"الولادات فى رمضان غير كل شهر، هو شهر الخير والبركة حتى فى العيال وإحنا بنكون عارفين إن الضغط فيه أكثر من أى شهر تانى لدرجة أنه بيكون موسم للشغل وفى كل لحظة وإحنا صايمين وعند أذان الإفطار وقبل السحور بساعات بنكون عارفين أن رنة التليفون كفيلة إننا نجرى عشان نلحق أم فى ولادة صعبة ونساعد أن روح جديدة تيجى الدنيا" هذه الكلمات التى قالها الدكتور عمرو عباسى، استشارى أمراض النساء والتوليد بالمركز القومى للبحوث، بصفته واحد من بين العديد من أطباء النساء الذين يتعايشون مع تجارب مختلفة ومميزة للولادة فى الشهر الكريم.
ومن بين قصة وأخرى رصد "اليوم السابع" اللحظات الصعبة التى يمر بها الطبيب عندما تبدأ السيدة الطلق خاصة مع طبيعة شهر الصيام، وكذلك الأوقات التى تكون أحلى عندما يرى بين يديه طفل صغير وسط الزغاريد والفرحة الحقيقية، حتى إن بعضهم وجدوا فى هذه المهمة الإنسانية إحساسا يفوق روعة الإفطار بعد طول صيام، وكأن هذه الصرخة التى تختلط بأصوات المباركات فى عز تعب الصيام قطرات من الماء محلاة بمنقوع التمر الطازج.
ليه رمضان موسم الولادات؟
السؤال الأهم هو لماذا أجمع أطباء النساء والتوليد أن رمضان هو موسم الولادات والشغل به أكثر من أى شهر؟ هذا ما اختلفت حوله الإجابات، لكن كلها جاءت وفقا لحقائق اجتماعية نعيشها كمصريين.
وفى هذا السياق قال الدكتور أيمن هانى، استشارى أمراض النساء والتوليد بقصر العينى، إن شهر رمضان من أكثر الشهور التى يكون فيها ولادات، لأن الكثيرين من الأشخاص يربطون الإنجاب ببهجة رمضان ويشعرون ببركة فى الولادة، وبالتالى يحددون موعد ولادتهم القيصرية خلال الشهر، خاصة أن بعضهم يخاف دخول أيام العيد ولا يجد أطباء فى ذلك الوقت لإجراء الولادة، لأن معظم أطباء النساء يسافرون فى إجازة العيد وبالتالى ستضطر السيدة للولادة مع طبيب غير متابع لحالتها وهو ما يخلق حالة من الذعر لديها.
كما أرجع الدكتور عمرو عباسى، استشارى أمراض النساء والتوليد بالمركز القومى للبحوث، هذا الأمر إلى أن الكثير من المصريين عادة يتزوجون فى العيد، أو بعده مباشرة ثم تحمل السيدة بعد شهر أو اثنين من الزواج وهو ما يزيد معدل الولادة فى رمضان كنتيجة لهذه الدورة الطبيعية للزواج فى مصر.

د.عمرو عباسى: طلبت من قطاع الطريق يسيبوا عربيتى عشان الحق الولادة
ومن بين أبرز المواقف التى حدثنا عنها الدكتور عمرو عباسى عن ولادات رمضان، عندما استدعدوه لولادة طارئة قبل السحور مباشرة، فسارع إلى المستشفى لأن حالة السيدة كانت غير مستقرة، وبينما هو فى طريقه من 6 أكتوبر إلى المنيل، فجأة توقفت سيارته واستوقفه قطاع الطرق ليأخذوا منه كل شىء معه، هنا يقول "طلبت منهم يسبولى العربية بس عشان الحق الولادة وفعلا خدوا تليفونى والفلوس وكل حاجة وجريت على الولادة".
لم يفكر وقتها إلا بروح الطبيب حتى إنه تجاوز تعرضه للسرقة وكل ما شغل باله أن هناك سيدة فى انتظاره كى تنجب طفلها الأول ويعبر عباسى عن فرحته "كانت فرحتى كبيرة وقتها بالطفل وسلامة الأم وبالفعل ولدت معايا بعد كدة 3 مرات لكن هذه المرة الوحيدة التى كانت وقت السحور".
أما عن أسعد لحظاته، فكانت عندما انتهى من ولادة ليجد أهل السيدة الحامل، يقدمون له الطعام ليشاركهم فى الإفطار داخل المستشفى، معبرا عن مشاعره "إحساسى لا يوصف وقتها وكمية فرحة غير عادية"، مضيفا أن هذا ما يعوض الطبيب عن ما يحدث له عندما لا يتمكن من السحور بسبب ولادة ويتناول كوب ماء داخل غرفة العمليات فقط قبل أن يدركه وقت الصيام قائلا "منتشرة جدا ولادة نص الليل وخصوصا فى رمضان والدكتور تحت أمر الطلق".
حكاية أختين ولدوا فى يوم واحد وقت الإفطار والسحور
دكتور أيمن هانى، استشارى النساء والتوليد بقصر العينى، كان له قصة مختلفة تماما فى شهر رمضان، عندما بدأ حديثة قائلا إن أغلب الأطباء يفضلون العمل فى الفترة الصباحية، لكن هناك ولادات كثيرة تأتى بشكل مفاجئ، ومن بينها كانت ولادة أختين، حيث كانت تتابع معه إحداهما وكانت ولادتها مفاجئة قبل موعد الإفطار بدقائق فلم يحضر وقتها الإفطار وعند عودته لمنزله بساعات قليلة جاء له تليفون يخبروه أن أختها تلد.
يقول هانى عن هذا الموقف "الدكتور المتابع لحالة أختها سافر وأسرتها لجأت لى، وعندها عدت ليفوتنى السحور أيضا ويمر اليوم دون إفطار أو سحور إنما وجبة بينية استطعت أن أتناولها سريعا".

أسماء مواليد رمضان وحكايات خلفها
وأوضح لنا الدكتور أيمن هانى أن أسماء المواليد ترتبط بشكل كبير بهذا الشهر، فهى تتنوع ما بين رمضان وكريم وليلة، ويعود كل منها لحدث معين، فعن اسم "ليلة" قال "ولدتها ليلة 27 من رمضان فسمتها الأم ليلة ارتباطا بليلة القدر".
وأضاف هانى "أنا شخصيا مراتى ولدت فى شهر رمضان وكنا حائرين بين أكثر من اسم وفى النهاية سميناه كريم لأنه ولد فى الشهر الكريم".
بجانب هذه الأسماء، نجد أسماء مثل بدر وهلال تزيد فى هذه الفترة أيضا، بسبب تعبير الأشخاص عن تباركهم برمضان والمولود الجديد الذى جاء فى شهر الخير.
سيدة صامت أول يوم رمضان ففاجأها "الطلق" على السحور
إسراء عبد الرؤوف، واحدة من السيدات اللاتى ولدن فى الشهر الكريم، حيث نقلت لنا تجربتها، قائلة "أنا ولدت فجر تانى يوم رمضان، صمت أول يوم وبعد ما فطرت بدأ الطلق، ورمضان ده حامل فى التانى وهصوم بإذن الله".
هكذا لخصت إسراء قصتها مع رمضان والولادة، فبسبب أنها صامت فى آخر شهر للولادة فاجأها الطلق لتصبح ولادتها أسرع دون وعى منها، وبالتالى فاجأت طبيبها قبل ساعات من الفجر بعد أن تأكدت من حدوث الطلق، والذى بدوره استيقظ ليلا وسارع لتوليدها، حيث أنجبت أول مولود لها مع طلوع أذان الفجر.
سردت إسراء قصة ولادتها قائلة "قعدنا نكلمه ساعة مش بيرد كان نايم بعد يوم طويل من الصيام والعمل غير أنه حدد لى يوم 15 من الشهر للولادة القيصرية ولم يكن متوقع ولادتى"، مع ذلك جاء الطبيب المتابع بعد استيقاظه وسارع مع طبيب التخدير الذى تم استدعاؤه فى وقت بسيط لا يزيد عن العشر دقائق واكتمل الفريق من أجل هذا الطفل الذى سمته والدته "أنس".
رحلة البحث عن تخدير فى منتصف الليل
فى حادثة مختلفة، يقول الدكتور مجدى علما، أستاذ أمراض النساء والتوليد بطب الأزهر "اتصل بى المساعد ولم يتبق على أذان الفجر إلا 3 ساعات، يطلب منى الحضور سريعا لمريضة لديها مشكلة فى القلب حانت ساعة ولادتها فى ذلك الوقت، فذهبت فورا وطلبت طبيب تخدير ذى خبرة مع هذه الحالات لحساسيتها فلم أجده"، عند هذه اللحظة لم يوافق علما أن يتدخل فى التعامل مع الحالة طبيب أقل خبرة، لذلك قرر أن ينقل السيدة فى سيارته لتتمكن من الاستلقاء بشكل مريح حتى الوصول لمستشفى أخرى.
ولم يبدأ علما فى نقل السيدة قبل أن يتأكد من صديق له بالمستشفى الأخرى، أن هناك أستاذ تخدير ليتعامل بشكل جيد مع المرض والحمل فلا يفقد الأم أو الطفل، وبالفعل دخل علما ليجرى العملية التى لم يشعر فيها بالوقت إلا بدخول إحدى الممرضات لإعطائه كوب من الماء فى غرفة العمليات، وعندما انتهى من عمله لم يجد متسعا من الوقت للسحور فيقول "تخطيت موعد الأذان ولم أشعر بعطش وجوع على مدار اليوم فيما بعد، بسبب فرحتى بالمولود".
ومن بين دفتر حالات علما فى شهر رمضان، يحدثنا عن إحدى الذكريات الثابتة فى ذهنه قائلا "بدأ الطرق على الباب مع أذان المغرب بينما كنت على مائدة الإفطار، وعندما فتحت وجدت البواب يخبرنى بولادة زوجته فكانت تلد فى البيت ومعها "داية"، ولخوفها الشديد هربت منها خلال الولادة".
نزل علما مع البواب ليجد الزوجة تحت السرير خائفة جدا من الولادة على يد "الداية" فكان عليه أن يهدئ من روعها ويساعد فى ما بدأته "الداية" التى كانت مدربة جيدا لحسن الحظ، لكن خوف الزوجة هو ما جعلها تتوقف، وأنجبت مولودها بسلام على يد الطبيب.
3 سنوات من ذكريات قسم 10 بقصر العينى
إذا كان الحال كذلك مع الأطباء فى عياداتهم الخاصة، فماذا عن طبيب بمستشفى عام يؤدى فترة "النيابة"، هذا الوضع الذى يستعيده الدكتور تامر النحاس، استشارى أمراض النساء والتوليد بالمركز القومى للبحوث، من صندوق الذكريات الذى لم ينساها أبدا، قائلا "ولادات رمضان تجعلنى أتذكر فترة النيابة بمستشفى قصر العينى التى كانت 3 سنوات بقسم 10، فكنت أصغر نائب فى القسم وكان مطلوب أولد كل من يأتى للقسم بأعداد كانت تزيد عن المائة حالة أحيانا نقسمها أنا وزملائى فى القسم".
ويضيف النحاس "عمرى ما فطرت أو اتسحرت على مائدة طعام مع أى شخص طوال الثلاث سنوات، لكن أشرب كركادية على الإفطار يضعون فيه الكثير من السكر وبعض التمرات على السحور".
ويعبر عن حالته فى ذلك الوقت قائلا كان شهر رمضان قاسى جدا، خاصة أن معظم الولادات تأتى على السحور أو الإفطار، ومع ذلك يؤكد النحاس أنها كانت أكثر فترة اكتسب فيها خبرة وساعدت فى كونه طبيب جيد فيما بعد.
د.محمد جبريل: الطبيب مش ملك نفسه
وينهى الدكتور محمد جبريل، أستاذ أمراض النساء والتولبد بطب الأزهر، الصورة الإنسانية التى رسموها لنا أطباء النساء والتوليد فى عملهم خلال رمضان، وكيف يجدون فى صيامهم لذة مضاعفة عندما يوهبون حياتهم للمساعدة فى خروج روح جديدة للحياة والمحافظة على سلامة أم، قائلا "كانوا بيشربونا العصير وإحنا بنولد القيصرى لنفطر، وأحيانا بيعدى السحور مبنتسحرش، ومن ضمن الولادات أن تكون قاعد على الإفطار فتجرى وتسيب الطعام والناس بتبدأ، لأن الطبيب مش ملك نفسه والحالة أهم، وكتير رجعت من نص الطريق للمستشفى مرة تانى، ورغم ذلك إلا أن كل طبيب نساء ينتظر فرحة رمضان أكثر من غيره".