د. عباس شومان

"مَرْثَدُ بنُ أبى مَرْثَد"

السبت، 26 مايو 2018 11:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ورحمة الله للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اتبع هداه إلى يوم الدين، وبعد.
 
حديثنا اليوم عن سيدنا مَرْثَد بن أبى مرثد كَنَّاز بْن حُصَيْن الغنوى، ذاك الصحابى الجليل الذى لا يعرفه كثير من المسلمين؛ رغم أنه مثال لموهبة رياضية فريدة فى العدو وقوة التحمل، وقد اهتم النبى، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بموهبته ووجها التوجيه الأمثل فاستثمر هذه الطاقة البشرية الهائلة فى خدمة الدين والمجتمع، والغريب أن نفرًا ممن لا علم لهم يعتقد أن الرياضة من الأمور التى يجب على المسلم أن يبتعد عنها، معتبرًا إياها لهوًا يشغل عن ذكر الله وعن الصلاة، وممارستها بالنسبة لهم تقلل من هيبة الإنسان واحترامه بين الناس، وهذا لا شك فهم خاطئ لمعنى الدين الإسلامى الذى اهتم بالمسلم نفسيًّا وجسديًّا وعقليًّا وروحيًّا واجتماعيًّا وأخلاقيًّا، واعتبر الرياضة وسيلة فعالة لتقوية الجسم وتقويمه، وعلى هؤلاء أن يتأملوا قول النبى، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ» «رواه مسلم». وهذا سيدنا مرثد بن أبى مرثد الذى آتاه الله القوة والسرعة والقدرة على التحمل، يستثمر كل هذه الطاقات والقدرات فى خدمة مجتمعه، بخلاف كثير من الناس الذين إذا رزقهم الله القوة استغلوها فى إيذاء غيرهم وإلحاق الضرر بمجتمعاتهم، مع أن هذه القدرات متى استخدمت وفق ضوابط الشريعة الإسلامية، ووجهت نحو الإعمار والإصلاح كانت عاملًا مهمًّا لبناء الأمم وتقدمها، لذا بين الله تعالى أن القدرة الجسمية وكمال البنيان كانا سببين من أسباب اختيار طالوت ملكا، يقول جل شأنه: «وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِى الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ» «البقرة من الآية 247»، كما امتُدحت القوة والأمانة فى القرآن على لسان إحدى ابنتى الرجل الصالح فى قوله تعالى: «قالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [سورة القصص الآية (26)»، ولأن موهبة سيدنا مرثد لا تخطئها العين، فليس عجيبًا أن يلتقطها النبى، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ليوجهها التوجيه الأمثل، فيختاره لمهمة عظيمة ومسؤولية كبيرة ويكلفه بالذهاب إلى مكة وتحرير أسرى المسلمين هناك، ويلتزم الشاب بأوامر النبى، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويقطع تلك المسافة الكبيرة بين مكة والمدينة ليؤدى هذه المهمة الخطيرة والشاقة، فيدخل مكة تحت جنح الليل، ويبحث فيها عن البيوت التى يحتجز فيها أسرى المسلمين، فيقتحمها ويحمل الأسير على ظهره، ويجرى به بعيدًا حتى لا يراه أحد من المشركين، ثم يفك عنه قيوده ويحمله معه إلى المدينة، ويستمر فى أداء ما كُلف به فى همة ونشاط، إلى أن يأتيه اختبار عظيم من الله–تعالى–فمرثد كان قد وعد رجلا من أسرى المسلمين فى مكة ليحمله، فذهب إليه فى ليلة مقمرة فرأته امرأة بغى اسمها «عناق» كان يحبها فى الجاهلية ويأتيها، فلما رأته عرفته ونادته وطلبت منه أن يبيت معها ليلته ويقضى وطره منها، لكنه استطاع تلك الليلة أن ينجح فى الاختبار وأن يثبت أن قوته ليست فى جسده فقط بل فى يقينه وإيمانه وتمسكه بالحق وابتعاده عن الحرام، فقال لها: يا عناق، حرَّم الله الزنى، فهددته: إن لم يستجب لها فستفضح أمره وتدل أهل قريش عليه، فما زاده كلامها إلا ثباتًا وقوة.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة