الانبا ارميا

"الاختبار"

الجمعة، 29 يونيو 2018 08:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تحدثنا فى المقالة السابقة عن أهمية سعى جميع البشر نحو تحقيق السلام العالمى إذ صار أمرًا يتوقف عليه مستقبل العالم بأسره : فإما هو خطوات نحو الحياة ، أو من دونه إسراع نحو هاوية الموت! كذٰلك فإن هٰذا السلام ينطلق من حياة الإنسان إلى الآخرين من حوله؛ يبدأ بمد يد الخير بين البشر بعضهم إلى بعض فى رحلة الحياة. إلا أن أحدهم قال لي: وماذا عن الشر الذى يملأ العالم حتى بات فى كل مكان، وكأنك لا تستطيع الفِرار منه ؟!
 
تذكرت مع ترديده هٰذا السؤال ما قرأته قبل أيام قليلة فى أحد الكتب المشوِّقة التى تتحدث عن الحياة بعد الموت ، وهو لأحد جراحى المخ  د. "إيبن ألكسندر" الذى لم يكُن يؤمن بوجود الروح أو الحياة بعد الموت، إلى أن تعرض لحالة من الغيبوبة المفاجئة استمرت سبعة أيام ، ليكتشف الأطباء إصابته بالتهاب سحايا حادّ لن ينتهى إلا بموته ، أو على أفضل تقدير يظل فى حالة غيبوبة : أى إنه يَضحَى"الحاضر الغائب" : الحاضر بجسده الغائب عن الحياة !! إلا أن الأمر انتهى بما يُشبه المعجزة ليعود بعد ذٰلك إلى الحياة، ويسجل لنا رحلته فى كتاب أطلق عليه "إثبات السماء" حيث كتب : "إن وجود الشر على الأرض أمر ضرورى ؛ إذ من دونه ستصبح الإرادة الحرة ( للإنسان ) دربًا من المستحيل ، ومن دون الإرادة الحرة لا يُمْكن الإنسان أن ينمو أو تكون له حركة إلى الأمام ؛ لن توجد فرصة لنُصبح ما يريد الله لنا أن نكون إياه ...". نعم ، فإن وجود الشر هو الاختبار الحقيقى فى الحياة لإرادة الإنسان ولخياراته : فإما القيام بأعمال الخير والصلاح ، وإما السير فى طريق الشر والحقد والكراهية؛ وهو أهم قرارات الإنسان فى رحلة حياته إذ هو الأساس الذى يبنى عليه حياته وخياراته الأخرى فى الحياة؛ وهٰذا ليس بالأمر السهل، ولٰكنه فى الوقت نفسه ليس بالمستحيل. 
 
يقول "ألكسندر" إنه على الإنسان أن يتخذ القرارات الصحيحة : أى أعمال الخير والمحبة، بإرادته الحرة، فى تصديه للشر ولعدم العدل على الأرض؛ وذٰلك لن يسبب له عناءً كثيرًا وبخاصة عندما يتذكر ذٰلك الجمال الرائع الذى ينتظره فى السماء . نعم ، فقانون السماء هو الخير والعدل والمحبة والأمانة ، إلا أن ذٰلك يتطلب كثيرًا من المسؤولية والثقة: مسؤولية الطريق ، والثقة بعدل الله وبمحبته . وفى هٰذه الرحلة التى يجتازها الشخص يحتاج إلى كثيرًا من القوة والمثابرة والصمود إزاء ما يصادفه من إحباطات وتعثرات وشرور، وفى خضم كل هٰذه هو ينمو ويزداد نضجًا ويحقق رسالته التى خلق من أجلها.
فى بساطة شديدة، الحياة رحلة لا يختار الإنسان فيها موعدَى ميلاده ولا موته ولا أسرته، ولٰكنه يختار خطواته، وما يرغب فى أن يكون إياه، وما يرفضه. إنها رحلة نحو الأبدية . 
 
• الأُسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى .






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة