وائل السمرى

المتحف الكبير يصرخ: جعلونى صغيراً

الأربعاء، 20 يونيو 2018 03:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كل شىء قابل للمد والجزر، للزيادة أو النقصان، للإضافة أو الانتقاص، كل شىء يخضع للتفاوض، إلا الهوية، إلا المبادئ، إلا الأسس، لا يجوز لأحد أن يغير هوية مصر الثقافية، وقد ذاق الإخوان المسلمون جزاء محاولتهم إحداث هذا التغيير، لا يجوز لأحد أن يعبث بالقيم الكبرى، بالوطن بالدين بالأخلاق بالمرجعيات بالأسس، تلك أمور تعد من المسلمات، لكننى لا أعرف لماذا تصر وزارة الآثار على أن تغير الأسس التى بنى عليها المتحف المصرى الكبير، ولا أعرف كيف يمكن لها أن تدعى أنها «المتحف المصرى الكبير»، فى حين أنها تريد أن تجعله «صغيرا» بحجم أصغر المتاحف أو أكبر القاعات!
 
قلت من قبل إننى أرى أن مسألة الافتتاح الجزئى للمتحف المصرى الكبير مضيعة كبيرة للوقت والجهد، ففكرة أن يتم افتتاح كيان كبير بهذا الشكل افتتاحا جزئيا معناها أننا نحتفل بعمل «ناقص» فما الذى يجبرنا على هذا الأمر؟ وما الذى يجعلنا نهلل ونعلن ونقص الشريط لعمل يعلم الزائرون أنه غير مكتمل؟ وهو ما سينتقص كثيرا من الصورة الذهنية البراقة التى ترسخت عن المتحف المصرى الكبير باعتباره أكبر متحف فى العالم، وأهم المتاحف المتخصصة فى عرض الآثار الفرعونية.
 
تجدر هنا الإشارة إلى أن مصر افتتحت متحف الحضارة منذ أعوام افتتاحا جزئيا، وفى كل فترة يتم افتتاح قاعة أو قاعتين، وهو ما يحرم مصر من روعة مفاجأة الاكتشاف الكامل، كما أنه لا يجوز «بنيويا» أن نعامل المتاحف كما نعامل أى مشروع آخر، فالمتحف فى الأساس قاعة عرض، وهذه القاعة تستلزم وجود سيناريو عرض متحفى يبرز الآثار المعروضة بشكل جذاب مراعيا التسلسل التاريخى أو الفنى فى عرض القطع المختارة، فكيف نفتتح قاعة ونحرم الجمهور من بقية القاعة؟!، ولماذا نصنع سيناريو «ناقص» أو «عشوائى» بينما فى إمكاننا أن نصنع سيناريو مكتمل؟! ثم لماذا نخطط للإعلان الآن افتتاح هذا المتحف الكبير وننفق أموالا للدعاية الداخلية والخارجية ونحن نعلم أنه سيفقد بريقه إذا تم افتتاحه جزئيا؟! وخلاف هذا لماذا أصبحنا نستكثر الإنجاز «الكامل» على أنفسنا، ونصبر أنفسنا بإنجاز «ناقص» يمنحنا شعورا زائفا بالنصر، فى حين أن النصر الكامل ليس بعيدا؟!
 
الكبير يصنع الكبير، والصغير يستكبر الكبير، ورؤيتى الشخصية أن هذا الافتتاح المزعوم لا يعتبر إهانة لحلم المتحف الكبير فحسب، بل يعتبر إهانة لمصر أيضا ، فمصر الآن تقدم نفسها للعالم باعتبارها الدولة صاحبة الأحلام العريضة، وصاحبة المشروعات الجبارة، وبناء على هذا أنجزت مصر مشروع «قناة السويس الجديدة» فى مدة قياسية، وشرعت فى المشاريع الإسكانية الجبارة، وشقت أميالا من الطرق الجديدة لتدعم البنية التحتية، وقضت تماما على فيروس سى، وكسرت شوكة الإرهاب فى سيناء، كل هذا أسهم فى بناء صورة حضارية إيجابية عن مصر ونظامها الحاكم، فمعنى أن تأتى وزارة الآثار وتفتتح متحف مصر الكبير جزئيا فهذا يوحى شيئين الأول، أن مصر لم تستطع إنجاز المشروع الذى حلمت به فاكتفت بأصغر الصغائر، أو أن مصر لا تفكر فى الثقافة، ولم تستطع إنجاز مشروع ثقافى واحد من بين كل هذه المشاريع التى تنجزها.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة