هل أبلغ الرئيس السادات أمريكا عزمه التخلص من بعض المسؤولين الذين يضغطون عليه من أجل بدء المعركة ضد إسرائيل لاستعادة الأرض المحتلة فى 5 يونيو 1967؟.. هل تحدث صراحة عن ذلك فى لقائه مع «جوزيف سيسكو»، وكيل وزير الخارجية الأمريكية «وليام روجرز» يوم 9 مايو «مثل هذا اليوم» عام 1971؟
كان «سيسكو» فى القاهرة قادما من إسرائيل، بعد أن تركه فيها «روجرز» لمناقشة نتائج المقترحات التى ذهب بها إلى تل أبيب من القاهرة حول إمكانية الوصول معها إلى تسوية سلمية، ثم عاد لإبلاغ الرئيس السادات ردود الحكومة الإسرائيلية عليها، ويكشف شعراوى جمعة، وزير الداخلية وقتئذ، عما جرى فى لقاء السادات مع سيسكو، وفيه إجابة عن الأسئلة السابقة، وتدخل فى صميم الصراع الذى كان دائرا بين السادات ومسؤولين ممن عملوا إلى جوار عبدالناصر، وانتهى بانتصار السادات فيه يوم 15 مايو 1971 ووضعهم فى السجون.
يذكر شعراوى فى «شهادة للتاريخ» لمحمد حماد، عن «مركز الأهرام للنشر - القاهرة»: «عاد سيسكو إلى القاهرة قادما من تل أبيب، وأثناءها تقابل مع السادات مرتين، ضمت الأولى إليهما الدكتور محمود فوزى، رئيس الوزراء، والفريق أول محمد فوزى، وزير الحربية، «لا توجد صلة قرابة بين محمود ومحمد»، ومحمود رياض، وزير الخارجية، وبيرجس «القائم بالأعمال الأمريكية فى القاهرة»، أما المقابلة الثانية، وهى الأخطر بوصف شعراوى، فجمعت بين السادات وسيسكو على انفراد، ويؤكد: «هذا الاجتماع لا أحد يعرف بتوقيته، ولكننا بوسائلنا، عرفنا ما دار فيه بالتفصيل».
يؤكد «شعراوى» أن السادات تحدث إلى سيسكو، شارحا له متاعبه الداخلية، ويقول له: «أنا قررت إجراء تغييرات داخلية قريبا فى مصر»، ويقرر أمامه أنه سيتخلص من وزير الحربية الفريق أول محمد فوزى، ووزير الخارجية محمود رياض»، ولما سأله سيسكو عن الأسباب، أجاب: «لأن هذين الاثنين ضاغطين على كى أحارب، وأنا مش عايز أحارب»، ويستنتج شعراوى من ذلك: «هى إذن رسالة مطلوب إبلاغها إلى من يهمه الأمر، وإسرائيل هى أول من يهمهم مثل هذا الأمر».
يضيف شعراوى، أن النقطة الثانية التى تحدث فيها السادات كانت تتعلق باللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى، التى وعد بحلها والتخلص منها، وأعلن لسيسكو أنه سيجرى بعض الاعتقالات، وأنه مقدم على تصفية المعارضين له، أما النقطة الثالثة، وهى الأهم والأخطر، فكانت متعلقة بإسرائيل نفسها،وفيها أسرّ السادات بأنه يفضل أن يأتى موشى ديان رئيسا للوزراء، لأنه فى نظره أحسن من جولدا مائير، ولأن ديان ممكن التفاهم معه، بعكس مائير، وقال لسيسكو بالحرف: «أنا أصلى من أجل أن يأتى ديان رئيسا للوزراء».. يذكرها شعراوى فى شهادته بالإنجليزية فى إشارة إلى أن السادات نطقها بها.
يؤكد شعراوى، أن سيسكو فهم الرسالة ودلالاتها، ولكنه آثر أن يتأكد مما سمعه بأذنيه من رئيس الجمهورية، فسأل: هل هذه رسالة تريد إبلاغها إلى ديان؟.. رد السادات: «نعم»، يضيف «شعراوى»: «خرج سيسكو وفى جعبته صيد ثمين وذهب إلى بيرجس، وراحا يراجعان ما دار وهما غير مصدقين، وناقشا معا كيفية توصيل الرسالة إلى ديان، واستبعدا أن تكون قناة التوصيل عبر السفير الإسرائيلى فى واشنطن، وكان وقتها «إسحق رابين»، وكانت العلاقات بينه وبين ديان سيئة.. واتفقا على أن يتم استدعاء الملحق العسكرى الأمريكى فى إسرائيل إلى أمريكا، ويتم تلقينه مضمون الرسالة ونصها، ليقوم بدوره بإبلاغها إلى ديان». يؤكد شعراوى، أن الحوار بين سيسكو وبيرجس تناول أيضا هجوما عنيفا ضد محمود رياض، لأن خطه يخالف خط السادات، وهاجم سيسكو كلا من أشرف غربال «القائم بالأعمال المصرى لدى واشنطن» و«محمد رياض» مدير مكتب وزير الخارجية، وقال عنهما سيسكو: «لست أتصور أن يقف هذان مع وزير الخارجية ضد رئيس الجمهورية».
يكشف رياض فى مذكراته «أمريكا والعرب»عن «دار المستقبل العربى - القاهرة»، أسرار توصل «شعراوى» لهذه المعلومات: «أخبرنى شعراوى أن مباحث الداخلية استطاعت أن تضع أجهزة تنصت فى منزل بيرجس، وأمكن تسجيل الحديث الذى أدلى به سيسكو إليه، حول ما سمعه من السادات أثناء مقابلته له بعد عصر يوم «9 مايو»، ويضيف «رياض»: «اطلعت مؤخرا على التحقيقات التى تمت مع شعراوى جمعة فى النيابة العامة «قضية 15 مايو 1971»، وورد فيها أن شعراوى أثناء اجتماعه مع أعضاء التنظيم الطليعى للاتحاد الاشتراكى ذكر مايلى: إننى نقلت إلى الموجودين بعض ما علمته مما دار بين بيرجس وسيسكو عن أمور تتصل بأمور كثيرة منها ما يمس سلامة البلاد وأرجو إعفائى من ذكرها»، ويؤكد رياض: «قرر شعراوى أن يطلعنى بعد خمس عشرة سنة كاملة على الحديث الذى رفض الإفصاح عنه أثناء تحقيقات النيابة فى قضية «مايو 1971».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة