-
المشروب الرسمى القهوة المعدة على نار الحطب والسهر فى ساحته بعد أداء التراويح
يحرص عدد كبير من أبناء قبيلة البياضية فى مدينة بئر العبد بشمال سيناء على معايشة أجواء شهر رمضان فى واحد من أكبر الدواوين من بين سلسلة دواوين فى المدينة والقرى، وهو ديوان "المرازقة"، الذى توارثت فيه الأجيال إحياء ليالى رمضان بتقاليد لم يغيرها زخم المدينة حول مقر الديوان الكائن وسطها ولم يتجاوز أصولها مرتادى الديوان بعد أن اصبح غالبيتهم من الحاصلين على مؤهلات عليا وبوظائف مرموقة.
"الشيخ عبد الفتاح أبو مرزوقة"، أحد القائمين على الديوان يعتبر المكان من أهم الأماكن لديهم، وفى عرفهم أن خدمته وتوفير متطلباته أهم من أى التزامات أخرى.
وقال أبومرزوقة، لـ"اليوم السابع"، إن الإسم الدارج للديوان عندهم هو "المقعد"، وهو عنوان كل عائلة فى سيناء عموما، وتجده بجوار المنازل كواجهة استقبال الضيوف، وملتقى أبناء العائلة الذين يحرصون على وجوده.
واوضح أن الدواوين كانت كمنازل الأهالى فى الماضى تنقلت فى تصميماتها ما بين عرائش ثم أكشاك من الصفيح وحاليا تقام بالخرسانة وبتصميمات معمارية يتفنن فيه القائمين عليها باعتبار المكان واجهة كل عائلة وعشيرة.
وقال إن ديوان المرازقة فى بئر العبد من أقدم دواوين العائلات فى المدينة وكانت بدايته فى عشة من جريد النخل ثم الصفيح و بأدوات بدائية بسيطة ثم تطور مع تطور الحياة وتيسر ظروف المعيشة إلى مبنى من الطوب ثم تم توسعته وتجديده إلى أن أصبح بمظهره الحالى لافتا أنه من بين دواوين أخرى شيدت فيما بعد داخل مدينة بئر العبد ومنها السراحين و المصابحة وأولاد محمد.
واستطرد الشيخ عبد الفتاح قائلا إنهم فى رمضان يعيشون أجواء خاصة داخل "مقعدهم"، وهى تقاليد متوارثة لم ولن تتغير وأهمها التجمع على مائدة إفطار واحدة مع تغير بسيط فى الأكلات التى كانت فى الماضى تقتصرعلى نوع واحد من الأكلات ومنها فتة اللبن واللحوم وحاليا أصبح كل "محلى" وهو اسم من يتواجد فى الديوان يحضر أكثر من صنف طعام على مائدة الإفطار حتى تتجمع أصناف كثيرة مكونتا مائدة واحدة يتناول الجميع عليها طعامهم جماعيا هم ومن يحل ضيفا عليهم أو عابر سبيل.
أضاف عبد العزيز محمد، أن الديوان من الأشياء المهمة فى حياته وأبناء عائلته، فهو ملتقى للعائلات ومكان لتلاقى الأقارب وصلة الأرحام وحل المشكلات، وقد تربينا فى الديوان منذ صغرنا على احترام الكبير، وتعليم الأصول للصغير، لينشئ فى مكان فيه يتعلم معانى الكرم واستقبال الضيف وإدارة الكبار لمشكلاتهم وحلها بشكل متزن يكفل لكل طرف حقه.
وأشار إلى أن من العادات القديمة التى تغيرت مراعاة التيسير فى موائد الإفطار وتقديم الأكلات البسيطة مراعاة لمشاعر الغير ممن قد لا يتحملون إعباء الموائد المكلفة.
وتابع المهندس شكرى سالمان: الديوان هو عنوان العائلة وأقدم وسيلة تواصل اجتماعى عرفها أبناء البادية قبل الراديو والتلفزيون والإنترنت، حيث كانت تتداول به الأخبار ويلتقى فيه الأقارب والأحباب وأبناء القبائل، وتعقد فيه الجلسات العرفية وتحل فيه المشكلات سواء كانت خلافات ونزاعات صغيرة أو مشاكل الدماء.
وعن عادة الإفطار فى الديوان قال: "هى عادة قديمة توارثناها وربما لا يعلم الكثير غايتها الأساسية فضلا عن صلة الأرحام وتلاقى المسافرين والغائبين من أبناء العائلات والقبائل، فكانت الغاية الأساسية من الإفطار فى الديوان هى إكرام عابرى السبيل ورفع الحرج عنهم فى الإفطار عندما يذوبوا بين أبناء العائلة".
وقال عادل سلمى، من القائمين على الديوان، انهم اعتادو فى رمضان أنه من كل منزل يخرج إفطار ويمكن لأى من الحضور الإفطار على مائدة الغير وتبادل الأماكن، وبعد الإفطار يتم الجلوس والسمر وشرب القهوة والشاى بعد الإفطار وأداء صلاة المغرب ،ويقوم ابناء العائلة بترتيب الديوان بعد انتهاء الإفطار يوميا، ويتم تنظيف الديوان فى نهاية رمضان استعدادا للعيد.
وقال ياسر موسى إن من أهم المشروبات التى تقدم فى الديوان هى القهوة والشاى التى تتم على نار الحطب، ويقوم الشباب بعد العصر بتجهيزاتهم بإشعال النار والبدء فى إعداد القهوة والشاى ويبدأ تجمع أبناء العائلة قبيل المغرب ثم استقبال موائد الإفطار من العائلات حتى اذان المغرب، ويتسابق الشباب بحثا عن عن عابر سبيل والإلحاح عليه للإفطار، وبعد الإفطار وأداء الصلاة فى المسجد يجلس الحضور فى جلسة ممتدة طوال الليل خلالها يتناولون الشاى والقهوة وإدارة النقاشات فى أمورهم الحياتية.
وقال عبد الخالق سليمان من الطقوس المميزة فى العشر الأواخر فى شهر رمضان تبادل الإفطار بين أبناء العائلات والقبائل فى الدواوين وزيادة نسبة المترددين على الديوان وتبادل العزومات وعودة المسافرين و المغتربين الإفطار بين الأهل والأحباب.
وأوضح أحمد اشتيوى، أحد الشباب، أن رواد الديوان تتنوع أعمارهم وثقافاتهم ولكن يجمعهم الديوان فهم ما بين شيوخ كبار طاعنين فى السن، بعضهم خاض بطولات فى شبابه ضد الاحتلال الأسرائيلى لسيناء، واخرين من موظفين بوظائف مختلفة بينهم الطبيب والمهندس واستاذ الجامعة والمدرس، وتجار ومزارعين وارباب مهن حرفية، وطلبة جامعات ومراحل دراسية متنوعة.
وقال اشيتوى إن هذا التنوع يثرى ثقافة الحوار ويرقى بالمكان والجميع يعتبرون مكانهم وكما يقولون "مقعدهم" هو إرث ممن سبقهم من آباء وأجداد وأمانة يحافظون عليها ويحرصون أن تبقى عنوانهم مهما تغيرت طرق معيشتهم وأيا كانت مناصبهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة