تغييرات واسعة شهدتها مصر على مدار السنوات الأربع الماضية ليس على الصعيد الداخلى فقط وإنما الخارجى أيضا، بعض هذه التغييرات رغم صعوبتها إلا أنها نالت الكثير من الإشادات الدولية باعتبارها تمثل صياغة جديدة لمصر ما بعد الثورة وسنوات من الاضطرابات السياسية والاقتصادية.
وفيما أدى الرئيس عبد الفتاح السيسى اليمين الدستورية ليبدأ ولاية رئاسية ثانية مدتها أربع سنوات، فإنه يمكن القول أن الرئيس المصرى كان محط أنظار ورقابة من المؤسسات الدولية الكبرى التى طالما سعت لتقييم أداءه داخليا وخارجيا، منذ توليه ولايته الأولى فى 2014. رغم بعض الانتقادات التى تعلقت بقضايا محددة، غير أن الإشادات كانت حاضرة بقوة بشأن الأداء على الصعيد الاقتصادى والسياسة الخارجية.
شهد نوفمبر 2016 إطلاق حزمة من الإجراءات والقرارات الحكومية الجادة والجذرية، فى إطار الإصلاح الهيكلى للاقتصاد المصرى وتحسين بنيته العامة وضبط العلاقة بين أطرافه، مستهدفًا تحسين مناخ الاستثمار المباشر وتقليل الفجوة بين الواردات والمصروفات وإصلاح بيئة العمل الاقتصادية بما يشجع المستثمرين على دخول السوق، وهى الإجراءات التى عبر عديد من المتخصصين عن أهميتها وأثرها الإيجابى.
وأكد تقرير نشره معهد "ستراتفور" الأمريكى للأبحاث، فى مطلع عام 2017، أن مصر ستشهد استقرارًا اقتصاديًّا، بما يكفى لتمكينها من صياغة سياسة خارجية مستقلة، وقال التقرير، إن الحكومة المصرية ستنجح فى جذب استثمارات جديدة، وتوفير حزم تمويلية من شركاء خارجيين عبر هذه الاستثمارات، مشيرًا إلى أن القاهرة خفضت قيمة العملة الوطنية "الجنيه"، وأتمت اتفاقها مع صندوق النقد الدولى بشأن قرض بقيمة 12 مليار دولار، وأصلحت منظومة الوقود وخريطة أسعارها.
وأشارت مؤسسة "أكسفورد بيزنس جروب" البريطانية للاستشارات الاقتصادية، إلى قرار تحرير سعر الصرف "تعويم الجنيه"، قائلة إنه رغم فقدان العملة لنصف قيمتها تقريبًا أمام الدولار، إلا أن البورصة المصرية قفزت قفزات كبيرة عقب هذا القرار، كما أن كثيرين من المساهمين أشاروا إلى أن تخفيض قيمة الجنيه سيزيد من المنافسة فى الصادرات ويفيد السياحة.
وأكدت أن العديد من القطاعات الاقتصادية فى مصر استعادت الزخم خلال عام 2016، منها قطاع التجزئة، إذ عادت مصر إلى مؤشر تطور تنمية التجزئة العالمى لأول مرة منذ العام 2011، متابعًا: "زيادة توليد الطاقة كانت معلمًا آخر لعام 2016، مع التركيز على المطالب المنزلية المتزايدة، والقطاع الصناعى المتنامى فى مصر".
وأصبحت مصر نموذجا يحتذى به للدول التى تريد أن تخرج من كبوتها الاقتصادية، فالاستثمارات الأجنبية فى سوق الأوراق المالية فى مصر بلغت أعلى مستوياتها منذ عام 2010، كما أن الاستثمارات المباشرة آخذت فى الارتفاع، وعدلت وكالة S&P العالمية للتصنيف الائتمانى، توقعات مصر صعودا إلى مستقر، مما يؤكد بشكل فعال قدرتها على مواصلة النمو.
وأظهر استطلاع للرأى أجرته وكالة رويترز، فى يوليو 2017، أن الاقتصاديين يتوقعون نمو اقتصادى فوق 4٪ فى 2018 و 2019، مما سيساعد مصر على تقليص فجوة الإنفاق العام المتلاحقة التى تقترب 8٪ من نموها المحلى، ورغم العجز الكبير فى الميزانية، غير أن شبكة "سى.إن.بى.سى" الأمريكية، تشير إلى أن جزءا كبيرا من الديون هى محلية وهذا يعنى أنه من غير المرجح أن تجد مصر نفسها تحت رحمة المستثمرين الأجانب الذين يطلبون عوائد أعلى على ديونها، وبصورة منفصلة فإن البلاد ترتبط ببرنامج تمويل النقد الدولى بقيمة 12 مليار دولار من شأنه أن يساعد على تحقيق المزيد من الاستقرار فى الاقتصاد.
هذه التطورات دفعت بعض مراكز الأبحاث لدعوى دول مثل تونس والسودان للاستفادة من الخطوات التى اتخذتها مصر لإصلاح نظام الدعم. وقال مركز كارنيجى الأمريكى للأبحاث، فى تقرير صادر فى نهاية يناير الماضى، إنه ينبغى على تونس والسودان، على وجه الخصوص، أن تستمدّا العِبَر من مصر، حيث أثبتت جهود إصلاح الدعم الحكومى نجاحها. وأشار إلى أنه عبر هذه القرارات وجّهت مصر إشارة إلى المجتمع الدولي بأنها تأخذ الإصلاح الاقتصادى – وربما السياسى – على محمل الجد.
الإشادات الدولية بآداء السيسى لم تتوقف فقط عند القرارات الاقتصادية الصعبة التى خشى أسلافه من الرؤساء السابقين الإقدام عليها، مما ضاعف فاتورة الإصلاح، ولكن أيضا كانت السياسة الخارجية المصرية محل إشادة واسعة. ففى مقابلة مع اليوم السابع، أكتوبر الماضى قال الدكتور ساشا توبريتش، مدير مبادرة حوض البحر المتوسط لدعم عمليات الانتقال السياسى فى بلدان شمال أفريقيا، إن خطاب الرئيس السيسى أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة هو تأكيد على قيادته على المسرح العالمى ومؤشر على عودة مصر إلى دورها الإقليمى والدولى بعد فترة اضطرابات سياسية واقتصادية.
الرئيس السيسى تحدث عن أفريقيا كجزء فى صميم السياسة الخارجية لمصر وجذورها التاريخية، فضلا عن اتفاقية الضرائب الحرة التى تتمتع بها مصر مع القارة السمراء، وهذا أمر مهم للغاية بالنظر إلى الآفاق الواسعة فى هذه القارة بالنسبة للشركات المصرية.
وأشار الخبير الأمريكى إلى أن السيسى تحدث عن تمكين الشباب ومكافحة الإرهاب والتطرف، وكان من المهم مناقشة قضية الإرهاب وما يتعلق بالإخوان لأنه ليس خطأ أن يتحدث أمام العالم كله عنهم، فى ظل فقر الحقائق بشأن هذه الجماعة فى واشنطن، مضيفا "أعتقد أن الرئيس المصرى بكلمته رسخ نفسه كواحد من قادة القرن الـ21 كما أنه بقيادته لمصر جعلها لاعبا رئيسيا فى الشرق الأوسط خاصة ما يتعلق بعملية السلام."
ومن دورها البارز على صعيد القضية الفلسطينية مرورا بموقفها من الأزمة السورية وصولا إلى سياستها تجاه التقارب مع روسيا، فإن السياسة الخارجية المستقلة لمصر جذبت أنظار العديد من المراقبون الأمريكيون، فقالت دورية "فورين أفيرز" الأمريكية إن مصر، فى ظل قيادة الرئيس السيسى تتبع نهجاً فى السياسة الخارجية يقوم على تحقيق مصالحها أولا فيما وصفته المجلة بنهج "مصر أولا".
وأضافت الدورية الأمريكية المرموقة فى تقرير يناير الماضى، أن استقلال قرارات القاهرة فى سياستها الخارجية أحبط العديد من الأطراف الأجنبية، لكنه لا ينبغى أن يكون مفاجئا، فقد كان رغبة واستعداد مصر لكى تسلك مسارها الخاص.
وأشارت إلى أنه بقيادة السيسى قامت القاهرة تدريجيا بصياغة مذهب جديد فى السياسة الخارجية قائم على الالتزام الأيديولوجى برفض الإسلام السياسى واحترام المفاهيم التقليدية المتعلقة باحترام السيادة، وعدم التدخل فى شئون الدول، والتأكيد القومى على حرية مصر فى المناورة فى المنطقة، وهو ما أدى إلى ابتعادها عن حلفائها التقليديين نحو مستقبل أكثر استقلالا.
وفى ظل هذه الرقابة الواسعة لتحركاته، اختارت مجلة فوربس السيسى فى قوائمها لأكثر 75 شخصية مؤثرة على مدار أعوام 2014 و2015 و2016 و2018. وتعتمد قائمة فوربس على أربعة معايير لتحديد القوة وهى مدى السلطة التى يملكها الشخص المرشح لدخول القائمة على كثير من الناس، والثانى الموارد المالية التى يسيطر عليها، والثالث مدى قوته فى عدة مجالات، والرابع أن يكون المرشح يمارس سلطته بالفعل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة