ذهب الشيخ زكريا أحمد إلى السنبلاوين بمحافظة الدقهلية لإحياء ليالى رمضان، فتعرف على أم كلثوم، كان ذلك فى يوم 2 يونيو «مثل هذا اليوم عام 1919»، حسبما يذكر صبرى أبوالمجد فى كتاب «زكريا أحمد» عن «أعلام العرب» وزارة الثقافة والإرشاد القومى - القاهرة يوليو 1963».
كانت مصر تعيش أحداث ثورة شعبها منذ يوم 9 مارس 1919، وكانت أم كلثوم فتاة صغيرة تعيش فى قريتها «طماى الزهايرة» بمحافظة الدقهلية، وتقوم بإحياء الموالد والليالى مع والدها الشيخ إبراهيم، وشقيقها الشيخ خالد، وينقل أبو المجد عنها: «فى سنة 1915 كنت أركب حمارا ويسير أبى وأخى على أقدمهما، وفى سنة 1916 زاد إيرادنا فكنا نركب نحن الثلاثة حميرا، ومن الطريف أن أهل الفرح كانوا يحضرون لنا الحمير لنذهب إلى الفرح، وبعد انتهاء الفرح يتركوننا نعود إلى بيتنا مشيا على الأقدام، وحتى سنة 1919 كنت أركب الدرجة الثالثة فى قطار السكة الحديدية، وارتفع أجرى بارتفاع سعر القطن فوصل إلى ثمانية جنيهات، ثم قفز إلى عشرة».
فى هذه الأجواء جاء اللقاء الأول بينهما الذى كان مفتتحا للارتباط بين هذا الثنائى العبقرى فى تاريخ الموسيقى العربية، وينقل أبوالمجد عن زكريا من مفكرته الشخصية: «كان ذلك فى عام 1919، كنت قد ذهبت إلى السنبلاوين بصحبة المرحوم الشيخ أبوالعلا محمد المقرئ والمغنى الشهير، لإحياء ليلة من ليالى رمضان، وكان وجوه القوم يحتفلون بهذا الشهر المبارك احتفالا كبيرا، ويعدون له من وسائل السمر اللطيف ما يحيى القلوب وينعش النفوس، يضيف زكريا: «استقبلنا على بك أبوالعينين صاحب السهرة بالترحيب الكبير، وقدم لنا المرحوم محمد أفندى عمر القانونجى الذى كان كثير التردد عليه، وقامت بينى وبين عمر أفندى الألفة، وأخبرنى أثناء حديثه معه بأن هناك فتاة صغيرة السن، جميلة الصوت تدعى أم كلثوم، ولو تعلمت أصول الغناء لأصبحت مطربة عظيمة..لم يسعدنى الحظ فى هذه الليلة برؤية هذه الفتاة الصغيرة، ولم تمر إلا أيام معدودة، ودعيت مرة أخرى إلى السهر، وفى هذه الليلة قابلتها، وكانت بصحبة والدها وشقيقها، واستمعوا لى واستمعت إليها، ففرحت بها وتنبأت لها بالمستقبل الكبير، ونشأت بيننا صداقة وطيدة دفعتنى إلى أن أهدى إليها موشحا وطقطوقة».
تذكر نعمات أحمد فؤاد تفاصيل أكثر عن هذا اللقاء فى كتاب «أم كلثوم وعصر من الفن»، مشيرة إلى أن الفتاة التى حدثوا الشيخ زكريا عنها حضرت أو أحضروها، وتضيف، وتضيف: «دخلت الصغيرة ذات العقال تتعثر فى خطواتها من تهيب وحياء بلغة الخوف، ومعها شيخ صغير يلبس الطقم كاملا.. الجبة والقفطان والعمامة، ولعل هذا التكامل فى الزى الوقور أكسب الفتى ثقة فى نفسه، جعلته يتقدم أخته فى اعتداد كمن يرسم لها خطواتها، ولكن عين زكريا الفنان وقعت على الفتاة دون أخيها، فأجلسها إلى جواره، وأخذ ينفض عنها خوفها بالحديث الحانى.. غنت فتم لها الاستيلاء على الشيخ زكريا، يقول: «ومنذ ليلتها وأنا أصم مفتونا، لا أسمع إلا صوتها، أبكم لا أتحدث إلا باسمها، فقد أصبحت مفتونا بها وأقول مفتونا، لأننى أحببتها حب الفنان للحن الخالد تمنى العثور عليه دهرا طويلا».
تضيف «فؤاد»: «دعاها زكريا إلى زيارته طيلة شهر رمضان، وكان يحيى أيام الشهر عند على أبوالعينين، فلبت جريا وراء القصائد والأغانى التى يغنيها، وتطرب لها والتى كثيرا ما يحاول تحفيظها لها.. كما دعته إلى زيارتها بقريتها «طماى الزهايرة».. يقول الشيخ زكريا: «لبيت الدعوة وتناولت الطعام على طبلية جلسنا حولها على كليم، لا أزال أذكر لونه أحمر على أسود، وتعشينا أوزة كاملة، ثم لعبنا عشرة كوتشينة، ومنذ يومئذ أخذت أم كلثوم ووالدها وشقيقها يحضرون لسماعى كل يوم فى سراى أبى العينين، ومما أذكره أن الشيخ خالد لم يبد إعجابه بصوتى، ولكن الذى أعجبه أننى «الفقى» الوحيد فى مصر اللى عنده عشرة أزواج من الأحذية».
أثمر هذا اللقاء على دخول أم كلثوم «مرحلة القاهرة» ووفقا لزكريا: «دعوتها إلى القاهرة فى حفل ضم مجموعة مختارة من أبناء العائلات ورجال الفن ومن بينهم المرحومان الشيخ أبوالعلا محمد والشيخ على محمود، وصادفت أم كلثوم فى هذه الحفلة نجاحا كبيرا، وتعرفت فى هذه الليلة بالأستاذ القصبجى والدكتور محمد صبرى النجريدى الذى اشتهر بحبه للتلحين، كما كانت هذه الحفلة سببا فى أن يبدأ الحاج صديق أحمد متعهد الحفلات المشهورة فى تنظيم حفلات لها فى فترات الاستراحة بين فصول روايات على الكسار، وكان يقوم بتلحين المقطوعات لها الأساتذة أبوالعلا والدكتور صبرى والقصبجى».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة