سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 4 مايو 2010..وفاة محمود السعدنى.. صديق الفقراء والملوك وأعظم الساخرين والحكائين

الجمعة، 04 مايو 2018 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 4 مايو 2010..وفاة محمود السعدنى.. صديق الفقراء والملوك وأعظم الساخرين والحكائين محمود السعدنى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ارتدى الكاتب الساخر محمود السعدنى جلبابه الصوف وعباءته فى فيلته الكائنة بشارع الهرم، وطلب من ابن شقيقته الدكتور إيهاب عفيفى والكاتب الصحفى حمدى حمادة أن يذهبا به إلى صديق الحميم الحاج «إبراهيم نافع» الذى كان يلقبه أصدقاؤه وأولهم «السعدنى» ومعارفه بـ«عمدة الجيزة»، لأنه فلاح مثقف يرتدى الجلباب، لكن كان يلتقى فى مندرته مثقفون وسياسيون ومفكرون وفنانون.
 
كان «حمادة» قريبا من السعدنى فى سنواته الأخيرة، ولديه الكثير من الحكايات التى يكتب مقتطفات منها بين الحين والآخر على صفحته فى «الفيس بوك»، ومنها ذكرياته عن هذا اليوم: «وصلنا إلى منزل نافع فى أول شارع الملك فيصل، وبمجرد أن جلس السعدنى طلب من الحاج إبراهيم نافع ورقا، ومنى قلما، وكان الإجهاد باديا عليه.. وأمسك بالقلم ليسطر مقاله الأسبوعى لمجلة المصور، واستغرق فى كتابته ما يقرب من ٢٠ دقيقة فى سبع ورقات، دون قشط أو شطب، ودون أن يدرى أحد ماذا كتب، إلى أن فوجئوا بأن المقال المنشور يتضمن من أحبهم وعاشرهم فى حياته، بدءا بالزوجة الحنون الحاجة مكارم، ومن الأحباب، ذكر الحاج إبراهيم نافع صاحبه الفلاح، وابن شقيقته الدكتور إيهاب عفيفى وصديقه الصحفى حمدى حمادة».
 
كان هذا المقال وثيقة وداع للقلم الذى وهبه عمره، فحسب تأكيد «حمادة»: «بعده زاد التعب والمرض عليه ولم يمسك القلم.. كان متابعا للأحوال بسماعته ونظراته بعد أن زادت جلطات المخ التى كان يقاومها ويتحداها لإصراره على الحياة.. ولم ينطق ولم يتكلم أشهر الحكائين لمدة زادت عن العامين إلى أن رحل يوم 4 مايو «مثل هذا اليوم عام 2010»، لكن وفقا لصديق عمره الكاتب الصحفى «يوسف الشريف»، فإنه خلال فترة مرضه «كان يتجول فى سيارته ساعات طويلة كل مساء بين ربوع القاهرة التى أحبها، وعاش فى كل أمكنتها ومعالمها يستعيد ذكريات العمر الجميل، وقد يغفو قليلا فى شبرا ليستيقظ فى الحسين، وسائقه الصبور رهن إشارته طوال الليل حتى يعود به إلى بيته فى الصباح، ولابد أنه اختار أن يظل هكذا وحيدا مع نفسه يفكر فى حاله وأحوال الدنيا التى تأبى أن تكون جميلة ومطيعة كما كانت».. «صعاليك الزمن الجميل - دار الشروق - القاهرة».
 
كانت الوفاة ختاما لحياة مبدع استثنائى فى تاريخ مصر، ولد عام 1927، وكاد أن يصبح ممثلا فى أربعينيات القرن الماضى، حسب تأكيد «الشريف»: «اختاره نجيب الريحانى وألح عليه للانضمام إلى فرقته المسرحية، ووافق على العرض بالفعل، ويوم استعد لإجراء البروفات لدوره فى إحدى المسرحيات، كان الريحانى قد ودع الحياة منذ ساعات»، يقر الشريف: «كانت لديه قدرات فذة على تقليد الناس الذين ينجذب إليهم بالحب أو يبتعد عنهم كارها، وبنفس لوازمهم فى الحركة والكلام والصوت، وحتى اللكنة الشامية والخليجية والعراقية أو المغربية، كان قادرا على محاكاتها، ولكن بعد مرورها عبر بوابة سخرياته العذبة».
 
بوصف «الشريف»: «كانت حياته أشبه بملحمة غنية بالتجارب والمحن، بالمسرات والمباهج، بالعطاء والإبداع، بآيات ظرفه وسخرياته، بعشقه للكلام الذى لا يطاوله أحد فى فنونه وصياغته.. تعرض لألوان من الفقر والإفلاس من أى قرش، وكسب الأموال وتدفقت عليه من غير أن يحتسب، وعرف طوب الأرض كما يقولون، من الفلاح البسيط إلى اللص الشرير وحتى الملوك والباشوات والمليونيرات، ونام على الرصيف ثم نام فى أشهر وأفخم فنادق أوروبا، لكنه ظل كما هو لم يتغير، ورغم زاده الوفير من الذكريات والخبرات التى ضمنها حكاياته وقصصه ومسرحياته «40 مسرحية» ومقالاته، فإنه يظل يؤكد أن القدر لو عاد به إلى بواكير الصبا ما اختار سوى الحياة التى عاشها والطريق الذى سلكه، والناس الذين عرفهم، ومهنة الصحافة التى أحبها».. هذا الاختيار جعله فى تقدير الكاتب الناقد رجاء النقاش: «يكتب وهو يعيش، فليس أدبه نابعا من الحياة كما يقال.. إنه الحياة نفسها التى عاشها واكتوى بنارها، ولم يعرف فيها الهدوء والعزلة أو الأبواب المغلقة والنوافذ المسدودة».. «مقدمة كتاب «مسافر بلا متاع» محمود السعدنى - دار الشروق - القاهرة».
 
ذاق مرارة السجن فى عهد عبدالناصر والسادات، وروى فى كتابه «الطريق إلى زمش» تجربة سجنه فى عهد عبدالناصر، ومع ذلك أحب عبدالناصر بلا حدود، ويعبر عن ذلك: «مصر أيام عبد الناصر لم تكن هى الرئيس ونوابه ومدير المخابرات وأجهزة الاتحاد الاشتراكى، ولكنها كانت العمال والفلاحين والرأسمالية الوطنية والجنود والمثقفين، ومصر فى عهد السادات لم تكن هى الرئيس أو زعماء المنابر أو تجار الشنطة وأصحاب بوتيكات شارع الشواربى وأصحاب الكباريهات ورواد الحانات، ولكنها كانت أيضا ملايين الشحاتين والمتسولين الذين يعانون المرض وخيبة الأمل والجوع».






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة