سلى صيامك مع الألغاز فى رمضان.. هل قتلت مارى ستيوارت ملكة أسكتلندا زوجها؟

الأربعاء، 30 مايو 2018 02:00 م
سلى صيامك مع الألغاز فى رمضان.. هل قتلت مارى ستيوارت ملكة أسكتلندا زوجها؟ مارجو روبى تظهر فى شخصية الملكة إليزابيث
كتب بلال رمضان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

لابد أنه كان من السهل على مارى ستيوارت أن تجد زوجا مناسبا، فهل قتلت ملكة أسكتلندا زوجها؟ هذا السؤال يجيب عليه بول أرون فى كتاب "ألغاز تاريخية محيرة"، دار "كلمات" و"هندواى"، والذى ننشره فى سلسلة سلى صيامك مع الألغاز فى رمضان.

فقد كانت شابة (فى الثانية والعشرين من عمرها)، وجميلة (كتب عنها سير والتر سكوت أن: لها ملامح لم نعرف لها وجودا من قبل. وعلى عكس ابنة عمها إليزابيث - ملكة إنجلترا - كان لتفكيرها طابع أنثوى تقليدى، على الأقل إلى الحد الذى جعلها تتوق لرجل تستطيع الاعتماد عليه. ولعل أكثر مقوماتها جاذبية، لأى خاطب محتمل، هو المهر الذى ستقدمه له: فلما كانت مارى ملكة على اسكتلندا، فإن زوجها سيصبح ملكا بالتبعية.

غير أن الرجل الذى تزوجت منه فى يوليو 1565 - وهو هنرى ستيوارت، إيرل دارنلى - كان فقيرًا لأقصى درجة. لا شك أنه كان يحظى ظاهريًا ببعض السمات الرائعة؛ فقد كان شأنه شأن مارى شابا وسيما وابن عم لإليزابيث. وكانت إليزابيث قد وضعته فى مرتبة قريبة خلف مارى فى تسلسل العرش الإنجليزى؛ ما ولد لدى مارى سببا لتمنى أن يزيد الزواج من أحقيتها فى أن تكون خليفة إليزابيث.

ولكن للأسف، كما أدركت مارى سريعا، كانت صفات هنرى الطيبة ظاهرية فحسب. فقد تبين أنه مدلل، وكسول، وليس له أى نفع على الإطلاق حين تعلق الأمر بحكم البلاد. وبنهاية عام 1565، كانت مارى قد تجاهلت زوجها واعتمدت بشدة على نصائح مستشارين آخرين، لا سيما شخص من إيطاليا كان يعمل موسيقيا فى وقت ما يدعَى دافيد ريتسيو.

كان هنرى، من جانبه، فى غاية الاستياء من تأثير ريتسيو ونفوذه، مثله مثل كثيرين آخرين فى طبقة النبلاء الاسكتلنديين. وكان مما أثار حفيظة الكثير من اللوردات البروتستانت بشكل خاص أن ريتسيو كان أجنبيا، ومثل مارى كاثوليكيا. وفى مارس  عام 1566، اقتحمت مجموعة منهم قصر الملكة، وراحوا يجرون ريتسيو وهو يصرخ، وظلوا يسددون له الطعنات حتى الموت. لم يشارك هنرى ذاته فى الجريمة، ولكنه قطعا كان ضالعا فى المؤامرة. وحتى لا يتركوا أى شك بشأن تورطه، ترك القتلة خنجر هنرى بحرص فى جثة ريتسيو.

غير أن مارى استمرت فى تقمص دور الزوجة الوفية. فعلى الرغم من أن هنرى كان يعانى من مرض الزهرى، فقد أقنعته أن يعود إليها من مسكن عائلته القريب من جلاسجو. وفى فبراير من عام 1567، انتقل هنرى إلى كيرك أوفيلد، وهو منزل يقع على أطراف إدنبره، حيث قامت مارى بتمريضه بكل إخلاصحتى استرد صحته.

ولكن المصالحة الملكية كانت قصيرة الأجل؛ ففى التاسع من فبراير، تركت مارى المنزل لحضور حفل زفاف لأحد الخدم فى المدينة، وبعد بضع ساعات، وقع انفجار فى كيرك أوفيلد. ووجدت جثة هنرى فى الحديقة؛ فعلى ما يبدو أنه قد هرب من الانفجار ليلقى حتفه مختنقا بالدخان الكثيف بالخارج.

كان معظم المراقبين على قناعة بأن الرجل الذى وقف وراء عملية الاغتيال هو عدو هنرى جيمس هيبورن، إيرل بوثويل، الذى استمرت عداوته لوقت طويل. ومن ثم، لم تكن مفاجأة حين تم اتهام بوثويل بقتله فى أبريل. ولكن الموضوع الأكثر جدلا هو دور مارى فى الجريمة. فقد هب كتاب معاصرون كاثوليك، مثل الأسقف جون ليسلى، لنصرتها والدفاع عنها، واصفين إياها بأنها أكثر براءة من مريم العذراء. أما الكتاب البروتستانت، وأبرزهم جورج بيوكانن وجون نوكس، فكانوا على نفس القدر من الحماس لكونها مذنبة.

أما عن مارى نفسها، فقد أنكرت أية صلة لها بموت زوجها، وبدا الكثيرون على استعداد لتصديقها. ولكن سرعان ما انهارت مصداقيتها؛ ففى 15 مايو، وبعد ثلاثة أشهر فقط من اغتيال الملك، تزوجت الملكة مرة أخرى. ولم يكن الزوج الجديد سوى إيرل بوثويل، المشتبه به الأول فى قتل هنري.

أدى زواج مارى من بوثويل إلى نهاية حكمها، ربما أكثر من جريمة قتل هنري. ورغم أن بوثويل كان لوردا صاحب نفوذ، فإنه لم يكن يملك شبكة تحالفات مع النبلاء الآخرين، والتى كانت فى غاية الأهمية لملك اسكتلندى فى القرن السادس عشر. أما بالنسبة إلى مارى، فقد تبخر تماما بعد الزواج ما كانت تحظى به من دعم - قوى دائما - بين اللوردات البروتستانت.

ومما اعتبره كثيرون محاولة يائسة لاستعادة سمعتها، أن مارى زعمت أنها تزوجت من بوثويل لأنه اختطفها واعتدى عليها، وهى القصة التى لم يصدقها يصدقها سوى قليلين.

وفى يونيو عام 1567، وبدعم قطاع كبير من عامة الاسكتلنديين، هزمت مجموعةٌ من النبلاء الغاضبين قوات مارى وبوثويل، وقاموا بسجن الملكة فى قلعة لوكليفن. وبعد شهر، وافقت على التنازل عن العرش تحت وطأة عجزها عن مقاومة تهديداتهم. فتنازلت عن العرش إلى ابنها الطفل جيمس، الذى ترأس حكومته أخو مارى غير الشقيق جيمس ستيوارت، إيرل موراي. وبعد عام، فرت مارى من لوكليفن وحاولت استعادة عرشها، ولكن قوات موراى هزمت قواتها مجددا، فى هذه المرة فى معركة حاسمة بالقرب من جلاسجو فى 13 مايو 1568. وبعد ثلاثة أيام، هربت مارى إلى إنجلترا على أمل إقناع إليزابيث بمساعدتها فى إعادتها للعرش.

غير أن وجود مارى أدى إلى ارتباك المشهد بالنسبة إلى إليزابيث. فمن ناحية، كانت رؤية ملكة أطيح بها من على عرشها كفيلة بأن تجعل ملكة إنجلترا تشعر بالقلق والانزعاج. ومن ناحية أخرى، كانت إعادة مارى إلى العرش ستتطلب هزيمة الحزب الموالى للبروتستانت والإنجليز فى اسكتلندا، وهو الأمر الذى كانت إليزابيث تمقت حدوثه.

فقررت تعيين لجنة للتحقيق فى القضية بأسرها، على أن يفيدوها بتقريرهم بعد ذلك. كانت اللجنة هى الفرصة الأولى التى حظى بها كلا الطرفين لعرض حججهما. (فقد ألقت محاكمة بوثويل فى جريمة الاغتيال - فى أبريل 1567 - قليلا من الضوء على الجريمة؛ فى ظل حصار المحكمة بقرابة مائتين من أنصاره المسلحين؛ ما جعل براءته مضمونة وغير منطقية.) واجتمع أعضاء اللجنة الإنجليز على مدار عامى 1568 و1569 فى يورك فى البداية، ثم فى ويستمينستر، وأخيرا فى محكمة هامبتون.

وصل موراى نفسه إلى ويستمينستر فى ديسمبر عام 1568 ليرفع دعواه ضد مارى. ولكن لم تكن حججه هى ما ألهبت وقائع المحاكمة بقدر ما جلبه من أدلة. فقد أحضر موراى معه ما كان حتى وقتذاك مجرد شائعة؛ أحضرمجموعة من الخطابات والقصائد، التى زعم أن مارى كتبتها لبوثويل، وعبرت فيها عن حبها العميق له وكراهيتها الشديدة لهنرى.

كان من بين ما اقتطف من الخطابات ما كتبته مارى لبوثويل عن أنها لا تريد سوى أن تكون "بين أحضانك يا حبيب العمر" وكان ذلك بينما كان هنرى على قيد الحياة. كانت على استعداد لأن تفعل أى شىء يطلبه منها؛ كل ما كان عليه فقط هو – حسب ما ورد أن "أن ترسل لى أوامر بما ينبغى أن أفعل" أما بالنسبة إلى هنرى، فكانت مشاعرها التى عبرت عنها فى الخطاب تجاهه واضحة: إذ قالت: "تبا لهذا المريض الذى يسبب لى كل هذا الازعاج.

كانت الخطابات تحمل إدانة بالغة، إذ بينت أن مارى قاتلة وعاهرة على حد سواء. ولكن مارى أنكرت أن الخطابات تخصها، وبادر المدافعون عنها فى وصفها بأنها مزيفة.

والحق أنه كان هناك قدر كبير من الشك بشأن هذه الخطابات. فطالب أنصار مارى بمعرفة لماذا ظلت الخطابات مختفية حتى اجتماع أعضاء اللجنة.

بحسب موراى، كانت الخطابات بحوزة حكومته منذ يونيو 1567، حين قاموا بالقبض على خادم بوثويل، جورج دالجيش، الذى قادهم بدوره إلى "صندوق مجوهرات" فضى كان يحوى الوثائق. ولكن كما أشار أنصار مارى، فقد انتظر موراى أكثر منع ام قبل أن يعلن هذا الدليل الدامغ؛ الأمر الذى كان سيمنحهم قدرا وافرا من الوقت لتزوير الوثائق، ثم تقديمها لأعضاء اللجنة فى اللحظة المناسبة تماما. علاوة على ذلك.

ففى الوقت الذى وصل فيه موراى إلى ويستمينستر، كان دالجيش - الشخص الوحيد الذى كان بوسعه دحض هذه القصة - قد أعدم بالفعل لمعاونة بوثويل فى قتل هنري.

كان محتوى الخطابات أيضا محل شك. فلم يكن أى منها يحوى تاريخا أو توقيعا؛ ومن ثم لم يكن هنالك طريقة للتأكد من أن مارى هى من كتبت الخطابات، وليس عشيقة أخرى لبوثويل. أما قصائد الحب، فكانت مكتوبة بأسلوب مختلف تماما عن شعر مارى المعروف، ويبدو أن الشاعرة، أيا كانت هويتها، كانت معجبة بثراء بوثويل، وهى عاطفة من غير المحتمل أن تراود الملكة التى كانت تفوق بوثويل ثراء إلى حد بعيد.

كل ذلك أقنع العديد من أنصار مارى بأن خطابات الصندوق كانت مزيجا من وثائق مزورة بشكل صريح وأخرى حقيقية تم التلاعب فيها لتبدو خاصة بمارى.

لم يقرر أعضاء لجنة إليزابيث رسميا قط مصداقية الوثائق، وكذلك إليزابيث نفسها. بدلا من ذلك، قرروا أنه لا يوجد دليل على أن موراى أو مارى قد أتيا بفعل مشين. وكان ذلك غير منطقى وفقا للقانون، ولكن كان له مدلول سياسى، على الأقل على المدى القصير. واستطاع موراى العودة إلى اسكتلندا حيث تمكن من الاستمرار فى الحكم باعتباره حليفا بروتستانتيا لإنجلترا. وظلت مارى فى إنجلترا، وفى الواقع ظلت بالسجن، إلا أن إليزابيث على الأقل لم تصدر أى حكم ضدها من شأنه أن يثير حفيظة الكاثوليك سواء بالداخل أو بالخارج.

غير أن إليزابيث على المدى الطويل ظلت تواجه مشكلة. فما دامت مارى على قيد الحياة، فمن الممكن أن تظل محورا لمخططات الكاثوليك لاستعادة العرش البريطانى والاسكتلندى أيضا. وقد شاركت مارى طواعية فى ثلاث على الأقل من هذه المؤامرات، تضمنت الأخيرة خطة لاغتيال الملكة البريطانية.

وكانت هذه هى القشة التى قصمت ظهر البعير بالنسبة إلى إليزابيث؛ ففى وجود أدلة ساحقة على دور مارى فى مكيدة الاغتيال، أمرت بإعدامها على مضض، بقطع رأسها فى 8 فبراير 1587.

أما فيما يتعلق ببوثويل، فكانت نهايته أكثر ترويعا. فقد لجأ للدنمارك؛ حيث لم يكن الملك سعيدا برؤيته كما لم تكن إليزابيث سعيدة برؤية مارى. فألقى به الملك فى حصن دراوسهولم، حيث قيد السجين بعمود فى نصف طوله. وقادت الظروف القاسية . بوثويل إلى الجنون، وظل كذلك حتى وفاته فى أبريل 1578.

على مدار حياة إليزابيث، ظلت مارى تصور بطرق متناقضة تماما. فكانت فى نظر الكتاب البروتستانت متآمرة كاثوليكية، وفى نظر الكاثوليك شهيدة بريئة. وبمجرد وفاة إليزابيث، ليخلفها جيمس نجل مارى، أفسحت هذه الرؤى المتناقضة مجالا لشيء أقرب لحل وسط، تمخضت عنه صورة، لا تزال مألوفة حتى اليوم، لبطلة رومانسية هزمها الحظ السيئ والحب التعيس.

وقد خدمت الصورة الجديدة جيمس على نحو جيد. فباعتباره ملكا بروتستانتيا يحكم دولتين بروتستانتيتين (إنجلترا واسكتلندا)، استطاع بمشقة أن يسمح لمارى الشهيدة بالاستمرار كإلهام لأحلام وآمال الكاثوليك. فى الوقت نفسه، كان يجد الوصف البروتستانتى الحاقد الذى وضعه بيوكانن ونوكس مستهجنا بالقدر نفسه؛ فقد كانت هذه والدته تلك التى كانوا يتحدثون عنها رغم كل شىء.

وهكذا ظهر حل وسط ملائم ولائق. ولكن على الرغم من أنه قد لبى الاحتياجات السياسية الراهنة، فقد طمر قضية كون خطابات الصندوق حقيقية أم مزيفة. وكما هوم توقع تماما، حاول جيمس أن يقضيعلى القضية بالتخلص من الدليل. وفى وقت مبكر من فترة حكمه، وبينما كانت الخطابات فى حوزة حكومته، إذا بها قد اختفت ولم تقع عليها عين منذ ذلك الحين.

لم يمنع ذلك المؤرخين اللاحقين من التفكر بشأنها. وفى ظل عدم وجود أى دليل جديد، نزع معظمهم إلى ترديد نفس الحجج التى أثارها موراى ومارى أمام أعضاء لجنة إليزابيث. وكان معظم مؤرخى القرن العشرين، الذينسردوا التناقضات فى أساليب ومضامين الخطابات، يميلون نحو الاعتقاد بأنها مزيج من وثائق مزورة بشكل صريح وأخرى تم التلاعب فيها. ولكن مع اختفاء الخطابات الأصلية، لا يمكن إيجاد حل قاطع للغز الخطابات.

كان المؤرخون أقل ترددا للحكم على القضية الأهم الخاصة بدور مارى فى مصرع هنرى، والتى يوجد عليها الكثير من الأدلة خلاف خطابات الصندوق. ومعظم هذه الأدلة تجعل لمارى صلة بالجريمة؛ فهناك تزلفها لهنرى من أجل العودة إلى إدنبره، على الرغم من دوره فى اغتيال ريتسيو ومعاناته من مرض الزهرى، ومغادرتها المنزل قبَيل ساعات فقط من الانفجار، وزواجها من بوثويل بعد شهور فقط من الحادث؛ كل ذلك يشير فيما يبدو إلى أن مارى كانت على علم بأن شيئا ما سوف يحدث. حتى لو لم تكن على دراية بمخطط تفجير كيرك أوفيلد، فلا بد أنها كانت تعلم أن شيئا ما يدور. علاوة على أن مشاركتها الحماسية فى المخططات اللاحقة للتخلص من إليزابيث إنما تشير إلى أن مارى لم يكن لديها أى تأنيب ضمير إزاء الاغتيالات السياسية.

هذا لا يعنى أنها كانت الوحش الذى صوره بيوكانن ونوكس. لقد كانت السياسة الملكية فى القرن السادس عشر مجالا قذرا، ولم يكن سلوك مارى أقذر من سلوك العديد من نظرائها، بمن فيهم إليزابيث. كان الفارق أن إليزابيث مارست اللعبة بمهارة وكتب لها الفوز، ولم تستطع مارى، بكل ما كان لها من جمال وسحر، أن تساير ابنة عمها مطلقا.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة