى معاك»، تتحسس خاتمه فى إصبعها الذى داعبته وأخذته منه وهو على فراش المرض ولم يفارق إصبعها حتى الآن.

1-(12)

 
كان سيد مكاوى ولا زال أحد عمالقة الفن ومبدعيه وترك لنا مئات الروائع التى لا تعد ولا تحصى، نشر البهجة والحب بألحانه وأغانيه التى تحمل البهجة، كما تحمل كثيرًا من روحه الطيبة، أصبح معلما من معالم شهر رمضان، بروائع المسحراتى التى وصف فيها حياتنا وقدمها بالتعاون مع الشاعر فؤاد حداد، كما قدم معه رائعته الأرض بتتكلم عربى، فضلًا عن روائعه مع صديق عمره صلاح جاهين، ومنها أوبريت الليلة الكبيرة، وأغنية هنحارب، والدرس انتهى لموا الكراريس، والرباعيات، وإبداعاته مع عمالقة الطرب.
 
300
 
تحمل أميرة الابنة الصغرى بين ابنتين لمسحراتى الفن الكثير من صفات والدها الراحل ومنها البساطة وخفة الروح وحب الفن، كما تحمل الكثير من أسرار وطرائف وأوجاع «أبوالسيد»، وهو الاسم الذى كما كانت تداعبه به ولازالت، وفى الحوار التالى تكشف كثيرًا من هذه التفاصيل والأسرار، وتتحدث عن نشأته وفقره وقصة فقده للبصر، كما تكشف أنه رفض إجراء جراحة لإعادة بصره فى عهد عبدالناصر، وسبب رفضه التلحين للعندليب عبدالحليم حافظ، وأسرار أصعب أيام حياته..وإلى نص الحوار:
 
100

حدثينا عن نشأة الوالد وطفولته؟

نشأ والدى فى حارة قبودان بالسيدة زينب لأسرة فقيرة لديها 3 بنات و3 أولاد، وهو من مواليد عام 1928، وفى طفولته أصابه التهاب فى عينيه وعالجَته أمه بالطب الشعبى نظرًا لضيق الحال، وذلك بإضافة مسحوق البُنّ فى عينيه، ففقد بصره بالكامل، ورغم مرارة هذه الواقعة كان أبى يتذكرها ضاحكًا، ويقول: «مش كانوا يحطُّوا لى شاى أظرف؟»، وبعدها أرسلته جدتى ليتعلم القرآن فى الكتاب كما كان يحدث مع كل ممن فقد بصره، حيث حفظ القرآن كاملًا، ثم توفى والده واضطر أبى إلى إعالة الأسرة حيث عمل مقرئًا ومنشدًا فى الموالد.

وكيف بدأت موهبته فى الغناء والتلحين؟

بدأت موهبته وشغفه بالموسيقى منذ الصغر، ورغم أن والدته لم تكن متعلمة، إلا أنها كانت تشترى له الأسطوانات القديمة من بائع الروبابيكيا، لذا حفظ عن ظهر قلب آلاف الألحان القديمة التى أصقلت موهبته فى التلحين، كما أن حفظه للقرآن زاد من إحساسه المرهف، وكان يحكى أنه فى إحدى المرات كان مفترض أن يؤذن لصلاة الفجر فى جامع أبو طبل، وأخذه الغناء ونسى الأذان، وحكى عن هذه الواقعة قائلا: «بدل ما أقول الأذان قعدت أغنِّى، شفتى جنان أكتر من كدا؟ المزيكا من وأنا صغير ندهتنى زى النداهة، وبعدها تعرف على أول صديقين فى تاريخه الفنى وهما الشقيقان إسماعيل رأفت ومحمود رأفت وكانا من أبناء الأثرياء ومن هواة الموسيقى وكانا لديهما فى المنزل آلاف الأسطوانات من تراث الموسيقى الشرقية وكان والدى لديه ذاكرة موسيقية كبيرة، ويحفظ الألحان بسرعة وكون مع صديقيه ما يشبه التخت لإحياء حفلات الأصدقاء.

وكيف بدأت شهرته؟

تقدم والدى للإذاعة كمطرب وليس كملحن وأُجيز بأغنية لحنها عبدالعظيم محمد، ثم بدأ طريق التلحين بأغنية «حكايتنا إحنا الاتنين»، لليلى مراد وظل ملحنا لفترة طويلة إلى أن حدث العدوان الثلاثى والنكسة فبدأت تنتشر الحفلات وجمع التبرعات للجيش، وبدأ يغنى فى هذه الحفلات ومن هنا تحول من ملحن إلى ملحن ومطرب.

حدثينا عن قصة حبه وزواجه وحياته الأسرية؟

والدتى زينات خليل رسامة تشكيلية وهى ابنة تاجر كبير فى دمنهور، وأصرت على أن تكمل تعليمها الجامعى، فجاءت إلى القاهرة والتحقت بكلية التربية الفنية، حيث كانت تهوى الرسم، وعاشت فى بيت للطالبات، وحكت لها إحدى زميلاتها عن أستاذها سيد مكاوى الذى يدرس العزف على العود؛ فوقعت والدتى فى غرامه قبل أن تلقاه، وطلبت من زميلتها أن تذهب معها لمقابلته بحجة رسم اسكتشات لمشروعه الفنى الجديد «الليلة الكبيرة»، وبعدها أعجب بها والدى وطلبها للزواج وتزوجا عام 1961، وبدأت بينهما قصة حب وكفاح كبيرة جمعت بين أبو السيد ونونا، وهو الاسم الذى كان يدللها به والدى، وآمنت أمى بأبى كما لم يؤمن به أحد، وحرصت على أن توفر له كل ما يعينه على التفرغ لفنه، وكانت بالنسبة له السند، كان أبى يقول دائمًا «أمك دى عينيا اللى باشوف بيها، لولاها ماكانش أبوكى هو اللى قدامك دلوقتى، حافظت عليا ومشرّفانى قدّام الكل، لولاها كان زماننا بنشحت وأبوكى فرتك الفلوس كلها، نونا دى ست الكل»، وكانت أمى تحكى أنها عندما تزوجت استلفت فستان الفرح من صديقتها، وتقول دائما ماحدّش أكرمنى ولا حبّنى زى سيد»، وكانت والدتى تعمل مدرسة رسم ثم التحقت بالاتحاد الاشتراكى، ثم مجلس الشعب وكانت وكيل لجنة التعليم والبحث العلمى، وأثمر الزواج عن ابنتين أنا وشقيقتى الكبرى إيناس التى تعمل فى جامعة الدول العربية.

 

200

 كتبت أنك كنتى تعتقدين فى طفولتك أن والدك مبصر، وظل هذا الاعتقاد يساورك طوال حياتك فلماذا؟

ظللت طوال طفولتى على يقين بأنه مبصر، حيث كان يتحرك بسهولة دون مساعدة، ويلعب الدومينو بحرفيةِ ولا يستطيع أحد أن يغلبه! كما كان يصلح الأجهزة حين تتعطل فى المنزل، وكان يتصرف كأنه مبصر، وعندما كبرت كنت أقف أمام غرفته دون أن أصدر أى صوت فأجده ينادينى، تعالى ياست «ميللو» وهو الاسم الذى يداعبنى به، وفى إحدى المرات دخلت وظللت أنظر فى وجهه، فإذ به يباغتنى: «بتبصّى لى كدا ليه؟» فضحكت وقلت له أنت أكيد بتشوف ياأبو السيد ومخبى علينا، حتى أنه كان عندما طلبت منه أن يصفنى وصف وجهى وبشرتى بالتفصيل، وعندما سألته: عرفت شكلى منين؟ ابتسم وأجاب: بقلبى، مش مهمّ شكلك اللى الناس بتشوفه، اللى أنا بشوفه هو الأصحّ، لأنى بشوف بقلبى، بشوف ملامح الروح وصوت قلبك، وبعرفك من خطوتك، وكل واحد ليه فى ودنى بصمة، حتى لو بيتسحب.

وهل حقا كان هناك أمل فى أن يعود مبصرًا بإجراء جراحة ولكنه رفض؟

بالفعل عرضت عليه الدولة فى عهد عبدالناصر السفر لإجراء جراحة فى الاتحاد السوفيتى، وكانت وقتها بدأت عمليات زراعة العيون ولكنه رفض، وعندما سألته عن السبب قال لى: «شوفى يا ستِّى، الخيال ده حاجة جبارة، أنا بتخيَّل كل حاجة، يعنى أنا متخيل الشجرة حاجة، أفتح ألاقيها حاجة غيرها؟ أتصدم فيها ليه؟ الحمار مثلًا أفتح ألاقيه حاجة تانية، أقوم أزعل منه وأنا بحبه؟»، ثم يضحك وكأنه يرفض أن يخرجه أى شىء عن عالمه وخياله حتى وإن كان استعادة بصره.

الوالد كان يتمتع بخفة ظل شديدة وكان يمتلك قلب طفل فحدثينا عن هذا الجانب؟

دائمًا أقول إن والدى كان طفلا يكتب فى الأوراق الثبوتية عمرا غير عمره، فكان يحب الضحك ويجمع أطفال الجيران ليلعب معهم، ويلقى النكات وتسعده المقالب، وكان حتى عمر الخامسة ويلعب بالبمب فى العيد كالأطفال، وكان يضحك حتى على نفسه، وكان يحكى أنه كان يقود دراجة صديقه وهو طفل ويضحك قائلا «أبوكى ده كان جن: واعتقد أن روح الطفل التى احتفظ بها هى التى ساعدته فى التغلب على كل الصعاب التى واجهها، فكان رقيق الطباع مبتسما طوال الوقت ولم أره منفعلا أو غاضبا أبدا».

وهل كانت له عادات خاصة فى شهر رمضان؟

كان يستمع إلى القرآن طوال اليوم، وفى وقت الإفطار يحرص أن نكون جميعا على المائدة وأن يفتح الراديو على صوت آمال فهمى، أما وقت السحور فلابد أن نستمع لروائع المسحراتى، وكان يحرص أن يحضر لى ولأمى وأختى وأبنائها فانوس رمضان التقليدى حتى بعد تطور أشكال الفوانيس، حيث كان أبا حانيا وصديقا رائعا.

وماذا عن حكايته مع المسحراتى؟

المسحراتى كان برنامجا يقدم فى الإذاعة بعدة مؤلفين وملحنين، وعرضت الفكرة على صلاح جاهين، وقال «إزاى تطلبوها منى وفى فؤاد حداد فى الدنيا»، ورشح فؤاد حداد وقال إنه الأجدر بكتابتها وبالفعل أسندت الحلقات التى كتبها فؤاد حداد إلى سيد مكاوى، فقرر والدى تقديمها بالشكل التقليدى وهو طبلة المسحراتى مستغنيا عن الآلات الموسيقية وهو مالاقى استحسانا كبيرا، وتم إسناد العمل كاملا إلى فؤاد حداد وسيد مكاوى ليستمر تقديمها فى الإذاعة المصرية بهذا الشكل لسنوات طويلة وصف فى حلقاتها مصر بكل ما فيها وصفا دقيقا، وللأسف فإن الحلقات التى تم نقلها للتليفزيون ليست كل ما هو موجود فى الإذاعة، حيث يوجد بالإذاعة أضعاف ما يعرض من حلقات المسحراتى بالتليفزيون، حيث بلغت أكثر من مائة حلقة، وأخشى أن يفقد هذا التراث العظيم ويضيع.

حدثينا عن علاقة الوالد بصلاح جاهين وفؤاد حداد؟

سيد مكاوى وصلاح جاهين تربطهما علاقة روحية أكثر من علاقة العمل، وكان لهما طرائف ونوادر ولا يتوقفان عن الضحك معا، فقد كان جاهين توأم روح أبى وصديق عمره، وكانت درة أعمال جاهين الفلسفية وهى الرباعيات من ألحان سيد مكاوى، فبالرغم من تعاون كليهما مع العديد من النجوم إلا أن لقاءهما معا كان له نكهة خاصة ومختلفة وأنتجا معا أهم الروائع التى أبدعها كل منهما، وكان عمو صلاح فردا من عائلتنا، ومن المرات القليلة التى رأيت والدى يبكى فيها عندما توفى عمو صلاح فبكى والدى بكاءً شديدًا، وقال: «أنا دلوقتى بقيت يتيم»، أما فؤاد حداد فقد كان صلاح جاهين هو الرابط بينه وبين سيد مكاوى، وتوطدت علاقتهما بعد المسحراتى.

وما أهم المواقف التى أغضبته خلال عمله؟

لم يغضبه فى عمله شىء سوى حملة صحفية تعرض لها وقت عرض المسحراتى على التليفزيون، حيث ظهر التتر ولم يكتب فيه اسم فؤاد حداد، واتهم وقتها أبى بأنه تعمد إخفاء اسمه بخلاف الحقيقة، حيث لم يكن يعلم أن الاسم محذوف من التترات، مما اضطره أن يقول: «أنا مش شايف التتر علشان أعرف».

حدثينا عن أشهر وأطرف مواقفه مع عمالقة الفن وكواليس روائعه؟

أشهر هذه المواقف هى قصته مع أم كلثوم، حيث لحن لها أغنية «يامسهرنى»، وجمعتهما الكثير من المواقف المضحكة فى البروفات، ومنها أن أم كلثوم كانت تستيقظ مبكرًا للبروفات، وظل والدى ملتزمًا بالموعد، وفى إحدى المرات تأخر عن موعد البروفة من التاسعة صباحًا، إلى الواحدة ظهرًا، وحينها استقبلته أم كلثوم وهى تغنى «طالت الأيام تعالالى قوام»، فرد عليها «أصل أنا كنت سايق العربية وأنتى عارفة الإشارات». كما كانت له العديد من المواقف الطريفة مع الفنانة وردة التى ربطته بها علاقة قوية، وكنت أحضر أغلب البروفات التى كانت تشع بهجة وجمالا، وكانت وردة تأتى بطفولتها وضحكتها المبهجة وتداعب أبو السيد: «إيه دا؟ جاى قبلى؟! أنت عيان ولا إيه؟ خلينى أشوف حرارتك كدا»، وتضع يدها على جبهته وتعلو أصوات الضحكات، وكانت دائمًا تحرص على أن تدخل الاستوديو ومعها الهدايا للموسيقيين، أو تدعوهم بعد البروفة للغداء أو العشاء، وتهتف مثل الأطفال بعد أن تحفظ اللحن والكلمات: «الله! أنا حفظت! يا حلاوة البسبوسة!».

ولماذا لم يلحن لعبدالحليم حافظ رغم رغبة العندليب فى التعاون معه؟

والدى كان يرى أن عبدالحليم يتعامل مع مجموعة من الملحنين يعملون معه منذ بدايته، وأنهم نجحوا معا ولهذا لم يرغب فى أن يغير عبدالحليم مجموعته.

 

حدثينا عن تفرده وابتكاره لأشكال فنية جديدة؟

تفرده نبع من حفظه لتراث من سبقه وحفاظه على المدرسة الشرقية فى التلحين فسيد مكاوى يعتبر آخر من تمسك بتلك المدرسة الطربية، وكان امتدادا لأساتذته سيد درويش وزكريا أحمد، وكان أول من ابتكر تترات المسلسلات الإذاعية الدرامية، كما كان يؤمن بأن الفن مصدر للبهجة، وكان على مستوى الحياة العادية شخصا كارها للنكد، لذا كانت معظم ألحانه وأغانيه مبهجة، ولم يقدم أغانٍ أو ألحانًا حزينة، إلا عندما وقعت مذبحة مدرسة بحر البقر حين قصفها العدوّ الإسرائيلى، فقدّم أغنية «الدرس انتهى لِمُّوا الكراريس» من كلمات صلاح جاهين، وغناء شادية، وقدم أغنية «هنحارب» وقت النكسة لأن الناس كانوا فى أمس الحاجة إلى ما يرفع الحالة المعنوية، فاتفق هو وصلاح جاهين على تقديم أغنية وتوجها إلى الإذاعة، ولكنهما لم يجدا أحدا فاستعانا بالسعاة والفراشين ومهندسى الصوت وخرجت الأغنية للنور
.

وما أصعب المواقف التى مرت عليه؟

شاء القدر أن أكون شاهدة على كل انتكاساته الصحية، وأن أكون بجانبه فى كل منها، حيث كنت معه وحدى فى العاشرة من عمرى حين سقط أمامى على سُلّم مترو الأنفاق فى لندن، ورغم أنه لم يصب بأى عرض جسدى، ولكن الندبة النفسية التى تركتها فكرة السقوط أمامى ظلّت محفورة فى وجدانه، كما كنت أول من سمع آهاته حين داهمته الأزمة القلبية ليلًا، وكنت فى السابعة عشرة من عمرى وأذاكر للثانوية العامة، كما كنت رفيقته فى مرضه الأخير حين أصيب بالتهاب رئوى، ووضع على أجهزة تنفس وكانت من أصعب فترات حياته، حيث فقد القدرة على الكلام بعدما أجريت له عملية شق حنجرى، وظل لمدة 3 أشهر لا يستطيع التواصل مع الناس وقبل وفاته بـ3 أسابيع بدأ يتحدث بصوت ضعيف، وعاد من المستشفى لينام فى غرفتى، وتحدث معى قبل وفاته وبكى وظننت أنه سيتعافى ولكن توفاه الله، وكان عمرى 24 عاما بعدما أدى صلاة الفجر.

ما النصائح التى كان يرددها ولاتزال تتردد فى أذنك؟

كان يتعامل مع الناس ببساطة ويقول دائمًا لا تنسى أن أبوكى كان فقيرًا، وينصحنى أن أحترم الناس على اختلافهم، وأن أحرص على البساطة مع الجميع، كنت أرافقه فى كل مشاويره، وكلما توقفت السيارة رأيت الناس يهتفون «منوَّر يا عمّنا»، «يا شيخ سيد يا فللى»، «حلوين من يومنا والله»، وهو يضحك ويبادل الجميع القفشات والضحكات ويقول لى: «الناس دى هى اللى عملتنا، محبتهم هى اللى ودّتك المدرسة وركّبتك العربية».

 

هل فكرت فى كتابة السيرة الذاتية للوالد؟

نعم، وأنا بصدد إصدار كتاب عن حياة والدى خلال هذا العام، كما أكتب سلسلة مقالات عن علاقتى به، بعنوان «حكايتنا إحنا الاتنين»، وهى أول أغنية عاطفية لحنها لليلى مراد، ولكننى لست متحمسة لتقديم سيرة والدى فى عمل درامى.

بماذا كان يحلم سيد مكاوى؟

كان لديه حلم أن يؤرخ لنداءات البائعين فى مصر، وكان يرى أن البائعين يغنون أثناء الترويج لبضاعتهم وأصواتهم جميلة والزجل الذى كانوا ينظمونه يحتاج إلى التوثيق، وكانت أعماله دائمًا تتخطى قيمتها الفنية وتصبح علامة وتوثيقًا ووصفًا لمصر وأهلها، مثل الليلة الكبيرة والمسحراتى، كما قدم مع فؤاد حداد للإذاعة ديوانًا كاملًا اسمه «نور الخيال وصنع الأجيال»، وكانت أقرب الأعمال إلى قلبه ما قدمه مع فؤاد حداد وصلاح جاهين، كما قدم أعمالًا دينية عديدة للإذاعة المصرية، ووضع اللحن الشهير لأسماء الله الحسنى بصوت 35 شيخًا، وقدم «مولد الهادى» و«حيارى على باب الغفران» لليلى مراد وأدعية رمضانية مع وردة، فضلًا عن أجمل الأغانى التى تبعث على التفاؤل مثل «أوقاتى بتحلو»، «عندك شك ف إيه»، «حلوين من يومنا والله»، «وحياتك يا حبيبى»، «ليلة امبارح»، «كده أجمل انسجام»، «يا حلاوة الدنيا».










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة