"بين الحياة والموت قطرات دماء"..حياتهم تختلف كثيرا عن باقى الأطفال الذين فى نفس أعمارهم، فلا يمر أسبوعان إلا وعليهم بزيارة بيتهم الثانى والمكان الذي يستعيدون فيه حياتهم من جديد لتنبض الروح وتحيا بقطرات الدم، إنه ليس مكان للعب أو نادى يتردد عليه الأطفال، ولكنه ملىء بالتحاليل والفحوصات والحقن التى تركت علامات على أيديهم الصغيرة ، فبيتهم الثانى هو المستشفى وبالتحديد "غرفه نقل الدم"..هذا ملخص حياة أطفال الثلاسيميا.
الثلاسيميا أو"انيميا البحر المتوسط"، اسم لم يتردد على أذهاننا كثيرا ولكنه من أخطر أنواع الأنيميا الوراثية التى يعانى منها نسبة كبيرة من الأطفال نتيجة زواج الأقارب وبسبب مجموعة من الاضطرابات فى الجينات التى تقلل من إنتاج مادة الهيموجلوبين فى كرات الدم الحمراء التي تحمل الأكسجين للجسم، وهنا يحتاج المريض إلى نقل الدم بصفه دورية أو عملية زرع نخاع ولكن نسبة نجاحه ضئيلة.
ويعتبر 8 مايو هو اليوم العالمى لمرض الثلاسيميا وفقا لما حددته منظمه الصحة العالمية، وذلك للتوعية بالمرض وكيفية التعامل معه وطرق انتقاله، وفى هذا اليوم يعايش "اليوم السابع" حكايات وقصص أهالى أطفال الثلاسيميا منذ اكتشاف المرض حتى الوصول لأكياس دم لإحياء أطفالهم..
جومانا تعيش بين أجواء المرض وفى ضحكتها حياة
الطفلة جومانا
"بوجهها البرىء وقوتها على التحمل، استطاعت جومانا أن تخفى الألم والوجع الذى تشعر به كل أسبوعين عند دخول "الكانيولا" فى يديها الصغيرتان لنقل الدم."
جومانا نبيل تبلغ من العمر عاما واحدا، لم يتخيل والداها أن طفلتهما تعانى من مرض مؤلم مثل الثلاسيميا، وبالصدفة بعد مرور شهور على ولادتها اكتشفوا المرض، ومن هنا بدأت رحلة العلاج، وعن حكاية جومانا قالت والدتها لـ "اليوم السابع": "لم أسمع عن مرض الثلاسيميا من قبل، فبعد ثلاثة أشهر من ولادة جومانا ظهرت عليها بعض العلامات ومنها شحوب الوجه واصفراره ودائما مرهقة وغير طبيعية مثل باقى الأطفال، وعند الفحص والتردد على أكثر من طبيب اتضح أنها تعانى من هذا المرض، وطلب الطبيب تحاليل خاصة لى أنا ووالدها التى أوضحت أننا نحمل جينات المرض وبالتالى انتقل لجومانا وخصوصا أننا أقارب.".
جومانا
وأضافت والدتها : "علاج جومانا هو نقل الدم كل أسبوعين والحمد لله تمكننا من متابعة الكورس العلاجي من خلال التأمين الصحى بمستشفى الدمرداش، وذلك جنبا إلى جنب مع الأدوية والفيتامينات، مع اتباع نظام صحى خالى من الأطعمة التى تحتوى على الحديد مثل التفاح والسبانخ والموز."
لم تكن جومانا فقط هى الحاملة للمرض فبعد الفحوصات اكتشفا الوالدان أن ابنتهما الكبرى أيضا تحمل جينات المرض ولكنها ليست مريضة، وبذلك يلزمها إجراء فحوصات عند الزواج لاستبعاد الارتباط بشخص يحمل نفس المرض حتى لا ينجبا أطفال مرضى بالثلاسيميا.
وتمنت والدة جومانا لو أجرت فحوصات قبل الزواج حتى لا تتعرض طفلتها لهذا الحجم من الألم والوجع الذى تشعر به، مؤكدة انها لن تسلم أيضا من معاملة المحيطين تجاه مرض ابنتها على الرغم من أنه غير معد ولكن فكرة نقل الدم تسبب "ذعرا للجميع".
أما عن والد جومانا، فوصف الثلاسيميا بأنه مرض غامض لم يسمع عنه من قبل، وذلك بسبب عدم الوعى به، وخصوصا من قبل الإعلام وكذلك حملات التوعية، فهناك العديد من الاعلانات التى تتحدث عن مرض السكر والسرطان والقلب ولكن لم يرى إعلان واحد يتحدث عن الثلاسيميا مع أن نسبة كبيرة من الأطفال يعانون من هذا المرض نتيجة زواج الاقارب والجينات الوراثية.
وأضاف نبيل "والد جومانا": "للأسف بعض أطباء الأطفال ليس لديهم وعى بمرض الثلاسيميا وذلك حدث معى بالفعل فعند بداية اكتشاف المرض ترددت على أكثر من طبيب فى عيادته الخاصة ولكن قال لى أكثرهم أن أذهب إلى مستشفى للأطفال"، مطالبا أن يكون لكليات الطب دورا فى توسيع هذا التخصص ليشمل مشكلات الدم.
واختتم نبيل حكاية جومانا قائلا: "بنتى هتفضل طول حياتها عايشة على نقل الدم، وقد تحتاج عملية زرع نخاع ولكنها مكلفة وظروفنا لا تسمح."
" يوسف محارب الثلاثيميا وصديق الكانيولا "
يوسف
على الرغم أن مرضى الثلاسيميا يحملون ملامح متشابهة مع شحوب واصفرار الوجه، إلا ان يوسف كسر قواعد وأساسيات المرض ورفض أن يلتزم الفراش، فبمجرد تناول الجرعة المحددة له من الدم يذهب مع أصدقائه للعب واللهو ويعيش حياته كطفل طبيعى، واعتبر الكانيولا ونقل الدم من أهم اصدقائه الذين يراهم كل اسبوعين.
يوسف عماد 6 سنوات من اطفال الثلاسيميا الأقوياء لم يكن والديه أقارب مثل باقى الأطفال المرضى ولكنهما يحملان جينات المرض، وعن اكتشاف مرض يوسف قال والده:" أغلب الاطفال اكتشفوا المرض وهم يبلغون من العمر شهور ولكن الوضع اختلف عند يوسف فاكتشفنا المرض وهو 4 سنوات ونصف عندما كان يعانى من قىء مستمر وطلب الطبيب صورة دم كاملة ومن هنا اكتشفنا المرض".
وأضاف:نتردد على المستشفى كل اسبوعين لنقل الدم والحمد لله يعيش بشكل طبيعى ويذهب للحضانة ويتعايش مع زملائه ولكن اخبرنا المدرسة بأنه يحتاج لمعاملة خاصة سواء من الناحية النفسية أو العضوية واتباع نظام غذائى صحى.
والد الطفل يوسف
وتابع: "أتمنى أن يكون هناك وعى بتحاليل ما قبل الزواج لحماية اطفالنا من الأمراض الوراثية التى تهدد حياتهم بالخطر ففى الغالب يقوم الزوجان بتقديم شهادة مزورة لاستمرارية الزواج دون معرفه الأمراض التى يتعرض لها أطفالهم فى المستقبل".
حمدى وميرنا رحلة علاج داخل وخارج المنزل
كانيولا
الشقيقان"ميرنا وحمدى"، من أطفال الثلاسيميا الذين قرروا ان يساندوا بعضهم فى رحلة العلاج ، على الرغم من فرق السن بينهم حيث تبلغ ميرنا 12 عاما بينما يبلغ حمدى عام ونصف.
وعن تفاصيل حكايتهم مع المرض قالت والدتهم لـ اليوم السابع:" انا وزوجى بيننا صلة قرابة ولكن لم نقم بإجراء أى فحوصات قبل الزواج ، ولا نعرف من قبل ما هى انيميا البحر المتوسط فعندما كانت تبلغ ابنتى 3 اشهر كانت تعانى من اصفرار شديد فى الوجه، فاعتقدت انه مرض الصفرا الذى يصاب به كل الاطفال فى عمرها وبعد الكشف عليها وعمل الفحوصات اتضح انها تعانى من نقص شديد فى هيموجلوبين الدم، وطلب منى الطبيب نقل دم فورا ومع التشخيص قال الاطباء انها تعانى من مرض نادر يحتاج نقل دم بصفة دورية، ومن هنا تابعت مع مستشفى الدمرداش وكل اسبوعين نذهب لنقل الدم وصرف العلاج وبعد اتمام عامها التاسع اكتشفنا انها تعانى من الثلاسيميا وإنها ستظل طوال حياتها تحتاج لنقل الدم لاستمرارية الحياة".
وأضافت:" وعند ولادة طفلى حمدى كان طبيعى ولا يعانى من أى شىء ولكن مع الوقت ظهرت عليه بعض العلامات مثل اصفرار الوجه، وهنا اصيبت بحالة حزن وصدمة شديد ورفضت ان اذهب به الى الطبيب خوفا ان يكون مصاب بالثلاسيميا مثل ابنتى الاولى وبالفعل بعد الفحوصات قال لى الأطباء انه يعانى من انيميا البحر المتوسط ويحتاج لنقل دم بصفة دورية".
نقطة دم تساوى حياة "شريان العطاء ينقذون أطفال الثلاسيميا"
نقل الدم
"نقطة دم تساوى حياة" شعار رفعه أعضاء جمعية مصر شريان العطاء لتوعية الناس بأهمية التبرع وإنقاذ المرضى وخصوصا اطفال الثلاسيميا، وهم مجموعة من طلاب كلية الطب جامعة عين شمس، وفى تصريحات خاصة لـ اليوم السابع قال الدكتور أحمد جمال المنسق العام لجمعية شريان: " بدأت الجمعية من 18 سنة و الهدف الأساسى منها نشر ثقافة التبرع بالدم ، وحملات تبرع بالدم لأطفال الثلاسيميا وأن نوصل للناس الوعى الطبى من أجل التبرع".
وأضاف، أن أطفال الثلاسيميا لا يحتاجون شيئا سوى نقل الدم لهم بصفه دورية حتى يستطيعوا ان يعيشوا بشكل طبيعى مثل باقى الأطفال، فضلا عن ذلك فالتبرع بالدم مفيد ايضا للمتبرع حيث انه يحميه من الامراض ويجدد الدم كل فترة، ولكن بشروط ان يكون وزن المتبرع لا يقل عن 55 كيلو ولا يعانى من اى امراض مزمنة او تعرض لعمليات جراحية أخرى قبل 6 اشهر من التبرع.
وتابع: "تعتمد الجمعية على توفير من 6 إلى 9 متبرعين بالدم لكل طفل على أن تكون نفس فصيلة الدم مع تنظيم حفلات خيرية لدعم الأطفال نفسيا ، وتنظيم حملات توعية لكيفية التعامل مع اطفال الثلاسيميا وخصوصا للأهالى من حيث النظام الغذائى والدعم النفسى.
يمنى تعيد الحياة لأطفال الثلاسيميا بالتبرع المستمر
احدى المتبرعات
يمنى محمد واحدة من المتبرعات اللاتى وهبت حياتها لخدمة المجتمع فهى واحدة من المتطوعات فى إحدى الجمعيات الخيرية والتى قررت أن تزور مستشفى الدمرداش كل فتره للتبرع بالدم وإنقاذ اطفال الثلاسيميا، وفى لقاء اليوم السابع مع يمنى قالت:" لم اسمع عن مرض الثلاسيميا إلا من خلال قافلة طبية على الفيس بوك كانت تدعو لإنقاذ اطفال الثلاسيميا من خلال التبرع بالدم، وعندما بحثت عن المرض اكتشفت أن الاطفال لا يحتاجون سوى نقل دم فقط من أجل الحياة".
وأضافت:"من هنا قررت ان اتبرع بشكل دورى لأطفال الثلاسيميا ، وفى نفس الوقت فالتبرع بالدم مفيد للصحة ويحمى من الأمراض وادعوا كل الشباب للتبرع بالدم وإنقاذ الاطفال وان يكون هناك دور من وسائل الاعلام لنشر الوعى بثقافة التبرع وإجراء تحاليل ما قبل الزواج للحد من انتشار المرض".
زرع النخاع علاج لأطفال الثلاسيميا وفى مصر يستخدمونه لمرضى السرطان فقط
الدكتورة هالة أباظة أستاذ أمراض الدم كلية الطب جامعة عين شمس، وصفت المرض قائلة إن الثلاسيميا عبارة عن انيميا وراثية يولد بها الأطفال نتيجة زواج الأقارب وجينات المرض، وهنا يستمر الطفل على المواظبة على نقل الدم مدى الحياة او عملية زرع نخاع ، لذلك لا بد من إجراء فحوصات قبل الزواج للتأكد من عدم إصابة الابناء بالمرض.
وأضافت:" الفحص المخصص لاكتشاف الثلاسيما هو عبارة عن فحص دم لأحد الطرفين المقبلين على الزوج لمعرفة نسبة الهيموجلوبين وحجم خلايا الدم الحمراء ، فاذا كانت النتجة طبيعية فالشخص الذى قام بالفحص غير حامل للمرض اما إن كان هناك خللا فى النتيجة فيتم عمل فحص آخر للتأكد من أن الشخص حامل للمرض أم لا".
وتابعت:تظهر على مرضى الثلاسيميا بعض الأعراض والتى أبرزها اصفرار وشحوب الوجه وهنا لا بد من اجراء فحوصات دورية على الطفل، كما أن أطفال الثلاسيميا يحملون ملامح واحده مع مرور الوقت أبرزها تغيير فى عظام الوجه بسبب زيادة نشاط نخاع الدم، كما أن نقل الدم المتكرر يسبب زيادة تراكم الحديد فى الجسم وتلف البنكرياس والقلب والكبد.
وأضافت ، العلاج عن طريق نقل الدم فقط لا يكفى فلا بد من صرف بعض الأدوية التى تعمل على نقص الحديد فى الجسم وتعزيز الصحة النفسية للطفل، فقديما كان أطفال الثلاسيميا يموتون فى عمر الثلاثين، ومع التقدم فى الطب يعيشون بشكل طبيعيى ولكن مع اتباع العلاج الصحيح.
وقالت إن زرع النخاع من العمليات التى تساعد على علاج أطفال الثلاسيميا ولكن فى مصر يهتمون بزرع النخاع لمرضى السرطان اكثر من الثلاسيميا، وفى إيطاليا يجرون ابحاث لاكتشاف المرض للأطفال وهم أجنة وعلاجه ولكن ما زال فى اطار البحث العلمى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة