أكرم القصاص - علا الشافعي

"اليوم السابع" يعيد نشر آخر حوار صحفى مع الفنانة الراحلة جمالات شيحة

الخميس، 03 مايو 2018 07:59 م
"اليوم السابع" يعيد نشر  آخر حوار صحفى مع الفنانة الراحلة جمالات شيحة جمالات شيحة رائدة فن المواويل
هدى زكريا

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

قبل وفاتها بشهرين اختصت الفنانة الراحلة جمالات شيحة، رائدة فن الموال الشعبى، "اليوم السابع" بحوار صحفى كشفت فيه عن بداياتها الفنية وكواليس مسيرتها فى عالم الفن الشعبى والتى بدأت من مسارح محافظة الشرقية حيث ولدت والأفراح الشعبية التى أحيتها فى القرى والنجوع وانتهت باعتلائها مسارح دول العالم، وما جاء فيها من عقبات وتحديات.

كما تحدثت "جمالات" فى هذا الحوار عن الحفلات التى قدمتها أمام الرؤساء والسفراء والوزراء وكان آخر مناسباتها تلك، ما قدمته أمام وزير الثقافة ومحافظ القاهرة فى إحدى الأمسيات الغنائية منذ خمس سنوات ، وخلال فترتها الاخيرة كانت جمالات تنتظر التقدير من قبل وزارة الثقافة التى قدمت لها الكثير على حد قولها وفى مقابل ذلك لم تلق ما تستحقه بناء على تاريخها ومشوارها الفنى.

 

وفى السطور التالية نعيد نشر حوارها الصحفى الأخير الذى اجرته مع اليوم السابع فى نهاية فبراير الماضى .

 

** لا أفكر فى الفن حالياً.. فقط أفكر فى علاقتى بالله و« هناكل ونلبس إيه كل يوم».. وأنا كييفة لبس الحشمة.. وفن الموال الشعبى انقرض وأغانى المهرجانات مجرد هيصة وخلاص

اختارت ألا تغادر مسكنها المتواضع، جابت العالم كله وذاع صيتها إلا أنها قررت أن تستقر فى منزل بسيط، تتآكل جدرانه، ولكنها تحمل معها رائحة فلاحة مصرية أصيلة ذات صوت عذب يذكرك فور سماعه بحلاوة هذا البلد وأصالة فنه.
 
 
شهادات تقدير وأوسمة ودروع تكريم تتزين بها حوائط منزلها، هذا هو عالمها الصغير تتطلع إليه بين الحين والآخر وتسترجع معه لحظات أخذت تشدو فيها بكلمات مازالت عالقة فى أذهان الصغير قبل الكبير وكل من أراد أن يقرأ ويعرف تاريخ الموال والفن الشعبى.
 
 
إنها الفنانة جمالات شيحة، التى تقفز صورتها أمام عينيك بمجرد أن تسمع كلمات الأغنية التراثية الشهيرة «على ورق الفل دلعنى.. أنا محملش الذل دة يعنى»، وعلى الرغم من أن تلك الكلمات قد تغنى بها كثيرون إلا أن أنغام جمالات وبصمة صوتها فى هذا المقطع تحديدًا مرتبط بها حتى وقتنا هذا.
 
 
ولدت جمالات شيحة، رائدة فن المواويل، عام 1933 بقرية كوم حلين بمحافظة الشرقية فى هذه القرية ووسط 10 أشقاء لم يتبق منهم سوى واحدة بخلاف جمالات، عرفت الأخيرة طريقها الفنى ورسخت فيه معالمها عندما أخذت «تدندن» مع نفسها داخل منزلهم وتسمع صوتها يردد الأغانى المنبعثة من الراديو، سواء كانت لكوكب الشرق أم كلثوم أو عبدالحليم حافظ، ومحمد عبدالوهاب، طفلة لم تتجاوز الثانية عشرة من عمرها باتت تحفظ كلمات هؤلاء العمالقة عن ظهر قلب وتجوب قرى محافظتها لتلقيها على العامة فى الأفراح والموالد.
 
 
من هنا انتبه الوالد الذى عُرف عنه حبه للموال الشعبى أيضًا، لموهبة هذه الطفلة، التى انتقلت بعد ذلك لشقيقتها رضا فأخذ ينميها حتى أصبحت طفلتاه أسماء مطلوبة فى كثير من المناسبات.
 
 
«أنا من عائلة فنية والدى كان صوته جميلا وتأثرنا به كان يطلق المواويل فى المنزل ليل نهار وعندما انتقلت إلينا الموهبة نفسها وافق على دخولنا مجال الفن وكان سعيدا جدا بنا، تنقلنا بين القرى أنا وشقيقتى رضا لنغنى فى الأفراح والموالد تحديدا مولد سيدى أبو مسلم، الذى كانت تأتيه الشخصيات العامة من كل مكان وتكثر فيه الذبائح والكرامات وذات يوم سمعنا الأستاذ زكريا الحجاوى– أحد رواد الفن الشعبى فى مصر – وأعجب بصوتنا كثيرا وأتى مرة أخرى لزيارتنا برفقة الفنانة الراحلة، خضرة محمد خضر، وقابل والدى واتفق معه على اصطحابنا للقاهرة للغناء، وهذا كان فى 1961 واستقررنا هنا فى منطقة إمبابة بعد وفاة أبى وعملنا والله كان يضع البركة فى القليل».
 
 
 
هكذا تحكى الحاجة جمالات، كما تحب أن تطلق على نفسها دوما، لـ«اليوم السابع» بداية دخولها مجال الفن برفقة شقيقتها رضا، ذاكرة أسماء المسارح، التى اعتلت خشبتها لتشدو بصوتها، بداية من مسرح الصوت والضوء والمسرح العائم، وصولا إلى مسرح البالون، حتى ذاع صيتها وبدلا من أن تكون اسمًا مطلوبًا فى الداخل أصبحت عنصرًا أساسيًا فى حفلات الفن الشعبى، التى يتم تنظيمها فى دول أوروبا لتعريف الأجانب بهذه الثقافة فسافرت صاحبة الخمسة وثمانين عاما إلى اليابان وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وبلجيكا والأردن وتونس.
 
 
توارثت جمالات حب الفن الشعبى وانتقل هذا الحب تباعا بعد ذلك لأولادها باستثناء ابنتها «أم هانى»، التى تقول عنها: «بنتى ليس لها علاقة بالفن إطلاقًا، لكن ابنى وحيد، رحمة الله عليه، وهو أكبر أبنائى كان له صوت جميل يتغنى به مع نفسه فقط، رافضًا الدخول فى المجال أما أبنائى مجدى وسيد فكان لهما نصيب من الفن الأول يعزف والثانى يغنى وعضو نقابة المهن الموسيقية».
 
 
تحرص جمالات على الظهور فى أبهى صورة، تضع مساحيق التجميل لاستقبال زوارها، كما لو كانت فى العشرينيات من عمرها، تفرح وتبكى وتغنى، تنفعل وتضحك تفعل الأشياء جميعها فى آن واحد فتدخلك معها فى حالة خاصة مليئة بالمشاعر المتضاربة، حالة من الصعب تفسيرها ولكنها ترغمك على الاستمتاع بها منذ اللحظة الأولى. «أفضل دائما أن أطل على الناس ببهجة وابتسامة وطوال الوقت جمالات فى نظرى طفلة صغيرة أهتم بها والسبب فى هذا كله هو شعورى الدائم بالرضا وإحساسى النابع من داخلى بأنى طوال الوقت كنت وما زلت كالسيف أسير على الخط المستقيم وأرفض الحال «المايل»، فوالدى علمنا الأدب كنا نذهب من الشغل للبيت والعكس لانعرف أحدا ولا نجالس أحدا عيشنا فى الفن بكرامتنا بدأنا بالأدب وانهيناه بالأدب ليس لنا سمعة أو تاريخ سيئ.. و«أنا كييفة حب ارتداء ملابس الحشمة وأبتعد عن الملابس الكاشفة الفاضحة وأفضل اللون الأسود لأنه رمز للوقار والهيبة».
 
 
 
فى كلمات معدودة رسمت جمالات معالم شخصيتها، التى تتمسك بها وترفض أن تبدلها مهما اختلفت الظروف الاجتماعية المحيطة ومهما كانت الإغراءات التى واجهتها طوال مشوارها الفنى للوصول إلى الشهرة بشكل أسرع.
 
 
ولعل هذا ما يفسر رفضها الغناء خلف الراقصات: «غنيت مرة واحدة فقط لمدة شهر خلف الراقصة نجوى فؤاد وبعد ذلك تركتها انتهى رزقى إلى هذا الحد ولم أعاود التجربة مرة أخرى اكتفيت بالغناء مع فرقتى فقط وبشخصيتى وقضيت مرحلتى بخير وسلام».
 
 
ومن واقع معاصرتها لجميع رؤساء مصر بحكم سنها، أعلنت حبها صراحة للرئيس الراحل جمال عبدالناصر، الذى تلمع عيناها بمجرد ذكر اسمه وتقول عنه:  «ربنا زرع حب عبدالناصر فى قلبى بدون أسباب أو حساب، كان رجلا صارما صوته من دماغه والبركة فى الموجودين».
 
 
طوال مشوارها الفنى غنت جمالات أمام الفلاح والباشا، كما تقول: «أحييت أفراحا فى قرى بسيطة وأخرى فى قصور فارهة عزفت أنغامها أمام كثير من الوزراء والسفراء»، وكان آخر مناسباتها تلك، ما قدمته أمام وزير الثقافة ومحافظ القاهرة فى إحدى الأمسيات الغنائية منذ خمس سنوات تقريبا- وفقا لما تذكره- «كانت هناك شخصيات عامة تأتى إلينا فى منزلنا بالشرقية ونذهب معهم أنا وشقيقتى رضا لإحياء الحفلات والأفراح».
 
 
ولكن على الرغم من قدرتها على «سلطنة» الحاضرين إلا أنه من الصعب أن نجد صوتا واحدا قادرا على إبهارها باستثناء كوكب الشرق: «تربيت على أغانى أم كلثوم وتعتبر هى الفنانة الوحيدة التى أحرص على سماعها طوال الوقت.. وفى رأيى قديما كانت الأصوات أفضل من الآن بكثير، فحاليا لا يوجد صوت واحد أستطيع أن أقول عنه إنه يُسلطن جمالات شيحة، أحيانا أسمع تامر حسنى أو شيرين، ولكنهما لا يأتيان بما أريده، اللعب فى العُرب والمقامات شىء ليس من السهل القيام به فالعُرب الجميلة مثل اللعبة بحاجة لموهبة فى المقام الأول».
 
 
 
 
رأى جمالات فى مطربى الجيل الحالى لا يختلف كثيرا عن موقفها ممن نافسوها فى نوع الفن الوحيد الذى تجيده وهو فن الموال الشعبى، حيث ترى أن الفنانة فاطمة عيد مازالت تحتفظ بلون واحد فقط فى الغناء ولها طريقة محددة لا تحيد عنها حيث تقول: «فاطمة تغنى من اتجاه واحد فقط نغمها غير متنوع والريس متقال رحمه الله كان دمه خفيفا فقط، أما أحمد عدوية أو طارق الشيخ وعبد الباسط حمودة فأصواتهم جيدة، ولكن نادرا ما تعلق فى ذهنى كلمات أغانيهم، أما الأغانى المنتشرة هذه الفترة «المهرجانات» من متطلبات المرحلة يسمعها الشباب، ولكن لا تعتبر فنا فهى مجرد هيصة وخلاص، وأنا لن أنظم المُلك أنا فقط أحب أن أسمع الكلمات والألحان الجميلة، والفن له احترامه وله معنى وكلما كان الفنان مُحافظا على وضعه ومركزه انعكس هذا على مدى ثقته بنفسه وحتى وقفته على المسرح، أما إذا كان متعوسا وصوته نشاذا فالناس هتهيص معاه وخلاص.
 
 
حالة السلطنة التى تعيشها جمالات طوال الوقت، تتفق مع طبيعة شخصيتها الذواقة للفن الأصيل والمغرمة بالآلات الموسيقية، خاصة آلة الكمنجة أكثر آلة أحبها وأتفاعل معها هى الكمنجة، لأن بها قدرا كبيرا من الحنان، ولكن الأمر أولا وأخيرًا يعود لمهارة العازف وقدرته على إقناع الناس، أحب كل الآلات لكن الكمنجة لها سحر خاص وشرخة بتشجى النفس.
 
طوال حديثها معنا كانت تسيطر عليها حالة من الاستسلام، تردد كلمات بعينها كلما أحست أن الأجيال الجديدة تريد أن تعرف عن تاريخها المزيد «انتهى زمنى، الآن أصبحت لا أفكر فى الفن فقط، أفكر فى علاقتى بالمولى عز وجل وأسأل نفسى يوميا ماذا سيأكل ويرتدى أولادى وأحفادى».
 
 
هذه الحالة انعكست أيضًا على رؤيتها لمستقبل الموال الشعبى فى مصر حيث تقول: أين هو الفن الشعبى؟ انقرض ولا أستطيع أن أحكم إن كان سيبقى لى خليفة أم لا، ولكن بشكل عام من يلقى الموال يجب أن يكون مدرًا له لأنه علم مثلا أنا لا أجيد القراءة والكتابة، لكن فى الفن كنت أحفظ الكلمات وألتزم باللحن، مش بعجن وخلاص زى اللى بيحصل اليومين دول، وأخذت حقى منه وجوبت العالم كله والحمد لله.
 
 
 
على الرغم من أن فكرة اعتزال الفن تراودها بين الحين والآخر إلا أنها مازالت تحلم بأمرين الأول أن تعيش اليوم، الذى تنال فيه التقدير من مؤسسات الدولة على ما قدمته لها: لم أنل حقى كان نفسى أن تنظر لى وزارة الثقافة التى عملت بها، وما قدمته للفن الذى رفعت رأسه عالية وكنت سببًا فى اكتشاف مواهب كثيرة، فكان من المفترض أن تخصص لى الوزارة على الأقل مبلغا شهريا ثابتا، ولكن لا جدوى: إحنا بنأذن فى مالطة.. والله سبحانه وتعالى لا ينسى عباده، والأمر الثانى أن تسجل القرآن الكريم بصوتها، وهذا شىء صعب بسبب جهلها بقواعد القراءة والكتابة: «لو عاد بيا الزمن وكنت أجيد القراءة لحفظت القرآن الكريم وتلوته بصوتى».
 
 
تتظاهر بالقوة أحيانًا ويغلبها ضعفها أحيانًا كثيرة، ولكن فى النهاية تبقى مواقف بعينها لن تُمحى من ذاكرة جمالات، وكلما ذكرت أبطالها لا تتمالك نفسها من البكاء، مشاهد وفاة أبيها وأمها وزوجها.. وأخيرا ابنها: من يرضى بالأيام يغلبها ولكنى متأثرة بأمور كثيرة وفاة أمى وأبى وزوجى وعدم وجود ابنى أثر فى كثيرا، فابنى «وحيد» كان أكبر أبنائى كان عنوانًا فى الشياكة واللباقة كانت كل من تراه تعجب به».










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 2

عدد الردود 0

بواسطة:

عمدة المقطم

رحمها الله، تقديرها يملأ قلوب محبيها

فوق

عدد الردود 0

بواسطة:

الأسكندراني

(( البقاء لله ))

...و...و البقاء لله ....وعزاؤنا لكل آل ( شيحه ) ....والعمر المديد لك يا ( مفيده ) .....!!!!!

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة