محمد شومان

خطاب رمضان فى الثقافة المصرية

الأربعاء، 23 مايو 2018 06:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كل سنة وأنت طيب عزيزى القارئ، ورمضان كريم.. فكرت فى الكتابة عن الشهر الفضيل من زاوية ثقافية اجتماعية، حيث إن رمضان فى مصر مختلف من زوايا كثيرة ترتبط بالممارسات الاجتماعية وسلوك المصريين فى البيوت والشوارع وأماكن العمل والمساجد.. سلوكيات وممارسات تشكل خطابًا هو «خطاب رمضان فى الثقافة المصرية»، والحقيقة أن هذا الخطاب يحتاج إلى كتاب أو ربما رسالة علمية تناقش تفاصيل هذا الخطاب، والأهم تحولات هذا الخطاب المستمرة والمتجددة التى لا تخلو من إبداع.
 
لن تسع مساحة المقال، فخطاب رمضان فى مصر كبير وشامل.. ومتناقض ومعقد للغاية، أغلبنا كمصريين نحاول أن نتقرب إلى الله، وأن نقوم بكل الفروض الإلهية الخاصة بالشهر الفضيل، لكن فى الوقت نفسه نحاول أن نأكل كثيرًا.. نأكل ما لذ وطاب، ونتوسع فى الإنفاق، وتوزيع الزكاة وتقديم التبرعات، ونصل الرحم، ونشاهد أكبر قدر من المسلسلات والبرامج، سواء كانت رديئة أو جيدة، ونعانى من ازدحام الطرق وارتباك حركة المرور، وزيادة الخناقات والمعارك الكلامية التى ينتهى معظمها بتسامح جميل، لأن رمضان كريم ومعلهش الكل تعبان!! 
 
ومع ارتفاع درجات الحرارة وقلة ساعات نوم أغلب المصريين يقل العمل والإنتاج، ويكثر طلب الإجازات فى القطاع العام والخاص والحكومة، وتتقلص فاعلية المحاسبة والتدقيق، لأن المسامح كريم ومعلهش عشان رمضان، ومعلهش عشان الصيام!!. 
 
لكن هذه الممارسات الخطابية التى تنطوى على سلبيات كثيرة لا تخلو من إيجابيات ومنافع، فهناك تجديد وتأكيد للعلاقة الروحية مع الله.. والتماسك العائلى عبر اللقاءات الأسرية، وتفعيل القيم الأصيلة فى الشخصية المصرية، وهى التدين والتسامح والكرم والعطاء «كثرة التبرعات»، والعمل الجماعى فى أشكال عديدة، منها تنظيف وتزيين الشوارع وتوزيع بعض المشروبات أو التمر على العابرين والمسافرين الذين حان وقت الإفطار وهم بعيدون عن بيوتهم. 
 
ومع وصل صلة الرحم يحرص أغلب المصريين على التواصل مع الأصدقاء، وكذلك زملاء العمل فى حفلات إفطار جماعى قد يأخذ بعضها طابعًا رسميًا روتينيًا، لكنه فى الأغلب مفيد وداعم لروح العمل الجماعى.
 
ويمكن القول بأن خطاب رمضان فى ثقافتنا ينطوى على تناقضات مدهشة، إيجابيات وسلبيات وبركات كثيرة، والأهم تحولات غريبة، بعضها جاء نتيجة ما يمر به المجتمع المصرى من تغيرات اقتصادية واجتماعية، وبعضها بتأثير تكنولوجيا الاتصال وثقافة الترفيه والاستهلاك، وبعضها فرضته أثار ارتفاع الأسعار، خذ مثلاً الطعام والوجبات التى يعدها أغلب المصريين فى رمضان، وستجد أن هناك تحولات كبيرة بشأنها فى الأربعين سنة الأخيرة، حيث اختفت بعض المكونات تمامًا أو انخفضت الكميات أو المرات التى كانت تظهر فيها «المكسرات والياميش واللحوم مثلاً»، وذلك نظرًا لارتفاع أسعارها أو موجات الغلاء التى يعانى منها أغلب المصريين. 
 
وحدث تحول لافت للنظر فى ظهور وانتشار المؤسسات التى تعلن عن أبواب وطرق التبرع للمستشفيات والجمعيات الخيرية، حتى أن إعلانات هذه المؤسسات أصبحت تنافس الإعلانات التليفزيونية عن بعض السلع والخدمات، كما حدث تحول فى ممارسات الترفية عن المصريين خلال ساعات الصوم، حيث توحشت مسلسلات رمضان وانتشرت، ويقدم كثير منها صورا ومضامين تتعارض مع قيم الشهر الفضيل، ومع ذلك استمر كثير من المصريين فى قضاء أوقاتهم فى العبادة وقراءة القرآن فى البيوت والمواصلات العامة وأماكن العمل!! 
 
فى فضاء المتعة والترفية الرمضانى تراجعت المسابقات والفوازير وكادت تختفى من حياتنا، وتراجعت أيضا البرامج والمسلسلات الدينية، وأتاحت تكنولوجيا الاتصال والبضائع الصينية الرخيصة لكثير من المصريين مساحة أكبر لإنتاج الضوضاء عبر مكبرات الصوت التى تعلو المساجد والزوايا، كما أتاحت فى الوقت نفسه فرصة أوسع لتزيين الشوارع والحارات فى عمل جماعى مطلوب لا يخلو من أشكال فنية بدائية يفرح بها الجميع، وأعتقد أن تزيين البيوت والشوارع هى ممارسة اجتماعية حقيقية ينتج فيها المصريون شيئًا خاصًا بهم، عوضًا عن استهلاك أشكال فنية جاهزة ومعلبة عبر شاشات التليفزيون واليوتيوب. 
 
ولا أنسى هنا التحولات التى طرأت على فانوس رمضان واستخداماته، فالفانوس المصرى الرمضانى كاد أن يختفى وتموت صناعته نتيجة غزو الفانوس الصينى الذى لم يكن فانوسًا حقيقيًا، بل كان مجرد لعبة تردد أغانى شعبية، لكن الفانوس المصرى صمد واستعاد قوته وانتشاره بعد منع استيراده وارتفاع أسعار منافسه الصينى، ذلك المسخ الغريب الذى مازال يتسلل إلى الأسواق، لأنه يدخل مصر تحت بند لعب أطفال.
 
من ضمن تحولات الخطاب الرمضانى اختفاء المسحراتى تقريبًا من المدن الجديدة واقتصار ظهوره على المناطق الشعبية، وتراجع موائد الرحمن، لصالح انتشار شنط رمضان وتوزيع «كرتونة رمضان»، فقد قلت أعداد موائد الرحمن وتراجع انتشارها، ربما نتيجة ارتفاع الأسعار وتفضيل كثير من المصريين توزيع مكونات الطعام على الأسر المحتاجة، ما يضمن لها الستر وإعداد وجبات خاصة بها، بدلا من الارتباط بمواعيد موائد الرحمن التى لا تخلو من بعض التفاخر والدعاية لمن يقوم بتنظيمها.  
 
عموما هذه بعض تحولات خطاب رمضان فى الثقافة المصرية الذى كما قلت فى بداية مقالى يحتاج إلى بحوث ودراسات، والله أعلم.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة