أكرم القصاص - علا الشافعي

نساء على رقعة الشطرنج

نفيسة المرادية بيضاء القلب التى دفعت الجزية مقابل جمالها.. كانت الأقوى والأجمل والأغنى والأكثر عطاء فى عصرها وحافظت على علاقاتها طيبة مع الجميع وعاشت ملكة وماتت وحيدة فقيرة ذليلة

السبت، 26 مايو 2018 07:00 م
نفيسة المرادية بيضاء القلب التى دفعت الجزية مقابل جمالها.. كانت الأقوى والأجمل والأغنى والأكثر عطاء فى عصرها وحافظت على علاقاتها طيبة مع الجميع وعاشت ملكة وماتت وحيدة فقيرة ذليلة
دينا عبدالعليم

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

رفعت شعار الخير للجميع فتكفلت بالفقراء ودفعت الجزية عن الأغنياء، وفتحت قصرها ملجأ لحماية سيدات الأمراء

 
نسير فى الحياة عبر رقعة كبيرة مقسمة بالتساوى إلى مربعات بعضها شاهق البياض، وبعضها قاتم السواد، وعليها يقف البشر وفقًا لقلوبهم، فمنا من منحه الله قلبا أبيض وسيرة عطرة فوضعه التاريخ فى موضعه على الرقعة البيضاء، ومنا من تملك السواد من قلبه فكانت الرقعة السوداء مصيره، وبين كل هذا نسوة أثرن فى الحياة خيرًا وشرًا ووقفن داخل الرقعتين أو تنقلن بينهما، ومن خلال هذه السلسة نحاول النظر إلى سيرتهن نظرة أخرى دون الحكم على واحدة منهن أو التأثر بإيمانها أو كفرها، فقط تناول سيرتها كأنثى أثرت فى الحياة ولكم وحدكم الحكم.
 
 
القوة وحدها ترسم حدود ما نحققه من إنجازات وما نحصل عليه من الحياة، قد تنبع هذه القوة من ذكاء مفرط، أو من جمال خلاب أو من نسب عريق أو من إرادة صلبة، وقد تنبع القوة من قلب أبيض يملأه الخير والعطاء والحب، هذا القلب هو السر فى الشهرة التى نالتها بطلة حكايتنا اليوم السيدة نفيسة البيضاء والتى عاشت فى مصر فترة الحملة الفرنسية وعرفت بالخير والعطاء، لدرجة أنهم أطلقوا عليها «أم المماليك»، وذلك لرعايتها لهم خاصة النساء منهم، كما أنها صرفت جزءا كبيرا جدا من ثروتها عليهم وعلى غيرهم من أبناء الشعب المصرى، وتبرعت لهم بالأموال وبنت لهم المدارس المجانية للتعلم والبيوت للسكن مجانا، فاستحوذت بعطفها ورقة قلبها على قلوب المصريين، واستحوذت بدبلوماسيتها وثقافتها على احترام المحتل الفرنسى، واستحوذت باحتوائها على قلوب المماليك. لم تستحوذ نفيسة البيضاء على هذا فقط، بل استحوذت بجمالها الفريد على ثروة طائلة ورثتها عن أزواجها الأربعة الذين تزوجتهم تباعا وماتوا جميعا مقتولين، وكان زوجها الأول على بك الكبير والى مصر وقت أن كانت مجرد جارية مجهولة الأصل لا يعرف أحد هل هى شركسية أم تركية أم قوقازية، لكن الثابت أنها كانت جميلة جدا وناصعة البياض ومثقفة جدا تتحدث الفرنسية والعربية وتقرأ الشعر، وقد أعتقها زوجها على بك وتزوج بها وبنى لها بيتا كبيرا، ثم مات مقتولا على يد مراد بك الذى طمع فى نفيسة بعد أن رآها ووقع فى غرامها، كما طمع فى حكم مصر، ولم يجد سبيلا للحصول على ما يريد إلا بمقتل على بك الكبير، ففعل وتزوج نفيسة وحكم مصر مناصفة مع محمد أبوالدهب الذى كان مملوكا لعلى بك الكبير فقرر خيانته والاتفاق على قتله للوصول إلى حكم مصر وفعل ذلك مع مراد بك، الذى تزوجته نفيسة بعد ذلك وكبرت ثروتها التى ورثتها عن زوجها الأول بثروتها المُضافة إليها من زوجها مراد بك، وهنا سؤال يطرح نفسه، لماذا قبلت نفيسة وهى سيدة حرة قوية الزواج من مراد بك وهى تعلم أنه هو من قتل زوجها؟! لكن التاريخ لم يعطنا إجابات أو تفسيرات واضحة لهذا السؤال.
 
ذكر لنا المؤرخ عبدالرحمن الجبرتى فى العديد من كتاباته عن هذه الفترة التى شهدت الاحتلال الفرنسى على مصر، ووجود المماليك فيها الكثير عن نفيسة المرادية أو نفيسة البيضاء، فقال إنها كانت امرأة رائعة وقوية فى شخصيتها، وكانت خير سند وأخلص مستشار لزوجها مراد بك فى الشأن العام، وعلى النقيض من خلقه تماما، فحاولت كثيرا الحد من الظلم الذى يرتكبه زوجها فى حق المصريين، وكانت تعارضه دوما رغم أن له مطلق السلطان على مصر فى مصادرة أموال التجار الأوروبيين وإرهاقهم بالضرائب والغرامات، تلك التصرفات التى كانت واحدة من أسباب الحملة الفرنسية على مصر، كما ذكر الجبرتى أنها كانت محبة للخير فالتفت حولها قلوب المصريين بما قدمته من بر وإحسان وتصدق على الفقراء والمساكين وحماية الضعفاء ورفع المظالم عنهم، كمان كانت تتبرع بإعانات شهرية مالية للعديد من عائلات المماليك.
 
بعد زواجها من مراد أطلق عليها المصريون لقب نفيسة المرادية نسبة إلى زوجها مراد بك، واستطاعت خلال فترة زواجه بها والتى دامت عشرين عاما أن تخلق لنفسها عالما كبيرا مستقلا فقد اشتغلت بالتجارة حتى أصبحت أغنى أغنياء مصر، وتعد تقريبًا السيدة الوحيدة فى هذه الفترة التى كانت تمتلك أموالها الخاصة بهذا القدر من الثراء، فقد كان لها جيشا يخدمها عبارة عن 400 مملوك وأسطولا خاصا من السفن و56 جارية لكن ميزها عن غيرها من الأغنياء أنها كانت تفعل الخير دوما فقامت ببناء منطقة تجارية صناعية أنشأت بجوارها ربعا كبيرا للعمال الفقراء يعيشون فيه مجانا وسبيل للمياه ومدرسة لتعليم أبناء الفقراء مجانا، وهو ما قربها من قلوب الفقراء، ولم تكن المعاملة الطيبة من نصيب المصريين الفقراء فقط، بل تعاملت بنفس الكرم مع رجال الاحتلال الفرنسى، ففتحت قصرها لاستقبال الجرحى منهم وأمرت بعلاجهم، وهو ما جعل لها مكانة كبيرة واحتراما لدى المحتل الأجنبى، وكانت على علاقة مباشرة بنابليون بونابرت الذى استضافته على العشاء فى قصرها وقدم لها ساعة مرصعة بالألماس وعندما عاد إلى فرنسا تاركا كليبر خليفة لها أوصه بها، وقال إنها سيدة قوية وسيظلان أصدقاء للأبد، إلا أن هذه الصداقة لم تشفع لها بعد هزيمة جيش زوجها مراد بك أمام الفرنسيين فى موقعة الأهرام 21 يوليو 1798.
 
بعد الهزيمة فر مراد بك زوجها للصعيد بينما بقيت هى فى القاهرة وسط الفقراء والمماليك ترعاهم، وقتها فرض المحتل الفرنسى جزية كبيرة على المماليك دفعتها لنفسها، كما قامت بدفع الجزية عن نساء المماليك، وكلف نابليون رجاله بمهمة جمع الأموال من حريم المماليك البكوات الكبار فدية لجمالهن، مقابل توفير الحماية لهن، فدفعت نفيسة الفدية عن جمالها وغيرها من نساء المماليك، وكان رجال الحملة الفرنسية يلاحقون نساء المماليك، وينهبون قصر نفيسة، فى هذه الفترة مات زوجها مراد بك بالطاعون فى عام 1801 وخرج الاحتلال الفرنسى من مصر ودخل البريطانيون وحصلت نفيسة على المكانة نفسها معهم، وتزوجت من إسماعيل بك الذى كان يعاونها ويشجعها على مساعدة المماليك والفقراء، حتى مات بعد زواجهما بعامين، ومنذ هذا الوقت تغيرت حياة نفسية تمامًا وانقلبت رأسا على عقب بعودة العثمانين للحكم، فمنذ تولى أحمد خورشيد باشا حكم مصر عام 1804 فأساء إليها وفى يوم استدعاها للقلعة مقر حكمه واتهمها بالتخطيط لثورة ضده، وأنها تستخدم جواريها فى توزيع المنشورات ضده فردت عليه قائلة «إن السلطان وعظماء الدولة رجالًا ونساء يعرفوننى، ويعرفون قدرى‏،‏ ولم ألق إلا الاحترام من الجميع حتى من المحتل، أما أنت فلم يوافق فعلك فعل أهل دولتك ولا غيرهم‏»، فغضب خورشيد باشا غضبا شديدا منها وأمر بحبسها وسجنها وصادر جزءا كبيرا من أموالها وهو ما أثار غضب كثيرين من الفقراء والمماليك الذين ساعدتهم ومدت لهم يد العون، لكنها أوصت رجالها فى الخارج بعدم قطع المعونات عن الفقراء وظلت تدفع لهم وترعاهم بما تبقى من أموالها، لكن الوضع انقلب عليها تماما عام 1805 حيث أمر محمد على باشا القائد العثمانى بمصادرة ما تبقى لها من أموال وبقيت هى فى إقامة جبرية بأحد بيوت المشايخ تحت حراسة خاصة حتى نسى الجميع سيرتها، وماتت وحيدة فقيرة بعد حياة طويلة مليئة بالخير والعطاء.
p
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 2

عدد الردود 0

بواسطة:

عباس

الى من يكرهون جمال عبد الناصر

يكفى انه اول رئيس مصرى يحكم مصر . كان رحمه الله اسطوره رغم اخطائه السياسية الفادحة ( اليمن - نكسة 67 )

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد عزت عمران

نفيسة المرادية

الله يرحمها و يسكنها فسيح جناته

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة