وائل السمرى

فى يوم الأب العالمى

السبت، 23 يونيو 2018 03:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
النظرة الأولى سهم نافذ، واللحظة الأولى تجبرك على الاعتقاد أن العالم توقف عند قدميك، والأرض كفت عن الدوران، والسماء هنا بين راحتيك.
 
هنا تعرف أن العمر أثمر عن شىء حقيقى لا تنكره القلوب ولا يجحده الجاحدون، هنا تعرف أن الله حق، وأن القدرة حق، وأن البشر نيام، لا ينتبهون إلى معجزة المعجزات، ولا يرون الله فى كل لحظة فى «هذه اللحظة».
 
تود أن تصرخ، لكنك لا تعرف بماذا تصرخ، حولك الوجوه وكأنها كواكب متراصة فى مجموعة شمسية أنت مركزها، يسيرون حولك فلا تعرف هل أنت الثابت وهم السائرون أم أنت السائر وهم الثابتون؟
 
تجهل أشياء وتغيب عنك أشياء، لكن لا يغيب عنك أبدا إنكم وإن كنتم مثل المجموعة الشمسية، فإن قوة هذا «النجم» كامنة فى تلك «اللحمة الحمراء» التى تحملها بين زراعيك فلا تكاد تبين.
 
تقول لنفسك ماذا لو وقفت الحياة هنا، وأنت تحتضن بزراعيك كل الحياة، ماذا لو ترك العالم كل شىء للحظة واحدة ليشاركك هذه اللحظة ويعرف أن الله دائما لديه المزيد.
 
كم عرفت من أنواع الحب، كم تألمت وكم سعدت، لكن هذا هو المزيد، فجأة يتحول العالم السابق إلى أصفار، والأحبة السابقون إلى أصفار، والمشاعر السابقة إلى أصفار، شوقك إلى تلك «اللحمة الحمراء» هو الشوق، وما عدا هذا «أصفار».
 
تقع فى فخ النظرة الأولى، والنظرة الأولى طلسم، سحر أبيض، لغز غامض، يلقى إلى العين، فيتلقفه القلب إلى غير عودة، تعويذة يقرأها عليها ملك الحياة، فتظل أسيرا لنعمتها الوافرة، شرك وشباك ومصيدة، وأنت تقع مختارا مزهوا مختالا.
 
تفتح قلبك على مصراعيه، تقف على أعتاب دنيا جديدة، كل شىء مختلف، لا أنت أنت ولا قلبك هو ذاته، ولا عينيك تبصر ما اعتدت أن تراه، كل شىء مختلف، حقيقى تماما، وخيالى تماما، مضى من العمر ما يقرب من النصف، يزيد أو يقل، كنت قبل لحظات واهما متوهما، تظن أنك عرفت ورأيت وخبرت وعاينت، وتعلمت، لكنك ها هنا فى هذه اللحظة الثقيلة تدرك تماما أنك لم تتعلم بعد، وأن «المزيد» الذى أرسله الله إليك جاء ليقول لك ما لم تقله الكتب، وليعلمك ما لم تعلم، ويخرجك من الظلمات إلى النور.
 
تدرك فى لحظة ما لم تدركه فى حياتك كلها، تقول لنفسك، ما كل هذه المعرفة التى تنهال عليك، تفرح لأنك تحب المعرفة، وتقول بفخر الحياة تعلمنى و«ابنى يعلمنى» لكن لا تهنأ بتلك الفرحة المفاجئة، يسيطر عليك شعور غريب بالموت، تجهد نفسك فى التفسير، لماذا أتيت يا أيها الموت المقيت؟ لماذا تعكر هذه اللحظة البيضاء؟ لماذا تصر على إفساد لحظة هزيمتك وأنت الفائز دوما؟
 
تطرد كل هذه الأسئلة من رأسك وتتأكد من أن حضور الموت هنا هو حضور المهزوم، ليس على طريقة أن الموت يهزم بالحياة، لكن لأنك أخيرا وجدت فى الحياة البشرية شيئا أبلغ من الموت، سهل عليك أن تتخيل ملك الموت يقترب من الإنسان ويقبض روحه، لكنك لم تكن لتتخيل يد الله وهى تخلق وتهدى إليك آخر إبداعاتها، فتحتضن ابنك بقوة ألف قلب وقلب، وتشم فى أعطافه رائحة لن تنساها ما حييت.
 
ما سبق جزء من كتابى «ابنى يعلمنى»، المنشور فى الدار المصرية اللبنانية 2015 أنشره احتفالا بيوم الأب العالمى.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة