الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه..
كلمتنا اليوم عن الصحابى الذى أنعم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، عليه، فهو الوحيد الذى ذُكِرَ اسمه صراحة فى أعظم كتاب على وجه الأرض، وهو رضى الله عنه ربيب بيت النبوة، وأول مَن أسلم من الموالى، حِب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوحِبه سيدنا أسامة رضى الله عنهما، إنه سيدنا زيد بن حارثة بن شراحيل من بنى قضاعة، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى تبدأ قصته عندما خُطِف من أمه، وتم بيعه، فتنقل بين أكثر من سيد حتى انتهى به المطاف فى بيت السيدة خديجة رضى الله عنها التى تزوجت من رسول الله، بعد ذلك؛ فأحسنت إلى زيد بأن وهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع أن معاملة السادة للعبيد فى قريش كانت بالغة السوء، إلا أن زيدًا رضى الله عنه وجد من الرسول صلى الله عليه وسلم معاملة لم يعهدها من قبل؛ حيث طاف به على حلق قريش يقول: «هذا ابنى وارثًا وموروثًا» يشهدهم على تبنيه زيدًا قبل تحريم التبنى.
إن معاملة النبى صلى الله عليه وسلم الراقية لزيد وعطفه عليه ورحمته به وإنصافه له وحنانه وكرمه عليه وبره به ووفاءه له وتواضعه معه؛ هى تلك الصفات التى دفعت سيدنا زيدًا إلى أن يقدم لرسول الله موقفًا راقيًا يعبر عن الوفاء له، فحين قدم أبوه وعمه فى فدائه قالا: يا ابن عبدالمطلب، يا ابن هاشم، يا ابن سيد قومه، أنتم أهل حرم الله وجيرانه، تفكون العانى وتطعمون الأسير، جئناك فى ابننا عندك، فامنن علينا وأحسن إلينا فى فدائه، قال: ومن هو؟ قالوا: زيد بن حارثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلا غير ذلك؟ قالوا: ما هو؟ قال: أدعوه فأخيره، فإن اختاركم فهو لكم، وإن اختارنى فوالله ما أنا بالذى أختار على من اختارنى أحدًا، قالا: قد رددتنا على النَّصَفِ، وأحسنت، فدعاه فقال: هل تعرف هؤلاء؟ قال: نعم، قال: من هذا؟ قال: هذا أبى، وهذا عمى، قال: فأنا من قد علمت ورأيت، وعرفت صحبتى لك، فاخترنى أو اخترهما، فقال زيد: ما أنا بالذى أختار عليك أحدًا أبدًا، أنت منى مكان الأب والعم، فقالا: ويحك يا زيد أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وعلى أهل بيتك؟ قال: نعم، قد رأيت من هذا الرجل شيئًا ما أنا بالذى أختار عليه أحدًا أبدًا، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أخرجه إلى الحِجر فقال: أشهدكم أن زيدًا ابنى يرثنى وأرثه، فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت نفسهما فانصرفا، ودُعِى زيد بن محمد، حتى جاء الإسلام فنزلت الآية الكريمة: «ادعوهم لآبائهم» (الأحزاب: 5) ولتقرير إبطال التبنى فى الإسلام بشكل عملى يشاء الله تعالى أن يضرب المثال للناس بنبيه صلى الله عليه وسلم، فيخطب السيدة زينب بنت جحش على زيد بن حارثة، وقد كانت رضى الله عنها لا ترضاه لولا شفاعة النبى صلى الله عليه وسلم عندها وظل متزوجًا منها ما يقرب من سنة أو فوقها، وكان سيدنا زيد يشتكى إلى النبى منها، ويخبره أنه قد عقد العزم على طلاقها، والنبى صلى الله عليه وسلم ينصحه بأن يتقى الله ولا يفعل، مع علمه عن طريق الوحى أن ذلك واقع لا محالة، وأنه صلى الله عليه وسلم سيتزوجها، لتكون هذه القصة تطبيقًا عمليًا للقضاء على عادة جاهلية يريد الإسلام محوها، والتطبيق العملى فى مثل هذه الموروثات أعظم تأثيرًا من الكلام النظرى، وتنتهى قصة الحِبِّ بخير ختام، حيث جعله النبى صلى الله عليه وسلم أميرًا على جيش المسلمين إلى مؤتة فى جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة، ليلحق بالرفيق الأعلى شهيدًا حيًّا ينعم نعيمًا لا ينقطع وهو ابن خمس وخمسين سنة، رحمه الله رحمة واسعة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة