أبحر المحمل الشريف من السويس إلى جدة فمكة، ثم المدينة المنورة يوم 8 يونيو 1926، ولم تكن الحكومة المصرية تتوقع أنها المرة الأخيرة لتلك العادة، وحسب الدكتور محمد حسين هيكل فى مذكراته، عن «دار المعارف -القاهرة»: «كانت مصر تبعث كل عام منذ عهد الملكة شجرة الدر بالمحمل يحمل كسوة الكعبة إلى الحجاز، ويحمل إليها كذلك ثمرات أوقاف الحرمين، كما كانت تبعث مع المحمل قوة مسلحة تحرسه فى أرض الحجاز، واستمر إرسال المحمل تحرسه القوة المسلحة طيلة حكم الأتراك، إذ كانت مصر والحجاز ولايتين عثمانيتين».
وعلى نهج السنوات السابقة سافر «المحمل» فى عام 1926، وحسب أحمد شفيق باشا فى «حوليات مصر السياسية -1926»، نقلًا عن جريدة «المقطم» يوم «3 يونيو 1926»: «حددت المرتبات والنفقات للمحمل بمبلغ 47 ألفًا و569 جنيهًا، منها 21 ألف جنيه بدل القمح المعتاد إرساله سنويًا إلى الحجاز وسبعة آلاف جنيه أجورًا للجمال، وإرسال 46 ألف جنيه ذهبًا والباقى فضة، ويؤلف حرس المحمل من نصف الأورطة التاسعة المشاة، وبطارية من المدفعية فيها أربعة مدافع وكتيبة من الفرسان و20 هجانًا من مصلحة الحدود، علاوة على الأطباء والممرضين وغيرهم»، وذكرت «الأهرام» يوم 5 يونيو 1926، أن الاحتفالات بدأت بنقل الكسوة من محل صنعها فى «الخرنفش» إلى ميدان محمد على فسار أمامها بلوكان من أورطة المشاة التاسعة بموسيقاها وعلمها، وتبعت الجماهير هذا الموكب الفخم، وفى المساء عرضت الكسوة فى المصطبة، وتوافد الناس زرافات لرؤيتها، ولما انتظم عقد الحضور من الأمراء والأعيان أديرت عليهم المرطبات والحلوى، وكان الشيخ أحمد ندا والشيخ على محمود يرتلان القرآن الكريم حتى مضى الهزيع الأول من الليل».
هكذا كانت أجواء رحلة المحمل فى مصر عام 1926، غير أنه وقبل ستة أشهر، كانت الأراضى الحجازية تشهد تحولات مهمة، يذكرها المؤرخ يونان لبيب رزق فى مقاله «واقعة المحمل» بجريدة الأهرام «28 يونيو 2001»، قائلًا: «قبل نحو ستة أشهر، وبعد هزيمة حسين ملك الحجاز على أيدى قوات سلطان نجد، عبد العزيز بن سعود، الذى دعمه الجيش شبه النظامى من أبناء القبائل النجدية المعروف بالإخوان، وفى يوم 8 يناير 1926 على وجه التحديد نادى أعيان جدة ومكة بالقائد المنتصر ملكا على الحجاز، وما ترتب على ذلك من وقوع الأماكن المقدسة تحت حكم الوهابيين المعروفين بتشددهم الدينى، وهو الأمر الذى تخوف منه المصريون وغيرهم.غير أن نظام الحكم الجديد سعى إلى تهدئة مخاوف المسلمين».
نشرت «الأهرام» فى 27 أبريل 1926، برقية حملت ختم الملك عبدالعزيز، نصت: «لقد أصبحت جميع الأراضى الحجازية بنعمة الله مملكة هادئة وكل الناس أحرار أن يقيموا فيه تقاليدهم الإسلامية وأن يزوروا جامع نبى الله وإننا نضمن بعون الله طمأنينة ورفاهية الحجاج أثناء إقامتهم وتنقلهم فى الأمكنة المقدسة فى الحجاز. وكل ما يقوله أعداء العدالة غير صحيح فإن غايتهم هدم الديانة الإسلامية بغية إرضاء مصالحهم الشخصية وإيقاع الضرر بشعب الأراضى المقدسة».
ويعتقد «رزق»: «أن الملك عبد العزيز كان مخلصا فى نواياه بتأمين شعائر الحج، رغبة منه فى تهدئة مواقف الشعوب الإسلامية»، لكنه يظن أن الملك لم يكن سعيدًا بقدوم المحمل المصرى، لأن «قدوم أى موكب حج فى ظل الحماية العسكرية للدولة التى يتبعها يحمل معنى الانتقاص من سلطة الملك الجديد، ثم أن الحجاج المصريين كانوا يصلون إلى الأراضى المقدسة ومعهم كثير من العادات التى تتعارض مع تعاليم الوهابية، أولها تدخين النارجيلة، فضلًا عما كان يحصل عليه أشراف مكة خصومه التقليديون من معونات يحملها لهم أمير الحج، ومن ثم لم يكن غريبًا ما حدث».. فماذا حدث؟
يذكر «شفيق باشا»، أن وزير الداخلية تلقى من أمير الحج اللواء محمود عزمى باشا، برقية يوم 22 يونيو 1926، تقول: «اعتدى جمع من البدو مساء أول أمس» هذا التحديد يعنى أن الواقعة كانت يوم 20 يونيو «مثل هذا اليوم 1926»، على ركب المحمل بقذف الحجار والرصاص بجوار منى، ورددنا هذا الاعتداء بإطلاق طلقات من المدافع والبنادق، تسبب منها بعض الخسائر على أرواح المعتدين، بعد فشل الوسائط التى استعملها «ابن السعود» وجرح الضابط على أفندى فهمى وثلاثة من العسكر وبعض الملكيين بجروح خفيفة من رمى الأحجار، وقتل بعض الجمال من الرصاص وقد تبادلنا الرسائل مع ابن السعود، وسنرسل لدولتكم تفصيلات الحوادث أولًا بأول، نرجو تبليغ وزارة الخارجية بما يخصها».
رد وزير الداخلية بنصح «أمير الحج» باستعمال الحكمة والروية، واتخاذ الوسائل اللازمة للمحافظة على أرواح المصريين، وإرسال التفصيلات أولًا بأول.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة